متى يكون الفضول فضيلة، ومتي يكون عكس ذلك؟ وكيف يمكن تطويره وإنعاش قوّته؟..تحاول "فلافيا مانوتشي ؛ Flavia mannocci" المتخصّصة في العلاج المعرفي والسلوكي، الإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها في كتابها المعنون بـ"قوى الفضول ؛ Les pouvoirs de la curiosité" الصّادر عن منشورات " أوديل جاكوب ؛Odile Jacob ".
لطالما اعتُبر الفضول عيباً وأمراً مستهجناً، بيد أنّه يعدّ من جهة أخرى، قوة محرّكة للحياة ورافعة كبيرة للعمل، ولاسيما عند الأطفال. ويكشف لنا تاريخ الإنسانية دور الفضول في فكّ شفرة عالمنا وتطوير أفكارنا في مختلف المجالات، لقد أعلى أرسطو من شأن الفضول معتبراً أنّ الكثير من البشر يعيشون من أجل إشباع فضولهم فحسب، فيما حالة النّهم غير قابلة للإشباع. إنّه يجذب المرء، ويولّد لديه القلق، لأنّه يحتوي على جزء معتّم من المجهول يرغب في معرفته.
* الفضول قوّة إيجابية:
يًعرَّف الفضول عموماً بأنّه موقف أو سمة شخصية تدفع الفرد إلى الاهتمام بموضوع أو شخص أو نشاط. تقول المؤلّفة: "يمكن أن نتخيّل الفضول باعتباره أمراً غير لائق وفعلاً طائشاً، ولكن قد يكون الفضول قوّة إيجابية للفرد الذي يثير رغبته في التّعلّم والانفتاح على العالم، وعلى الآخرين وعلى الذأت، وذلك من خلال تجربة المتعة". إنّ الفضول أمر سيّئ، كما تقول الحكمة الشعبية... غير أنّه يثبت أنّه قوة داخلية لا غنى عنها تدفعنا إلى استكشاف العالم بأدقّ تفاصيله ومعرفة ذواتنا خلال مختلف مراحلنا العمرية.
وتبرز المؤلّفة أنّ الفضول هو "أحد أقوى مُحرّكات العمل الفكري والواقعي"، إنّه أحد الخيوط الحمراء الرّئيسية لوجودنا وتطوّرنا، هو بذرة صغيرة تنتظر، في بعض الأحيان فقط، أن يتمّ تحفيزها وتشجيعها وإيقاظها، وهذه البذرة الصّغيرة موجودة بالفعل في الطّفل الذي نحمله بين ذراعينا، إنّ الفضول يدفعه لاستكشاف بيئته ويسمح له بتطوير قدرته على التكيّف. ولذلك، يستحضر صانعو ألعاب الأطفال الجانب الفضولي فيها وما ستثيره لدى الأطفال من فضول. كما أنّ التّعليم الذي نستفيد منه، والجوّ العائلي، والبيئة التي نعيش فيها، ستكون حاسمة لجعل هذه القوّة الفطرية تنمو بشكل متزايد.
تسلّط هذه الأخصّائية النفسية الضوء على دور الوالدين من خلال"رابطة التّعلّق" التي يتمّ إنشاؤها، معتبرة إيّاها "مصدراً حقيقياً للطّاقة"، وسيكون لها تأثير كبير على بعث فضول الطفل، وأن يحبّ الوثوق في النّفس، وأن يكون لاعباً اجتماعياً وفضولياً.
* إنشاء الرّابطة:
تشير فلافيا إلى أنّه في سنّ مبكّرة، يشعر الطفل بالفضول حول ما يحيط به، ويحبّ إجراء تجاربه الخاصّة، وتضيف أنّنا سنكون "مبرمجين مسبقا" لنكون فضوليين، ومن ثمّ سنتمكّن من التطوّر من خلال التبادلات مع ما يحيط بنا. وعلاوة على ذلك، ومنذ سنّ مبكّرة، يدير الطفل وجهه، ويوجّه نظراته نحو الأصوات الجديدة، ويضع في فمه كلّ ما يقع في متناول يده لاكتشافه.
ومع نموّه، ينفتح هذا الطفل أكثر فأكثر على بيئته. وعندما يبلغ ما بين أربعة وثمانية أشهر، يبدأ بتعلّم، وعلى سبيل المثال، كيف يهزّ الجرس، أو لعبة لإحداث ضجيج. وعندما يبلغ ما بين عام وعام ونصف، يدخل في مرحلة وصفها عالم الأحياء السويسري الشّهير"جان بياجي؛ Jean piaget" بأنّها " مرحلة التجريب النّشط". لقد أصبح شيئاً فشيئاً مفتوناً بالواقع، يمكنه آنذاك إسقاط كرة صغيرة من ارتفاعات مختلفة لمراقبة سقوطها.
تعود المُعالجة النفسية مرّة أخرى إلى سؤال جوهري: "لماذا برمجتنا الطّبيعية لكي نكون فضوليين، وأن نستكشف البيئة؟ مرّة أخرى، يجيب بياجي: "أنّ ذلك مردّه إلى أنّنا لسنا مكتفين ذاتياً. ومع ذلك، ليس كلّ الأطفال مستكشفين (فهم يحتاجون إلى مراقبة مستمرّة...). ولهذا تشرح المؤلّفة بعضا من الاختلافات بين الأطفال الصّغار عن طريق التعلّق وإنشاء ارتباط مع شخص معيّن، وغالباً ما تكون الأمّ هي " شخصية ارتباطه"، وسيكون لهذا الرّابط تأثير كبير على فضول الطفل. إنّه بمثابة وجود" صندوق آمن" يسمح له بالفضول حول الواقع الذي يحيط به. وفي مرحلة البلوغ، يتمّ بناء رابطة التعلّق مع شريك أو أي شخص آخر يكون موضع ثقة. وكما كان الأمر عليه من قبل، فإنّ استقرار هذه "القاعدة الآمنة" هو الذي يتح الفرصة للاهتمام ببيئتنا، أو الاستثمار بهدوء في عمل أو مشروع في استكشافات جديدة في حالة الفشل أو خيبة الأمل.
إعداد: عبد الرحمان إكيدر