* إشكال أولـي:

 إن الوقوف عند حقيقة علم النفس التربوي في مفهومه ودلالته التربوية يستلزم منا الوقوف على أهم المراحل التاريخية التي قطعتها التربية، و تفاعلها مع مختلف العلوم لاسيما العلوم الإنسانية والتي منها علم النفس بشكل اخص، الذي يعد من ابرز الروافد التي ساهمت بشكل كبير في ظهورتشكل هذا الفرع من علم النفس الذي اصطلح على تسميته بعلم النفس التربوي أو علم النفس المدرسي أو علم النفس المدرسة، وهو فرع من علم النفس العام،و هو تخصص مستقل له موضوعه ومناهجه ولغته المصطلحية، ويمتلك جهازه المفهومي والمصطلحي.

فالتطور الذي حصل في هذا العلم –علم النفس التربوي- جاء نتيجة لتزايد الحاجة واتساع الطلب المستمر على علوم التربية، وكان من نتائج هذا التزايد المستمر على على علوم التربية، هو ظهور هذا التخصص المسمى بعلم النفس التربوي أو "علم النفس المدرسة".

فعلوم التربية وحضورها القوي والوازن بين العلوم، جاء بفضل تراكم المشاكل الديداكتيكية، واتساع الإكراهات البيداغوجية، والصعوبات التعليمية التي أخذت تعرفها منظومة التربية والتعليم في الآونة الأخيرة، وبشكل كبير في جميع أقطابها وأطرافها وعناصرها. 

*علم النفس التربوي:

 لقد سبق الذكر أن ظهور العلوم الإنسانية بما في ذلك علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الانتروبولوجيا، جاء نتيجة لمجموعة من المعطيات الحضارية والثقافية والقيمية التي فرضتها التحولات الحضارية العميقة التي مرت منها المجتمعات في مساره التاريخي والعلمي والثقافي.

 بحيث اتسع الطلب على هذه العلوم لتكون علوما خادمة للإنسان وملبية لحاجياته النفسية والسيكلوجية والاجتماعية، ومستجيبة ومجيبة لأهم المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي أحدثها التطور الكبير والتقدم السريع الذي عرفه التاريخ البشري في مساره العلمي ،إضافة إلى ما أفرزته الحضارة الغربية، وما أحدثته في حياة الإنسان من مشاكل بعد الثورة الصناعية الكبرى التي شهدتها أوروبا.

وتذهب كثير من الدراسات والبحوث أن هذا النوع من العلوم حديث العهد والنشأة، بحيث ظل لأمد بعيد مرتبطا ومحتضنا مع الفلسفة والعلوم الإنسانية، ومتواصلا بالطب، و متداخلا مع علوم الحياة. 

* علم النفس:

ترجع البحوث المهتمة بتاريخ علم النفس أن مؤسس هذا العلم هو العالم الألماني "فونت": والفضل لهذا العالم أنه جعل من علم النفس علما مستقلا بذاته، له موضوعه الخاص، ومناهجه المناسبة لموضوعه، ويمتلك لغته المصطلحية وجهازه المفاهيمي، بعد أن كان علما متداخلا وممزوجا مع الطب والبيلوجيا، ومع الفلسفة ومع العلوم الإنسانية.

وقد أوضح فونت أنّ الهدف الأساسي منعلم النفسهو فهم وتحليل الوعي ودراسة السلوك البشري،وقد قام فونت بإنشاء مختبر سيكلوجي في علم النفس التجريبي للبحث في النظريات، و في دراسة السلوكيات غير الطبيعية للفئات التي تعاني من إعاقات إما جسدية أو إعاقات عقلية، مع تحديد وتشخيص الاضطرابات العقلية والصعوبات النفسية التي تعيشها هذه الفئة،وأصبح هذا المختبر نموذجاً لمختبرات علم النفس الأخرى في جميع أنحاء العالم.

* سياق علم النفس المدرسة:

بالرغم من المسار التاريخي الطويل الذي قطعته التربية ومرت بها علومها، فإنها اختارت الاستقرار في الأخير في الجهة التطبيقية الإجرائية العملية،أي في تخصص ينعت بعلم البيداغوجية وهو تخصص له علاقة مباشرة بمهن التربية والتعليم و التدريس.

فهذا التحول والانتقال للتربية في الوظيفة والمهام،هو الذي أهل التربية لأن تداخل مع كثير من العلوم ،بحيث أصبح حقل التربية والتعليم حقلا جامعا ومشتركا للمقاربات المتعددة و للتخصصات العلمية المتنوعة ،ومن تبعات هذا التداخل هو ظهور علم النفس المدرسة.

وهذا العلم"علم النفس التربوي" يراد بعلم نفس المدرسة أو المدرسي أو علم النفس المدرسة بوصفه أحد الفروع المتفرعة على علم النفس التربوي، والغاية من هذا الفرع هو تقريب المفاهيم والتصورات والمعاني والنظريات النفسية، إلى الحقل المدرسي، وتطبيق الإجراءات والمناهج السيكولوجية من أجل تحسين الأحوال المدرسية في أداء التعلمات.

وبشكل عام فان علم النفس التربوي من أهم فروع علم النفس العام فهو علم اتجه إلى دراسة السلوك الإنساني، ولكن في ميدان هام وحيوي،وهو ميدان المؤسسات التعليمية وخاصة وفي محيطها.

* جهات علم النفس المدرسة:

إن من ابرز الجهات والمجالات التي اشتغل عليها علم النفس المدرسي:

- التشخيص النفسي والعقلي والطبي للمتعلم.

- الأمراض العقلية والنفسية والانحرافات السلوكية كالشذوذ أو الجنوح عند المتعلم.

- مناهج العلاج النفسي.

- التخلف الدراسي وأسبابه.

- العنف المدرسي.

- التعثر الدراسي.

- صعوبات التعلم.

- الطفولة والمراهقة.

- الإرشاد النفسي.

- التأخر الدراسي.

- العجز التعليمي أو الفشل الدراسي.

 إن هذا الفرع من علم النفس له علاقة مباشرة بمهن التربية والتعليم والتدريس وبتأهيل وتكوين المدرسين. و يشتغل على جميع الطرق المؤهلة لنجاح المدرسين، و التي تساعدهم وتعينهم على النجاح المدرسي. وهو تخصص قائم بذاته وخادم لقطاع التربية والتعليم في جميع جهاته و قطاعاته ومستوياته وأقطابه بل خادم حتى لطرائق ومسالك التدريس.

بقلم: محمد بنعمـر (بتصرف)

أضف تعليق


كود امني
تحديث