من الطبيعي جداً لكل طفلٍ أن يشعُر بالغيرة عند قدوم مولود جديد، في الحقيقة لا أظن أنّ هناك طفلٌ لا يتأثر بحدثٍ عظيم كهذا. و لأن قدرة الأطفال على التعبير عن مشاعرهم و التحكم بها محدودة، تظهر هذه المشاعر على شكل تصرفات غير المعتادة، فإما يصبح الطفل كثير البكاء و صعب الإرضاء، أو يميل في تصرفاته للعدوانية و الضرب، أو قد ينطوي و يبتعد و يكبت مشاعره.
أحياناً يَصعُب علينا نحن البالغون فهم ما يمّر به طفلنا، لكنّنا كُلّما أدركنا الحزن و الخسارة التي يَشعُر بها و توقّعناها أيضاً كُلّما تغيرت نظرتنا للأمر و أصبحنا أكثر قُدرة على جعل الجميع أسعد.
طفلك سيحزن و سيتألم لفقده علاقته الخاصة بك، لفقده لقبه و مميّزاته كالطفل الأول والوحيد أو الأصغر في العائلة، لاضطراره مشاركتك مع شخص آخر. فهو الآن لن يحصل على كل اهتمامك و وقتك..فهذا ما سرقه منه أخاه الرضيع. إذن هو في فترة حداد و لا يملك الكلمات ليصف لك شعوره. هو حقاً لا يدرك ما هو هذا الشعور، لكنه سيء بالتأكيد. سيءٌ جداً و سيظهر على شكل تصرفات سيئة.
أنت وحدك من يستطيع مساعدته ليتعافى و يتخطى هذه الفترة. و ما يحتاجه ليس بالضرورة أن يكون كل وقتك و اهتمامك، و لكته بالتأكيد بحاجةٍ لتفَهُمك و تعاطُفِك و تقبُلك له و لمشاعره. كيف؟
1 - تأكدي من استقرار طفلك في هذه المرحلة:
فلا تحاولي تغيير غرفته أو مكان نومه، أو تدريبه على استخدام الحمام أو ترك (اللهاية) وغيرها، فقدوم المولود الجديد وحده تغيير كبير يحتاج لأن يتعامل معه، كما أنك لا تريدين أن يربط حصول هذه التغيّرات مع هذه الفترة الحرجة.
2 - لا تُنكري مشاعر طفلك:
و تعاطفي معه في كٰل ما يشعر، علمّيه كلمات لتصف مشاعره حتى يعبِّر عنها و لا يضطر لإظهارها في تصرفاته.
مثلاً قد يٰردد أشياءً مثل أنا أكره الطفل الجديد،أو لا أريدك أن تهتمي به و أتمنى لو لم يكن موجوداً، تقبلي شُعوره و لا تُنكريه، قولي شيئاً مثل " أنا أعرف كم من الصعب عليك أن لا أكون لك وحدك" أو " أحياناً يكون الأطفال الصغار مزعجين"، "أعرف أن الطفل الجديد يحتاج لاهتمام و وقت كبير لأنّه لا يُمكنه فعل شيء بنفسه و من الصعبٌ عليك أن تنتظر".
اشرحي له شعوره " إن ما تشعر به يُسمى بالغيرة، و هذا يحصل عندما تُريد شيئاً قد حصل عليه غيرك، لا بأس أن تغار و لكني سأُساعدك لتتعلم كيف تتحكم في شعورك".
إذا انهار و بدأ في البكاء لا تمنعيه، فالبكاء يُساعد الأطفال كثيراً في التخلص من المشاعر السيئة " يُمكِنك البكاء قدر ما تشاء ، أنا أرى أنك تشعُر بالحزن و سأبقى معك لأُساعدك أنت بآمان معي و أنا أُحِبك كثيراً".
كلّما حاولنا رفض مشاعر أطفالنا و لم نُظهِر لهم تفهمنا لما يشعرون، كلما ازدادت حدّة تصرفاتهم لإثباتها لنا.
3 - اجعلي من طفلك الأكبر بطلاً:
في نظر نفسه و في نظر أخيه الجديد، فاسأليه إن كان يود أن يضعه في حُضنه ( بمساعدتك طبعاً)، و علميّه كيف يُسنِد رأسه و يلمِسه بلطف، ثم أخبري طفلك الجديد بأنك تودّين تعريفه على أخيه الأكبر، فهو ولدٌ رائع و كم تتمنين أن يُصبح مثله عندما يكبُر، أُذكري كل ما تحبين في طفلك من صفات و خُصل. و كل ما تُريدين أن يتعلمه منه. اذا كان هناك أكثر من أخ، إحرصي على أن تفعلي ذات الأمر مع جميع الإخوان كلٌ على انفراد.
4 - لا تدفعي بطفلك بعيداً:
على العكس شجّعيه على الاقتراب من أخيه الرضيع ، لمسه و ضمه و علّميه الطريقة الصحيحة لفعل ذلك ، أدعيه إلى الجلوس معكم وقت الرضاعة مثلاً أو للغناء لأخيه قبل النوم و قولي له "أظن أنه يُحب صوتك"، اسأليه إن كان يود مساعدتك في تغيير حفاظه فيجلب لك الأغراض، أو في تنظيفه و تحميمنه.. اشتري له هديّه و أخبريه أنها من أخيه الرضيع لِشُكره. إذا تبسم الطفل لأخيه الأكبر قولي له "أنظر كيف يبتسم لك لا بد أنه يستمتع بوجودك". فهذه الأمور البسيطة تخلق رابطاً عاطفياً بينهما و تُشعِر طفلك بأهميته و قُدرته.
5 - إعطي طفلك جرعات مضاعفة من الحب و الحنان:
ذكرنا أن هذه الفترة ليست الفترة المناسبة لدفع طفلك ليكون ولداً كبيراً، و ربما قد تَجِدي أنه عاد يتصرف تصرفات طفولية جداً بحثاً عن حُبكِ و اهتمامك، فيستيقظ كثيراً مثلاً ليلاً ، يرغب في الشرب من القنينة بدلاً من الكوب و هكذا، حاولي أن تتقبلي هذا الأمر و تبتعدي عن انتقاده وإشعاره بالخزي فهي مرحلة يحتاج فيها أن يتأكد من قيمته في البيت و أهميته لك و ستمُّر. فإن استيقظ في الليل مثلاً، ضُميه و أعيديه لسريره و إبقي معه قليلاً، إن لم تستطيعي بسبب حاجة طفلك الرضيع لك، أطلبي من والده ذلك.
إن تظاهر بأنه هو رضيعٌ أيضاً، لا تقاومي بل العبي معه هذه اللعبة أنت أيضاً، سينسى الأمر سريعاً إن لم تُقاوميه.
6 - تجنبي تعليق الأمور على المولود الجديد:
أسمع كثيراً من الأُمهات يُخبرون أولادهم بحاجتهم لمُغادرة الألعاب مثلاً أو بأنهم لا يستطيعون فعل كذا و كذا لأن طفلهم الرضيع بحاجة للأكل أو النوم أو غير ذلك. أنتِ تُخبرين طفلك بحقيقة الأمر ظناً منك أنه سيهتم كفايةً ليستجيب، في الواقع طفلك فقط يربِط عدم تمكُنه من فِعل ما يُحِب بقدوم هذا الطفل، لذا يُمكنك إخباره بأنكم عليكم مغادرة الألعاب لأنه حان وقت الأكل، وأنك لا تستطيعين الخروج الآن لأنك تحتاجين لأخذ حمام أو إنهاء الغسيل، لكن ليس لأي سبب متعلقٍ بالطفل الجديد. أيضاً إن طلب طِفلك مساعدته في أمرٍ ما، و كنت مشغولة مع أخيه الصغير أخبريه أنك ستساعدينه فور تَمكُنك من ذلك و ليس عندما تنتهي من أخيه الصغير.
7 - تأكدي من منح أطفالك وقتاً خاصاً يومياً:
كعشرة دقائق كل يوم مع كلٍ منهم على انفراد، أو ساعة يومياً مثلاً مع الطفل الأكبر إن لم يكُن هناك غيره، استغلي فترة نوم الطفل الرضيع أو وجود من يُمْكِنه حَمله و العناية به. ركزي كل اهتمامك على طفلك في هذا الوقت، العبي معه لُعبه، اقرئي له قصة، تكلّمي و امزحي معه. اعرضي عليه صوَرَه عندما كان طفلاً صغيراً هو أيضاً، كلّميه عن طفولته الرائعة و كيف أصبح الآن كبيراً لديه قُدرات و يستطيع أن يهتم بنفسه و بغيره.
8 - الزِمي طفلك بحدوده المعتادة، بعيداً عن القسوة:
سيُجرِّبك طفلك في هذه الفترة كثيراً و سيختبر كل حدوده فقط ليتأكد من أن حبَك له لم يتغيّر، قد يُعاند، قد يرفض كل ما يُطلب منه، قد يُحاول ضرب و إيذاء الطفل الجديد، لذا إنفعالك ، الصراخ عليه، ضربه و عقابه سيزيد الوضع سوءاً، و مع هذا تركه ليفعل ما يحلو له سيُخيفه و يُربكه، لذا إفرضي حدودك المُعتادة معه لكن بِلُطف و حُب . فمثلا اذا ضرب أخاه الرضيع، أوقفيه بِلُطف، إمسكي يده و قولي له " لن أسمح لك بأن تضرب، أنا أرى أنك منزعج و لن أتركك تضرب".
أحياناً قد لا يقصد طفلك أذية أخيه و إنما يرغب فقط باللعب معه و استكشافه و لا يعرف كيف يفعل ذلك بلُطف، لذا بدلاً من تأنيبه و إبعادِه قولي له "آه أنت تُريد أن تُقبله/ تضمه/ تُضحِكه دعني أريك كيف تفعل ذلك" و أريه كيف يلمسه و يُقبِله بلُطف.
9 - لا تتركي رضيعك دون مراقبة:
كوني دائماً موجودة و راقبي عن قُرب عند تواجد طفلك حول أخيه الجديد، و لا تتوقعي أن يكون قادراً على التحكم في نفسه طوال الوقت.
10 - اقرئي لطفلك:
هناك الكثير من القصص للأطفال باللغتين العربية و الانجليزية عن وصول طفل جديد للبيت و مشاعر الغيرة و كيفية التعامل معها، ابدئي حتى في مرحلة الحمل لِتُحضّري طفلك للأمر فمثل هذه القصص مفيدة ليٰدرك الطفل أن ما يَحصل معه طبيعي و يحصل مع غيره من الأطفال.
بالطبع لن تكون هذه المرحلة سهلة على أي منكم، إلا أن غيرة طفلك ليست مشكلة بحد ذاتها بل تعامُلنا معها و رفضنا لشعور أطفالنا بها هو ما يُفاقِم الأمور. لذا إن توخينا الحذر ستمر هذه الفترة و تختفي بسرعة و لا يبقى بين أطفالك إلا الحب.
بقلم : لانا أبو حميدان (بتصرف)