أنا حر، هذه خصوصيتي، لقد أصبحت شاباً ومن حقي أن أفعل ما أشاء، لم أعد صغيراً ليتحكم أحد بأفعالي. لست آلة يتم تحريكها بجهاز التحكم. يجب أن يحترم الجميع طريقة تفكيري ورغبتي في فعل ما أريد. في أن أخوض تجارب الحياة؛ أصيب فأتعلم وأخطئ فأتعلم. فسعادتي في حرّيتي!
كانت هذه الجمل التي توجهَ بها محمود إلى أبيه. وهي بالتأكيد ليست مشكلة محمود وحده، بل هي مشكلة شائعة تنتشر في مجتمعاتنا على نحو يجعل حياة الأُسَر غير مستقرة.  فهل لهذه المشكلة حل أم أنها كما يقولون صراع الأجيال الذي لا ينتهي؟!

سننطلق في نقاشنا لهذه القضية من عبارة (صراع الأجيال) نفسها؛ تلك العبارة التي تُطلق عادة للتيئيس من أية محاولة للعلاج لأنها مشكلة اجتماعية ثابتة متكررة.
عندما نقول: «صراع الأجيال» فإننا نعني الفجوة التي تكون بين الأبناء والآباء، والسبب الرئيس لها حرص الآباء على متابعة الأبناء. وطالما أن هذه المشكلة تتوالى مع توالي الأجيال فهذا يعني أن هؤلاء الأبناء عندما يصبحون آباء فإنهم سيكررون الأمر ذاته مع أبنائهم، فيتذمر منهم أبناؤهم، حتى إذا صار هؤلاء الأبناء آباء تكرر الأمر ذاته.
إذن فالأمر يتعلق بقناعات تقبع في عقول جيل الشباب على الدوام، ولا يتم تصويبها إلا عندما يصيرون آباء، عندها يدركون أن ما كان يفعله الوالدان كان حقاً وصواباً فيكررون الأمر ذاته مع أبنائهم. وبالتالي، فإن الحل يكمن في تصويب تلك القناعات في عقول الأبناء قبل أن يصبحوا آباء.
سنتوجه إلى الشباب ليس لنقنعهم بأن يقبلوا بواقعهم كما هو فيلتزموا برغبات الآباء أياً كانت، بل لنوضح الرؤية فيما يتعلق بحالة الصراع التي يعيشونها مع آبائهم في محاولة لجسر الهوة بينهم:
أولاً: أطلب منك أمرين؛

 - الأمر الأول: أمسك ورقة وقلماً واكتب: كيف يعاملك والداك، وكيف تريد أن تعيش. عرِّف المصطلحات التي تريد أن تتمتع بها، كالحرية الشخصية، والخصوصية وغيرها، وأعطِ أمثلة على كلٍّ منها من أفعالك وتصرفاتك مع تقييم تلك الأفعال في ميزان الشرع والمجتمع، أي ما هو صح وما هو خطأ، عندها ستعلم يقيناً الدافع الكامن وراء رفضك تدخل أبويك؛ لأن البر ما اطمأنت إليه نفسك والإثم ما أخفيته وخشيت أن يطّلع عليه الناس.
 - الأمر الثاني: اكتب في ورقتك بالتفصيل كيف ستعامل أبناءك عندما تصير أباً بعد أن تتخيلهم شباباً وشابات. فإنك بذلك ستوفر على نفسك الأيام والأعوام لتدرك الكثير من الحقائق.
ثانيـاً: أنت تعلم بلا شك أن الدافع الأكبر لتدخلات والديك هو حبهما لك وحرصهما عليك لكنك لا تقبل ما يقومان به، إذن الحل لن يكون إلا في طريقة تعامُل تمنحك مساحة من الراحة والحرية وفي الوقت نفسه تشعرهما بالاطمئنان تجاهك، وهذه الطريقة تتحمل أنت مسؤولية إيجادها وتفعيلها في حياتكم لأنك بلا شك أكثر اطلاعاً على فنون التواصل والتعامل التي من المؤكد أنها لم تكن متاحة لوالديك.
ثالثـاً: تذكّر وأنت تشعر بالضيق من تدخلات والديك أن في الحياة أخطاراً لا تدركها لقلة تجربتك ولن تتسع الحياة لتجربتها لأن خسائرها تقضي على الحياة نفسها، أما أبواك فقد عرفا أخطارها من مشاهدات الحياة، لذا كان لزاماً عليهما أن يقفا حاجزاً بينك وبينها.
رابعـاً: عندما تتقبل نصائح والديك وتستفيد من تجاربهما فإنك بذلك تعيش عمرين؛ عمرك وعمرهما. في حين أنك كنت ستضيّع الأيام والأعوام لتصل إلى تلك الخبرات.
خامساً: تذكر دائماً أن ما يقوم به والداك ليس أسراً لحريتك، بل هو كالسد، لأن الحرية التي تطمح إليها كالنهر الغزير لو تُرِك لفاض ماؤه وأتى على الأخضر واليابس. ولا بد للإنسان من نظام يعيش وفقه. لأنه إن لم يفعل فستغدو العشوائية والفوضى نظاماً جديداً يُعَنْوِن حياته ويوجه مسيره.
سادساً: إن ما يقوم به والداك إنما هو امتثال لأمر الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ﴾ [التحريم: 6]، وامتثالاً لقوله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.».
سابعـاً: لا تنس أن ما تطالب به من حرية شخصية إنما هو مصطلح انتقلت عَدْواه من الإعلام الغربي إلى الإعلام العربي، ونسينا أن منظومة الحياة الغربية التي تقتضي عدم تدخل الآباء في الأبناء تقتضي في الوقت ذاته ألا يقوم الآباء برعاية أبنائهم أو الإنفاق عليهم عندما يصيرون في سن معينة؛ الأمر الذي يعده أبناؤنا من أهم واجبات الوالدين تجاههم إلى أن يلتحقوا بعمل أو يتزوجوا ! فما هذا التناقض؟!
وللآباء أقول:
لا بدّ عند متابعة الأبناء  من عدم ممارسة دور الشرطي الذي يلاحق اللص، وهذا يتطلب منكم أساليب حكيمة تعتمد على الحوار والصداقة ومنحهم الثقة مع توقع حصول الغلط، وتقبُّل الأغلاط بصدر رحب وتفهُّم. مع السعي قبل كل ذلك وبعده إلى زرع تقوى الله وخشيته في نفوسهم في السر قبل العلن، كل هذا سيجعلهم يتحملون مسؤوليات الحياة ويبتعدون عن أخطائها ويحسنون اختيار مواقفهم. عسانا نصل إلى يوم نبحث فيه في معجم اللغة العربية عن معنى: «صراع الأجيال» فنجد أنه: مصطلح قديم كان يطلق على ظاهرة سادت في مجتمعاتنا العربية في حقبة من الزمن تم القضاء عليها نهائياً بسبب الوعي الذي تم نشره ابتداء من الأسرة والمدرسة وانتهاء بوسائل الإعلام.

                                                        إعداد:  سهير علي أومري