إذا سألت مجموعة من الموظفين، عن الشيء المهم، الذي ينبغي أن يتوفر في مكان العمل. ستجد إجماعا على أهمية وجود، "الاحترام والتقدير".
ومعنى "التقدير"، بأن ينال الموظف راتبا جيدا، ويُعطى فرص تدريبية عادلة، وعلاوات وترقيات، متصلة بخط زمني محدد. دون استخدام ذلك الحق، الذي يحصل عليه، نظير عمله ومجهوده، كأداة للمنّ عليه، في كل حين. ونحن نعرف جيداً، بأن أماكن العمل، لا تتبرع بمنح أي موظف ترقية أو علاوة، من باب الصدقة. بل مقابل عمل ومجهود، ومثابرة من الموظف، لمساهمته في إنجاح أهداف، أو مشاريع المؤسسة التي يعمل بها.
"والاحترام"، بمعنى أن يتم التعامل معه كإنسان، بكل أدب وكياسة، أثناء إعطائه مهام العمل، أو أي توجيهات تصحيحية. فلا يصح لصاحب العمل أو الرئيس، بأن يرفع صوته، أو يمسح بكرامة الموظف الأرض، لأن المنتج النهائي مثلاً، لم يرتق لمستوى أفكاره مثلاً. ولا يصح أن يتندر ويستهزئ بالموظف، ويحرجه أمام زملائه. فبعض الرؤساء يعتقد بأنه ظريف، حين يضحك موظفيه، على تعليقاته قليلاً، فيبالغ بالإساءة، ليُضحكهم كثيراً، معتقدا بأن خفة الظل، من مواصفات الرئيس الناجح. وكل ذلك يتم، على حساب إنسان، أضطر أن يقف أمامه بصمت، دون ابداء أي ردة فعل، تجاه إهانات رئيسه. وأغلب الموظفين، الذين يتعرضون لإهانات من رؤساءهم، لا يردون عليها، خوفا من استخدام رؤسائهم لسلطة المنصب، والانتقام منهم.
ومع ذلك، يرفض ويستنكر الرؤساء السيئون، حقيقة دفع موظفيهم، للدخول في زوابع نفسيه، تؤثر عليهم بعد تراكمات، إلى أن تنهكهم جسديا وتوصلهم لمرحلة المرض. ولا يتوقف الأمر عند المرض، بل يلجأ الأغلبية للانتقال من إدارتهم، الى أقسام أخرى. وحين يتم رفض طلبهم، يضطر بعضهم للاستقالة بحثاً عن فرص عمل، في أماكن أخرى، يُحترم فيها الإنسان.
وربما أختبر بعضنا، مواقف استسماح، واعتذارات مزيفه، قدمها بعض المدراء السيئين، حين يتم استبدالهم أو تقاعدهم. في محاولة بائسة، للتملص من جرائمهم وذنوبهم، وتاريخهم الأسود، بإلقاء اللوم على رؤسائهم الأعلى. وكأن الرئيس الأعلى، كان يطلب منهم بالحرف أن يسبّوا، ويهينوا، ويجرحوا موظفيهم، ويتعاملوا معهم كسبايا الحرب !
والأمر الأقبح من هذا كله، حين تصادف رئيسا سيئا، كان قد مارس معك أصناف وألوان التنكيل والاضطهاد، يلوح لك بوجه مبتسم، حين يصادفك في مكان عام، متوقعاً منك أن تأخذه بالأحضان، من جمال تلك البصمة، التي تركها داخل نفسك، طوال فترة توليه المنصب. وحين تتجاهل وجوده، وتعطيه ظهرك وتمضي. يستنكر ردة فعلك !
المثير حقاً، أن تجد في بعض أماكن العمل، من يفضلون تعيين المدير السيئ، في تعامله مع موظفيه، وكأن ذلك أصبح من مميزات القيادة. فما أن تلاحظ بعض الادارات، مديرا بأخلاق رفيعة، يحبه موظفوه، أو لديه كاريزما خاصة، كانت قد أسرت فريقه، برقي تعامله معهم، في الأوقات الصعبة. تتم إزاحته من المنصب، ويستبدل بآخر سيء الأخلاق. وليتهم يكتفون بذلك، بل يتهمونه بالضعف، ويدمرون مستقبله الوظيفي، لأن أخلاقه الرفيعة، تأبى عليه إهانة موظفيه، حتى حين يخطئون. لأنه يدرك، بأن المناصب تذوب وتتلاشى في لمح البصر. وسيرة الإنسان وأخلاقه، هي ما تبقى حية حتى بعد مماته.
ومهما اختلفت الآراء، سيظل"المدير السيئ"سيئ، وإن بدا الأكثر طلبا في بعض أماكن العمل. وستظل أخلاقه السيئة مقرونة بإسمه، حتى بعد انقضاء سنوات طويلة، على تركه للمنصب. ولن يتذكر الناس أعماله أو إنجازاته مهما بلغ حجمها، بل ذكريات مشروخة، للأيام السوداء التي أمضاها معهم.
بقلم: هالة القحطاني