التربية على القيم بين التعلمات والمعاملات بقلم: نهاري امبارك، مفتش في التوجيه التربوي، مكناس. بتاريخ 30 يناير 2012؛ تقديم عام: منذ فجر التاريخ والناس يعيشون شعوبا وقبائل تشكل مجتمعات متنوعة تجمع أفرادها أعراف تضبط سلوكاتها وطريقة معاملاتها وتعايشها، وتخضع إلى روابط وضوابط دينية وأخلاقية وعادات وتقاليد ثقافية واجتماعية، وكل ما ينظم عيشهم في أمن وأمان متجنبين، ما أمكن، التطاحنات والصراعات، محافظين على التوازنات، في إطار مواثيق وعهود ضامنة لحقوق وواجبات الإنسان الذي يعيش بطبعه ضمن أسرة ووسط اجتماعي، ويخضع لمنظومة قيم في كافة المجالات والمعاملات التي تتربى عليها الناشئة عن طريق العادات والتوارث الثقافي وأدوار الأسر والمدارس والمؤسسات التعليمية والتربوية. فما هي الأسرة؟ وما أدوارها التربوية؟ وما هي المدرسة؟ وما أدوارها التربوية؟ وما هي القيم؟ وما هي الكيفية والوسائل التي تعتمدها المدرسة لإرساء قواعد التربية على القيم لدى الناشئة؟ وكيف يتعامل التلاميذ مع مضامين برامج التربية على القيم؟ وهل يطبقونها معاملاتيا واجتماعيا وفي مختلف المجالات الحياتية المعيشة يوميا؟ وهل تفي التربية على القيم بالأغراض المنتظرة منها وتحقق الغايات والأهداف المسطرة لها تربويا واجتماعيا، على الخصوص، وفي مختلف المجالات الحياتية عموما؟ سنحاول من خلال الموضوع الحالي المتواضع الإجابة، قدر المستطاع، على هذه الأسئلة المحورية التي تنهض عليها الإشكالية المراد مناقشة مختلف جوانبها، وذلك استنادا إلى مراجع متخصصة، وانطلاقا من تجارب متواضعة من خلال مواكبتنا لواقع العملية التربوية داخل الفضاء التربوي والمعاملات السائدة بالمؤسسات التعليمية والأوساط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية…. I. الأسرة وأدوارها التربوية: تعتبر الأسرة اللبنة الأولى لقيام جميع المجتمعات على وجه البسيطة. كما تعتبر مهد التنشئة الاجتماعية، حيث ينشأ الأطفال بين أحضانها، يكبرون ويترعرعون، وينهلون من التربية ما يؤهلهم لمواجهة متطلبات الحياة الاجتماعية والثقافية. كما تعمل الأسرة على توفير المناخ المناسب للأبناء داخل البيت، من رعاية أبوية وعناية واهتمام، وتسهر على تحلي الأبناء بالسلوك القويم والمعاملات الحسنة، كما تعدهم لمواجهة متطلبات الحياة، حتى يكونوا رجالا ونساء غد صالحين لأنفسهم ولمجتمعهم ويتحملوا الرسالة المستقبلية ويؤدوها أحسن أداء، لتسير الحياة المجتمعية والإنسانية سيرا صحيحا، يضمن الأمن والأمان والهدوء والاستمرار، ويحافظ على حسن الأخلاق والمعاملات. وتتحمل الأسرة مسئوليات في المجتمع، فهي التي تمنح الأطفال الدفء والحنان وترعاهم وتعتني بهم وتربيهم على القيم الرفيعة منذ الولادة إلى حين بلوغهم سن الرشد. ومن مسئولية الأسرة كذلك، توفير الغذاء لأبنائها والمسكن والملبس وجميع الحاجيات المادية والمعنوية، والرعاية الصحية وتمكينهم من أسس المعرفة التي تفتح لهم أبواب التعلم والعلم، وتسهر على تلقينهم اللغة الأم وتعمل على تعليمهم القراءة والكتابة ومبادئ الدين والأخلاق والسلوك الحسن وذلك بإلحاقهم بالمدرسة. II. المدرسة وأدوارها التربوية: تعتبر المدرسة ساكنة اجتماعية يتعايش داخلها أفراد كثر، يشكلون مجتمعا مصغرا، أغلبهم أطفال/ تلاميذ متعددو المشارب والتوجهات، يتلقون تربية اجتماعية وثقافية ودينية تحت مسؤولية أطقم إدارية وتربوية داخل مرافق وفضاءات معدة لهذا الغرض، تشكل الحياة المدرسية في شموليتها. فالحياة المدرسية، إذن، هي الحلقة التي تصل الأسرة بالمجتمع وتعد التلاميذ للمجتمع مهما اختلفت طبقاتهم وبيئاتهم المنزلية، حيث يفترض أن يتعلم التلميذ كيف يعامل إخوانه، وكيف يعامل غيره، وكيف يتعاون معه فيحب له ما يحب لنفسه، وكيف يفكر في حقوق جاره، وكيف يكون أمينا في معاملته ، صادقاً في قوله ،عادلاً في حكمه، شفيقاً بغيره، وكيف يخلص في عمله ويؤديه بدقة ومسؤولية وضمير متيقظ. فالمفروض في المدرسة أن تعطي المتعلم فرصاً كثيرة، كل يوم، للتحلي بالفضائل الاجتماعية، ولها تأثير كبير في تشكيل أنبل الأخلاق والعادات في نفوس التلاميذ. ففي المدرسة ينتظر ألا يكون هناك ظلم في المعاملة أو سوء الأدب أو كذب في القول أو غلطة. كما ينتظر أن يعامل فيها التلاميذ معاملة واحدة يتساوى فيها الفقير والغني والقبيح مع الجميل والوضيع مع الرفيع ، فيها يعامل كل منهم الآخر بأدب واحترام، وينتقد كل زميل زميله بروح بريئة عطوفة خالية من الحقد والعداء، وأن يراعي كل منهم حقوق غيره، ويضحي بمصلحته الشخصية في سبيل المجتمع ، وبهذه الوسيلة تكون المدرسة مجتمعاً مهذباً، تبث فيه روح التربية الاجتماعية الحقة والوطنية الصادقة والخلقية الكاملة والعقلية المنظمة في روح الإخاء والمساواة ، روح العلم والعمل ، روح البحث والاطلاع، وروح النظام الكامل، وروح المواطنة والوطنية. وترتبط المدرسة بالأسرة ارتباطا عضويا، حيث إن الرابطة بين البيت والمؤسسة التعليمية عامة، يجب أن تكون قوية، كما يجب أن تكون أدوارهما متكاملة ومتوازية ومتوازنة، وكل تناقض أو تعارض أو ضعف الرابط تنتج عنه عواقب وخيمة على الأطفال، ما يؤدي إلى ضعف تحصيلهم الدراسي ونقص أدائهم واختلال طبعهم، فتختل تربيتهم عموما على القيم الفاضلة والأخلاق الحسنة. والمدرسة والأسرة مسئولتان على التربية والتعليم والاعتناء بالتلاميذ ومراقبتهم وحمايتهم من كل مكروه، ماديا ومعنويا، يصيبهم، يمكن أن يؤثر سلبا في سلوكاتهم ومعاملاتهم وقيمهم. III. القيم والتربية على القيم: فالقيم، إذن، في مختلف المجالات الحياتية، الدينية منها والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية والجمالية والفلسفية…، يقصد بها، ودون الخوض في تعريفات مسهبة، مجموعة من المبادئ والتمثلات السلوكية والأخلاق داخل مجتمع معين، ترتبط بشخصية الإنسان وتحدد المكانة التي يتبوأها في وسطه وبيئته ، كما تحدد معاملاته وسلوكاته وأفعاله وردود أفعاله وكينونته ووجوده وتصرفاته في مختلف أنواعها الانفعالية والتفاعلية والعاطفية والوجدانية والسلوكية والمعرفية والعملية. وتكمن مسئوليات الأسرة تجاه أبنائها في ترسيخ منظومة القيم في جميع مناحي الحياة منسجمة وموزعة بعناية تامة بين ما هو تربوي يهم التربية القويمة أخلاقيا وثقافيا، وما هو ديني يرتكز على الإرشاد إلى ما يزكي الفطرة الدينية وينمي الإيمان، ويقوي السلوك الحسن تجاه التعاليم الدينية السمحة والتشبث بالعقيدة والإخلاص وحب الخير وطاعة الله والامتثال لأوامره، واجتناب نواهيه إلى حين بلوغهم السن القانوني. والأسرة مهد التعامل والمعاملات الاجتماعية، حيث تعمل على ترسيخ منظومة القيم والثقافة الاجتماعية، وذلك عن طريق تقوية الأواصر وعرى المحبة وصلة الرحم وإيتاء ذوي القربى وتبادل الزيارات باستمرار وفي كل المناسبات الاجتماعية والدينية والوطنية، والتآزر والتعاون في الصراء والضراء لما في ذلك من بر وإحسان لجميع أفراد المجتمع. ومن المؤكد أن الروابط الأسرية والاجتماعية لها دور كبير في التنشئة الاجتماعية الصحيحة للطفل والمراهق بالذات وللشاب، كما أن لها دورا كبيرا في شعور الأبناء بالانتماء الاجتماعي والإحساس بقيمة الأسرة، الشيء الذي يؤدي إلى ابتعادهم عن أي تصرف يسيء للأسر وبالتالي للمجتمع. والأسرة شريكة المدرسة والمؤسسة التعليمية في إعداد الأبناء ، إعداداً تربوياً واجتماعيا وأخلاقيا، حيث إن التربية والتعليم يعتبران مفتاح التغيير الحقيقي في المجتمع، إذ يسيران به نحو النمو والازدهار في المجالات كافة، كما يعملان على تغيير الأنماط والسلوكيات في العلاقات الاجتماعية والبناء المجتمعي وترسيخ القيم الفاضلة في كل مجالات الحياة والمعاملات الإنسانية. كما أن مسؤوليات المدرسة، من خلال مختلف الآليات التربوية، الممارسة اليومية والبرامج المقررة عبر الكتب المدرسية، تكمن في غرس القيم وتثبيتها في مختلف مجالات الحياة المجتمعية، حيث تركز، عموما، بمختلف المستويات الدراسية عبر الأسلاك التعليمية، على القيم الدينية والأخلاقية والجمالية والفنية والأدبية والحقوقية والإعلامية والثقافية والعلمية والتقنية والاجتماعية والسياسية والفكرية والتربوية من أجل ترسيخ، لدى الناشئة، على سبيل المثال، لا الحصر، مجموعة من القيم كالتشبث بالعقيدة الإسلامية السمحاء، والإيمان بالله ورسله، والديمقراطية والمواطنة والصدق والتسامح والتكافل والفنون التشكيلية والمسرح والسينما والمعمار والشعر في مختلف المجالات، والنصوص الأدبية على اختلاف أنواعها، والحرية والتكنولوجية. نلمس إذن، من خلال ما تقدم، الأدوار الفاعلة للأسرة في ترسيخ مختلف القيم عبر وسائل تربوية، ممارسات الأبوين وأفراد الأسرة عموما، عن طريق النهي والتنبيه والحوار والتواصل اليومي والإقناع باستثمار الثقافة السائدة أسريا والعادات والتقاليد الموروثة اجتماعيا وأخلاقيا والتعاليم الدينية السمحة والأحاديث النبوية الشريفة، سواء عن طريق التعلم أو الاقتداء والتوارث الثقافي والاجتماعي. كما نلمس أهمية مكانة المدرسة في التربية على القيم المسرود جانب منها، أعلاه، من خلال المناهج والمقررات عبر الكتب المدرسية والتظاهرات الثقافية المنظمة بمناسبات عدة، تترجمها غايات الاحتفال بالأعياد والأيام الوطنية والدولية، وذلك على امتداد السنة الدراسية. فنجدها عبر التلقين والتعلم قيما متنوعة نبيلة ومثالية بعيدة عن المآرب المادية والمكاسب البرغماتية النفعية. بل هي قيم سامية ذات مضامين وطنية وقومية وإنسانية وأخلاقية واجتماعية وثقافية وفلسفية، تتجاوز ما هو مادي إلى ما هو روحاني وجمالي. IV. التربية على القيم والمعاملات المدرسية والاجتماعية: لكن، أي متتبع أو مهتم بمجال التربية والتعليم يمكن أن يلمس، بجلاء، حجم الظواهر المشينة للفضاء التربوي والفعل التعليمي، فالعنف المادي والنفسي بلغ مداه، والغش، بشتى الأنواع والأشكال، غزا الصفوف والفصول الدراسية، والانحراف والانحلال الخلقي، ممارسة وتلفظا ومعاملة، هيمن وحطم النفوس وتجاوز كل الحدود، فالتدخين والإدمان على المخدرات والاتجار فيها أصبح عملة سائدة في الأوساط المدرسية والاجتماعية، والمعاملات داخل المؤسسة التعليمية نال منها الانحطاط مناله. يبدو، إذن، أن القيم الملقنة إلى التلاميذ عبر الكتب المدرسية والمقررات تبقى مبادئ سلوكية نظرية ومجردة،8

تقديم عام

 منذ فجر التاريخ والناس يعيشون شعوبا وقبائل تشكل مجتمعات متنوعة تجمع أفرادها أعراف تضبط سلوكاتها وطريقة معاملاتها وتعايشها، وتخضع إلى روابط وضوابط دينية وأخلاقية وعادات وتقاليد ثقافية واجتماعية، وكل ما ينظم عيشهم في أمن وأمان متجنبين، ما أمكن، التطاحنات والصراعات، محافظين على التوازنات، في إطار مواثيق وعهود ضامنة لحقوق وواجبات الإنسان الذي يعيش بطبعه ضمن أسرة ووسط اجتماعي، ويخضع لمنظومة قيم في كافة المجالات والمعاملات التي تتربى عليها الناشئة عن طريق العادات والتوارث الثقافي وأدوار الأسر والمدارس والمؤسسات التعليمية والتربوية.

 فما هي الأسرة؟ وما أدوارها التربوية؟ وما هي المدرسة؟ وما أدوارها التربوية؟ وما هي القيم؟ وما هي الكيفية والوسائل التي تعتمدها المدرسة لإرساء قواعد التربية على القيم لدى الناشئة؟ وكيف يتعامل التلاميذ مع مضامين برامج التربية على القيم؟ وهل يطبقونها معاملاتيا واجتماعيا وفي مختلف المجالات الحياتية المعيشة يوميا؟ وهل تفي التربية على القيم بالأغراض المنتظرة منها وتحقق الغايات والأهداف المسطرة لها تربويا واجتماعيا، على الخصوص، وفي مختلف المجالات الحياتية عموما؟ سنحاول من خلال الموضوع الحالي المتواضع الإجابة، قدر المستطاع، على هذه الأسئلة المحورية التي تنهض عليها الإشكالية المراد مناقشة مختلف جوانبها، وذلك استنادا إلى مراجع متخصصة، وانطلاقا من تجارب متواضعة من خلال مواكبتنا لواقع العملية التربوية داخل الفضاء التربوي والمعاملات السائدة بالمؤسسات التعليمية والأوساط الاجتماعية والثقافية والاقتصادية...

 - 1 الأسرة وأدوارها التربوية:

تعتبر الأسرة اللبنة الأولى لقيام جميع المجتمعات على وجه البسيطة. كما تعتبر مهد التنشئة الاجتماعية، حيث ينشأ الأطفال بين أحضانها، يكبرون ويترعرعون، وينهلون من التربية ما يؤهلهم لمواجهة متطلبات الحياة الاجتماعية والثقافية. كما تعمل الأسرة على توفير المناخ المناسب للأبناء داخل البيت، من رعاية أبوية وعناية واهتمام، وتسهر على تحلي الأبناء بالسلوك القويم والمعاملات الحسنة، كما تعدهم لمواجهة متطلبات الحياة، حتى يكونوا رجالا ونساء غد صالحين لأنفسهم ولمجتمعهم ويتحملوا الرسالة المستقبلية ويؤدوها أحسن أداء، لتسير الحياة المجتمعية والإنسانية سيرا صحيحا، يضمن الأمن والأمان والهدوء والاستمرار، ويحافظ على حسن الأخلاق والمعاملات. وتتحمل الأسرة مسئوليات في المجتمع، فهي التي تمنح الأطفال الدفء والحنان وترعاهم وتعتني بهم وتربيهم على القيم الرفيعة منذ الولادة إلى حين بلوغهم سن الرشد .ومن مسئولية الأسرة كذلك، توفير الغذاء لأبنائها والمسكن والملبس وجميع الحاجيات المادية والمعنوية، والرعاية الصحية وتمكينهم من أسس المعرفة التي تفتح لهم أبواب التعلم والعلم، وتسهر على تلقينهم اللغة الأم وتعمل على تعليمهم القراءة والكتابة ومبادئ الدين والأخلاق والسلوك الحسن وذلك بإلحاقهم بالمدرسة.

2- المدرسة وأدوارها التربوية:

تعتبر المدرسة ساكنة اجتماعية يتعايش داخلها أفراد كثر، يشكلون مجتمعا مصغرا، أغلبهم أطفال/ تلاميذ متعددو المشارب والتوجهات، يتلقون تربية اجتماعية وثقافية ودينية تحت مسؤولية أطقم إدارية وتربوية داخل مرافق وفضاءات معدة لهذا الغرض، تشكل الحياة المدرسية في شموليتها. فالحياة المدرسية، إذن، هي الحلقة التي تصل الأسرة بالمجتمع وتعد التلاميذ للمجتمع مهما اختلفت طبقاتهم وبيئاتهم المنزلية، حيث يفترض أن يتعلم التلميذ كيف يعامل إخوانه، وكيف يعامل غيره، وكيف يتعاون معه فيحب له ما يحب لنفسه، وكيف يفكر في حقوق جاره، وكيف يكون أمينا في معاملته ، صادقاً في قوله ،عادلاً في حكمه، شفيقاً بغيره، وكيف يخلص في عمله ويؤديه بدقة ومسؤولية وضمير متيقظ.

فالمفروض في المدرسة أن تعطي المتعلم فرصاً كثيرة، كل يوم، للتحلي بالفضائل الاجتماعية، ولها تأثير كبير في تشكيل أنبل الأخلاق والعادات في نفوس التلاميذ. ففي المدرسة ينتظر ألا يكون هناك ظلم في المعاملة أو سوء الأدب أو كذب في القول أو غلطة. كما ينتظر أن يعامل فيها التلاميذ معاملة واحدة يتساوى فيها الفقير والغني والقبيح مع الجميل والوضيع مع الرفيع ، فيها يعامل كل منهم الآخر بأدب واحترام، وينتقد كل زميل زميله بروح بريئة عطوفة خالية من الحقد والعداء، وأن يراعي كل منهم حقوق غيره، ويضحي بمصلحته الشخصية في سبيل المجتمع ، وبهذه الوسيلة تكون المدرسة مجتمعاً مهذباً، تبث فيه روح التربية الاجتماعية الحقة والوطنية الصادقة والخلقية الكاملة والعقلية المنظمة في روح الإخاء والمساواة ، روح العلم والعمل ، روح البحث والاطلاع، وروح النظام الكامل، وروح المواطنة والوطنية. وترتبط المدرسة بالأسرة ارتباطا عضويا، حيث إن الرابطة بين البيت والمؤسسة التعليمية عامة، يجب أن تكون قوية، كما يجب أن تكون أدوارهما متكاملة ومتوازية ومتوازنة، وكل تناقض أو تعارض أو ضعف الرابط تنتج عنه عواقب وخيمة على الأطفال، ما يؤدي إلى ضعف تحصيلهم الدراسي ونقص أدائهم واختلال طبعهم، فتختل تربيتهم عموما على القيم الفاضلة والأخلاق الحسنة. والمدرسة والأسرة مسئولتان على التربية والتعليم والاعتناء بالتلاميذ ومراقبتهم وحمايتهم من كل مكروه، ماديا ومعنويا، يصيبهم، يمكن أن يؤثر سلبا في سلوكاتهم ومعاملاتهم وقيمهم.

 -3 القيم والتربية على القـيم:

فالقيم، إذن، في مختلف المجالات الحياتية، الدينية منها والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والنفسية والجمالية والفلسفية…، يقصد بها، ودون الخوض في تعريفات مسهبة، مجموعة من المبادئ والتمثلات السلوكية والأخلاق داخل مجتمع معين، ترتبط بشخصية الإنسان وتحدد المكانة التي يتبوأها في وسطه وبيئته ، كما تحدد معاملاته وسلوكاته وأفعاله وردود أفعاله وكينونته ووجوده وتصرفاته في مختلف أنواعها الانفعالية والتفاعلية والعاطفية والوجدانية والسلوكية والمعرفية والعملية. وتكمن مسئوليات الأسرة تجاه أبنائها في ترسيخ منظومة القيم في جميع مناحي الحياة منسجمة وموزعة بعناية تامة بين ما هو تربوي يهم التربية القويمة أخلاقيا وثقافيا، وما هو ديني يرتكز على الإرشاد إلى ما يزكي الفطرة الدينية وينمي الإيمان، ويقوي السلوك الحسن تجاه التعاليم الدينية السمحة والتشبث بالعقيدة والإخلاص وحب الخير وطاعة الله والامتثال لأوامره، واجتناب نواهيه إلى حين بلوغهم السن القانوني.

والأسرة مهد التعامل والمعاملات الاجتماعية، حيث تعمل على ترسيخ منظومة القيم والثقافة الاجتماعية، وذلك عن طريق تقوية الأواصر وعرى المحبة وصلة الرحم وإيتاء ذوي القربى وتبادل الزيارات باستمرار وفي كل المناسبات الاجتماعية والدينية والوطنية، والتآزر والتعاون في الصراء والضراء لما في ذلك من بر وإحسان لجميع أفراد المجتمع. ومن المؤكد أن الروابط الأسرية والاجتماعية لها دور كبير في التنشئة الاجتماعية الصحيحة للطفل والمراهق بالذات وللشاب، كما أن لها دورا كبيرا في شعور الأبناء بالانتماء الاجتماعي والإحساس بقيمة الأسرة، الشيء الذي يؤدي إلى ابتعادهم عن أي تصرف يسيء للأسر وبالتالي للمجتمع. والأسرة شريكة المدرسة والمؤسسة التعليمية في إعداد الأبناء ، إعداداً تربوياً واجتماعيا وأخلاقيا، حيث إن التربية والتعليم يعتبران مفتاح التغيير الحقيقي في المجتمع، إذ يسيران به نحو النمو والازدهار في المجالات كافة، كما يعملان على تغيير الأنماط والسلوكيات في العلاقات الاجتماعية والبناء المجتمعي وترسيخ القيم الفاضلة في كل مجالات الحياة والمعاملات الإنسانية. كما أن مسؤوليات المدرسة، من خلال مختلف الآليات التربوية، الممارسة اليومية والبرامج المقررة عبر الكتب المدرسية، تكمن في غرس القيم وتثبيتها في مختلف مجالات الحياة المجتمعية، حيث تركز، عموما، بمختلف المستويات الدراسية عبر الأسلاك التعليمية، على القيم الدينية والأخلاقية والجمالية والفنية والأدبية والحقوقية والإعلامية والثقافية والعلمية والتقنية والاجتماعية والسياسية والفكرية والتربوية من أجل ترسيخ، لدى الناشئة، على سبيل المثال، لا الحصر، مجموعة من القيم كالتشبث بالعقيدة الإسلامية السمحاء، والإيمان بالله ورسله، والديمقراطية والمواطنة والصدق والتسامح والتكافل والفنون التشكيلية والمسرح والسينما والمعمار والشعر في مختلف المجالات، والنصوص الأدبية على اختلاف أنواعها، والحرية والتكنولوجية.

نلمس إذن، من خلال ما تقدم، الأدوار الفاعلة للأسرة في ترسيخ مختلف القيم عبر وسائل تربوية، ممارسات الأبوين وأفراد الأسرة عموما، عن طريق النهي والتنبيه والحوار والتواصل اليومي والإقناع باستثمار الثقافة السائدة أسريا والعادات والتقاليد الموروثة اجتماعيا وأخلاقيا والتعاليم الدينية السمحة والأحاديث النبوية الشريفة، سواء عن طريق التعلم أو الاقتداء والتوارث الثقافي والاجتماعي. كما نلمس أهمية مكانة المدرسة في التربية على القيم المسرود جانب منها، أعلاه، من خلال المناهج والمقررات عبر الكتب المدرسية والتظاهرات الثقافية المنظمة بمناسبات عدة، تترجمها غايات الاحتفال بالأعياد والأيام الوطنية والدولية، وذلك على امتداد السنة الدراسية. فنجدها عبر التلقين والتعلم قيما متنوعة نبيلة ومثالية بعيدة عن المآرب المادية والمكاسب البرغماتية النفعية. بل هي قيم سامية ذات مضامين وطنية وقومية وإنسانية وأخلاقية واجتماعية وثقافية وفلسفية، تتجاوز ما هو مادي إلى ما هو روحاني وجمالي.

4 - التربية على القيم والمعاملات المدرسية والاجتماعية :

لكن، أي متتبع أو مهتم بمجال التربية والتعليم يمكن أن يلمس، بجلاء، حجم الظواهر المشينة للفضاء التربوي والفعل التعليمي، فالعنف المادي والنفسي بلغ مداه، والغش، بشتى الأنواع والأشكال، غزا الصفوف والفصول الدراسية، والانحراف والانحلال الخلقي، ممارسة وتلفظا ومعاملة، هيمن وحطم النفوس وتجاوز كل الحدود، فالتدخين والإدمان على المخدرات والاتجار فيها أصبح عملة سائدة في الأوساط المدرسية والاجتماعية، والمعاملات داخل المؤسسة التعليمية نال منها الانحطاط مناله. يبدو، إذن، أن القيم الملقنة إلى التلاميذ عبر الكتب المدرسية والمقررات تبقى مبادئ سلوكية نظرية ومجردة، إذ لا تترجم فعلا وميدانيا، في الحياة اليومية، إلى سلوكات ومعاملات، ولا تمارس واقعيا وإجرائيا. حيث القيم الملقنة، مدرسيا إلى التلاميذ، لا تتجاوز حدود الحفظ والاستظهار وإرجاعها يوم الامتحان إلى المدرس بشكل من الأشكال، في إطار ما اصطلح عليه، في الأوساط التعليمية، "بضاعتنا ردت إلينا" دون استثمار ودون إدماج واتخاذ العبر وتهذيب النفوس: فأي دلالة لظاهرة الغش في الامتحانات المتفشية في صفوف التلاميذ، حتى خالوا النقل حقا مشروعا، حيث بدا الغش وسيلة من وسائل الترقي الاجتماعي؟  وأي دلالة لظواهر العنف والسب والشتم وانتشار الكلام البذيء في صفوف التلاميذ، وبين التلاميذ والأطر الإدارية والتربوية دون خجل ولا حياء، ودون اعتبار مبادئ التربية على القيم والأخلاق الفاضلة؟ وأي دلالة لأحداث لاأخلاقية وظواهر مثيرة يعيشها التلاميذ داخل الفصول الدراسية والفضاءات التربوية لا يتوانون في نقلها يوميا إلى الإدارة التربوية وأولياء أمورهم، تتجلى في ممارسات مشينة ومخالفة لما يتربون عليه من قيم وأخلاق حسنة؟ وأي دلالة تشكل لدى التلاميذ، حول العدالة الاجتماعية، حين تطالعهم وسائل الإعلام بهضم حقوق مستحقة لمواطن، أو وفاة شخص بمستشفى في ظروف غامضة وغير مبررة، أو حجز كميات هائلة من المخدرات يبقى مصدرها مجهولا وكذا مآل الواقفين وراءها، وغير ذلك كثير تعج به يوميا الصحف والجرائد الوطنية…؟

لهذا نلاحظ انفصالا، وهوة سحيقة، إلى درجة تسجيل متناقضات واضحة بين القيم الأخلاقية التي تتناولها المقررات والكتب المدرسية، التي ينفق فيها المدرس أوقاتا كثيرة، من أجل تبليغها إلى التلاميذ، والواقع المادي المدرسي والاجتماعي الذي يعيش فيه التلميذ. كما نلاحظ بجلاء انفصاما سلوكيا وسيكولوجيا ملموسا وواضحا في شخصية التلميذ، إلى درجة الاغتراب والازدواجية المتناقضة. كما نلاحظ، كذلك، واقعا معيشا يترجم التمزق النفسي والصراع الذاتي والموضوعي للتلميذ، لتبدو لكل متتبع أو ملاحظ فوارق شاسعة بين ما يدرسه التلاميذ في المدرسة، وما يقومون به من تصرفات مخلة وشائنة في الواقع المدرسي والاجتماعي وفي مختلف مجالات الحياة.

وهكذا، نلاحظ عددا من التلاميذ بالمؤسسة التعليمية يلتجئون إلى إتلاف ممتلكات مؤسستهم التعليمية، متمردين عن واقعهم المدرسي والتربوي، متحاملين ومنشقين عن أساتذتهم ومؤسساتهم التربوية، والأطر الإدارية العاملة بها، متلفظين بكلام ومصطلحات بذيئة، متهجمين على زملائهم وأساتذتهم بأبشع المفردات وأحطها، ثائرين على أعراف المدرسة وقيمها وعاداتها، كارهين المدرسة التي يتربون ويتلقون فيها قيما، غير مبالين بها، متهكمين نافرين من المدرسة ومن فضاءاتها ومرافقها التربوية أيما نفور. .

 - 5 دواعي وأسباب التناقض بين القيم الملقنة مدرسيا والمعاملات الاجتماعية واقعيا:

إن القيم الملقنة للتلاميذ نظريا وبشكل مجرد، لا تنعكس في واقعهم المدرسي والاجتماعي سواء داخل المدرسة التي يتلقون فيها هذه القيم المجردة الغير قابلة للتطبيق، أو داخل الأوساط الاجتماعية من خلال مختلف المؤسسات الإدارية والاجتماعية والثقافية…، حيث يلمس التلاميذ كل ما يناقض القيم الملقنة لهم عبر الكتب المدرسية والمقررات التعليمية الرسمية، إذ يسلط عليهم أبشع أنواع المعاملات السيئة، من تماطل لقضاء أغراضهم الإدارية، وتفش لظواهر الكذب والمراوغات بشتى الوسائل والطرق والتحايل، وانتشار ظاهرة الفساد الإداري والرشوة والاختلاسات في مختلف المؤسسات الإدارية والاجتماعية والخدماتية.

كما أن التلاميذ يعيشون تناقضا فظيعا بين القيم الملقنة لهم من خلال المقررات المدرسية ومظاهر العنف والسلوكات السيئة الملموسة والمتجلية في القذف والسب والشتم وتبادل المفردات الفظة والنابية التي تصم الآذان، سواء في الأزقة أو الشوارع والمقاهي… ودور الملاهي المنتشرة كالفطر في محيط كل مدرسة. والتلاميذ، نظرا لهشاشة نضجهم الفكري، يتأثرون بسرعة بمحيطهم ويتفاعلون مع مختلف الظواهر، خصوصا السلبية منها، التي تغزو، في كل آونة، جميع الفضاءات التي يرتادونها، من مؤسسات وفضاءات اجتماعية وخدماتية متعددة، وملاعب رياضية حيث تمطر آذانهم بوابل من أحط الألفاظ، إذ يعاملون معاملات منحطة، فينهرون ويطردون ويذوقون مرارة العصي والهراوات. ومن شدة تأثير المتناقضات بين القيم الملقنة والمعاملات السيئة يستسلم بعض التلاميذ لتأثير المخدرات والانحراف الأخلاقي، لتجرفهم أمواج الفساد المتلاطمة. فالمتتبع لمختلف العمليات التربوية والتعليمية ومختلف السلوكات والتفاعلات داخل الفضاءات التربوية، يمكن أن يسجل بجلاء اختلالات ملموسة تطال عدة مجالات حقوقية وقيمية وأخلاقية تحز في النفس، حيث يشعر التلاميذ بخيبة وهم يشاهدون يوميا دوس حقوقهم التي توصي بها مختلف العهود والمواثيق الدولية، والملقنة لهم عبر المقررات والكتب المدرسية. فالدموقراطية، مثلا، وتكافؤ الفرص والمساواة … تبقى لدى التلميذ بعد تلقينها له، مفردات مجردة ومصطلحات جوفاء وفارغة من محتواها التربوي والقيمي، حيث لا يستدخلها فعلا وممارسة، ولا يلمس مفعولها التربوي، ولا يعيشها وجدانيا وعاطفيا، اجتماعيا وتربويا في الأوساط الاجتماعية وداخل الفصول المدرسية وضمن العملية التربوية والتعليمية ككل.

فهل يقتنع تلميذ ما بالفوارق الشاسعة بين النقط الممنوحة من طرف المدرس إلى التلاميذ، وهو يعلم وقع المحسوبية والزبونية والوساطة والتدخلات والساعات الإضافية المؤداة؟ وهل يعتبر تلميذ ما مبدأ المساواة، وهو يعلم أن لا مجال للمقارنة بين نقط تلاميذ التعليم الخصوصي المرتفعة فعلا وقصدا، ونقط تلاميذ التعليم العمومي، كما يعلم أن منح النقط لا يخضع لامتحانات موضوعية ولا لاحترام مواصفات المواضيع الاختبارية وسلالم التنقيط؟ وهل يعتبر تلميذ ما مبدأ تكافؤ الفرص، وهو يعلم ضخامة الحواجز التي تقف بينه وبين ولوجه مؤسسات تكوينية ذات الاستقطاب المحدود، ويعلم أيضا أن مؤسسات تعليمية كثيرة – غير متوفرة على أبسط البنيات التحتية، ومنها ما لا تربطها بمختلف القرى والدواوير والمداشر مسالك مؤهلة وطرق معبدة، ولا توجد وسائل نقل خاصة ولا عمومية – لا تنتج شيئا، بل تنتج الفشل والهدر، حيث مصير أبنائها الفصل والانقطاع عن الدراسة واعتناق الأوهام؟ وهل يعتبر تلميذ ما مبادئ المواطنة والإخلاص والتفاني في العمل، وهو يعلم أن فضاءات تعليمية تشهد، يوميا، تغيبات في صفوف الأطر الإدارية والتربوية، منها المبررة وغير المبررة، وتقاعس مواردها البشرية وغشا في أداء واجبها تحت طائلة ذرائع متعددة؟ وتساؤلات كثيرة يمكن رفعها حول ظواهر ومظاهر واختلالات متعددة، تطال القيم والأخلاق والمعاملات على جميع الأصعدة وفي عدة مجالات إدارية وخدماتية واجتماعية واقتصادية وقضائية وغيرها، تجعل التلميذ يشعر بمتناقضات صارخة بين الملقن له مدرسيا وما يعيشه في جميع الميادين والمجالات الحياتية.

خاتـمة

إن التربية على القيم تبقى تلقينا وفعلا تعليميا محدود المفعول ممارسة وسلوكا، تقف عند حدود الامتحانات، وإرجاع مختلف مصطلحات المبادئ والمثل القيمية جردا وسردا، بعيدا عن الاستيعاب والاستثمار والمعاملات الإنسانية والحضارية، ما دامت منظومة القيم والأخلاق متناقضة على عدة مستويات، أسريا ومدرسيا واجتماعيا، ومشلولة تربويا وثقافيا واجتماعيا واقتصاديا ...وفي جميع المجالات الحياتية.

المراجع:

  1. - مجلة علوم التربية، دورية مغربية فصلية متخصصة، العدد السابع والأربعون، مارس2011، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب. 
  2. - مجلة علوم التربية، دورية مغربية فصلية متخصصة، العدد الرابع والثلاثون، يونيو 2007، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب. 
  3. - عبد الكريم غريب، المنهل التربوي، الجزء الثاني، منشورات عالم المعرفة، 2006، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب. 
  4. - أحمد أوزي، المراهق والعلاقات المدرسية، منشورات مجلة علوم التربية، 1994، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
  5. - أحمد أوزي، علم النفس التربوي، قضايا ومواقف تربوية وتعليمية، منشورات مجلة علوم التربية، العدد: 9، 2000، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، المغرب.
  6. - محمد آيت موحى-عبد اللطيف الفارابي، سلسلة علوم التربية، القيم والمواقف، العدد: 8، الشركة المغربية للطباعة والنشر، الرباط، المغرب.

                                                       بقـلم: نهاري امبارك

 
 
 
 

أضف تعليق


كود امني
تحديث