إن الرصيد اللغوي الذي يكتسبه الطفل خلال التنشئة الاجتماعية منذ سن مبكرة، إذا تم على قواعد وأسس ملائمة، يساعده على التفتح الذهني ليس على إدراكه ذاته وبيئته القريبة فحسب، وإنما يساعده أيضا على الانفتاح الذهني على القضايا الفكرية والعلمية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية العالمية، رافده في ذلك مختلف الوسائل التكنولوجية التي أصبح يتعامل معها في الوسط الأسري والمدرسي، يزوده بمعلومات ومعارف تثري مرجعياته الثقافية، وتغني مكتسباته المدرسية.
 وإن من شأن انفتاح الطفل على الثقافات الأخرى أن يدمج في ثقافته قيما أخرى جديدة أنتجتها التغيرات العالمية في العصر الجديد، عصر العولمة الذي أفرز قيم التربية على المواطنة العالمية، بعد أن أصبح العالم أشبه "بقرية كبيرة" فتقلص الزمان والمكان واخترقت الحدود، بسبب طفرة المعلومات، ووسائط الاتصال التي عرفت تطورا مذهلا في عالم اليوم.

 إن دور التربية يقوم على تعزيز ودعم القيم الجديدة، التي لا ينبغي أن ننظر إليها باعتبارها قيما يمكن أن تجهز على أنساقنا القيمية وتحطم كياننا الوطني وتهدد هويتنا، وإنما النظر إليها باعتبارها قيما جديدة تدعو إلى استتباب السلام العالمي، المبني على قيم العدل والإنصاف، وهي بدون شك ما تدعو إليه ثقافتنا وأصالتنا العربية والإسلامية على الدوام: "إن خلقناكم شعوبا وقبائل لتتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم".
إن قيم المواطنة العالمية، تدعو بدورها إلى التسامح والحوار والاختيار الديموقراطي وإلى قبول الاختلاف والتعددية الثقافية.
 معنى ذلك أنه ينبغي إضفاء طابع أخلاق وقيم القرن الحادي والعشرين على القيم التي يسعى النظام التربوي في كليته وشموله إلى ترسيخها لدى المتعلمين؛ قيم وأخلاق تتسم بطابع الشمولية الكونية رغم تعدد الثقافات والمعتقدات، من أجل ترسيخ ثقافة السلام والتسامح والتعايش بين سكان المعمور. إنها ثقافة قيم جديدة ينبغي في نظر" إدغار موران" أن يحدوها أمل ترسيخ في وعي كل شخص الوحدة في إطار التعددية، بكل أشكالها الثقافية والدينية والجمالية.

  إن غاية التنشئة على أنماط القيم الجديدة هو توجيه فكر الناشئة وتقويمه لتجنب التطرف، والفكر الأعمى، والتعصب، والانطواء على الهويات الثقافية المنغلقة على ذاتها. ذلك أن الفكر السوي والمتفتح ليس فكرا يتحاور مع الذات في شبه انغلاق، وإنما هو فكر في حوار ووجود مع الآخر. إن إنجاز الذات وتكوينها على أسس متينة لا يتم بمعزل عن الآخر، فالآخر هو الذي يعكس صورتي الذاتية، وهو الذي يعطي لذاتي دلالتها ومعناها الوجودي. إن صنع هويتي واكتشافها يحتاج إلى التفاعل وإلى التفاوض وإلى تدبير الخلافات بواسطة الحوار، فالهوية كينونة داخلية وخارجية معا، ومن ثمة ينبغي انفتاحها وعدم تقوقعها.

بقلم : أحمد أوزي (بتصرف)

أضف تعليق


كود امني
تحديث