هل هناك أزمة قراءة ؟ أو بمعنى آخر: هل نحن أمة قارئة أم لا ؟!  وما الأسباب الكامنة وراء عزوف أغلبية الناس عن القراءة ؟
البعض يرى أن الانغماس في الحياة المادية، وانشغال الناس بتدبير أمورهم المعيشية هو السبب حيث لا يجدون وقتاً كافياً للمطالعة، والبعض يرجع ذلك إلى طغيان وسائل الإعلام الحديثة من إذاعة وتلفزيون وفيديو وإنترنت، حيث اصبحت هذه الأجهزة تقدم المعلومات (جاهزة) دون أدنى مجهود يبذله المستمع أو المشاهد وبالتالي أصبح دور الكتاب محدوداً لدى هذه الفئة.

 والبعض يرجع سبب العزوف عن القراءة إلى غلاء اسعار الكتب، حيث يجد المواطن العادي أو المثقف صعوبة مالية في شراء الكتب واقتنائها، كذلك تقصير البيت والمدرسة معاً في غرس عادة القراءة في نفوس الناشئة منذ الصغر، وبالتالي يشب المتعلمون وهم لا يدركون أهمية القراءة، ونراهم يتبرمون بالكتاب المدرسي المقرر، وسرعان ما يلقونه بعيداً عنهم بعد فترة الاختبارات، ويعتبرون أنفسهم في إجازة عقلية، وهذا أمر خطير على المتعلمين الذين سرعان ما ينسون كل ما تعلموه بعد تخرجهم، ولا يلتفتون إلى تثقيف أنفسهم عن طريق المطالعة الخارجية، بعد تركهم لمقاعد الدراسة وهو ما يعبر عنه بأنه (أزمة ثقافية عامة) وقد أشار الدكتور طه حسين مراراً إلى هبوط مستوى الجامعيين، وارتدادهم إلى التخلف الثقافي بعد تخرجهم، إن انعدام عادة القراءة يذكرنا بما قاله ديان بعد حرب 1967 عندما سئل عن أسباب هذه الحرب، وهل كانت مفاجأة للعرب أم لا؟
  نفى ذلك وقال: كلا، لقد نشرنا كل ما يتعلق بحرب حزيران قبل وقوعها، لكن العرب أمة لا تقرأ. وإذا كان الشيء بالشيء يذكر فإنه عندما اشتدت الحملة على رئيس عربي في الخمسينات من قبل الصحافة آنذاك، ساله أحد الصحفيين عن مردود هذه الحملات عليه في داخل بلده، فرد عليه بهدوء: (لا تخف فإنني الوحيد الذي يقرأ هذه الصحف). 

  إن هذه الأزمة ليست وليدة سبب معين، ولكنها جزء من الأزمة الحضارية الشاملة، فالقراءة ظاهرة حضارية، وهي الوسيلة الأولى لاكتساب المعرفة، وحتى نبدأ القراءة سنظل نغط في سبات عميق، ونعيش في معزل عما يجري في العالم، وما يحيط بنا من أشياء.
لماذا لا نقرأ؟ هذا السؤال توجهنا به لكوكبة من المثقفين والكتاب وكانت الإجابات التالية:

٭ د. فاطمة الصايغ .. جامعة الإمارات:

  سألت طلابي قبل فترة عن المصدر الذي يستقون منه المعلومات، وهم يعدون مشروع التخرج، فأجابوا بأن هذه المعلومات مصدرها الإنترنت الذي هو وسيلة سهلة وجاهزة، حيث لا يتعبون أنفسهم في القراءة، وبضغطة زر يحصلون على المعلومات، بمعنى أن الطلاب الذين من المفروض عليهم القراءة لا يقرأون، ويحضرون الأبحاث عن طريق الإنترنت . وأضافت قائلة: في الواقع إنها أزمة على المستوى العالمي حيث أشارت إلى أن الأمريكان الذين يقرأون في محطات المترو ووسائل المواصلات والأمكنة العامة لا يقرأون في هذه الأيام سوى الأشياء الرومانسيات والمجلات الفنية والأشياء الخفيفة، أما القراءة الجادة، والكتب الثقافية والنظرية والفكرية فلا يطالعها سوى قلة قليلة، ومن هنا فإن أهمية الكتاب تراجعت، وسوف يتراجع أكثر في المستقبل لأن القراء قلوا . وأشارت الدكتورة فاطمة الصايغ إلى أن أهمية الكتاب الإلكتروني تكبر، حيث يمكن اقتناء أمهات الكتب إلكترونياً بدل الذهاب إلى المكتبة، إضافة إلى أن سعره أقل، كما أن الناس تبحث عن السهولة والبساطة والرخص، مشيرة إلى أن مشروع الكتاب الإلكتروني الموجود الآن في الغرب، لا بد من تعميمه في بلادنا.

٭ زياد عبدالرحيم .. «كاتب»:

  عزوف الناس عن القراءة يعود إلى عدة اسباب منها انشغال الناس بمتطلبات الحياة اليومية حيث لا يجدون الوقت الكافي للقراءة ومن مختلف الأعمار، كما أن ثورة المعلومات ممثلة بالإنترنت، وأجهزة الاستقبال الفضائي التي جعلت العالم قرية صغيرة ساهمت مساهمة كبيرة في إبعاد الناس عن الكتاب، وأضاف عبدالرحيم: ان التطور الهائل في صناعة السينما أدى إلى قتل الرغبة في القراءة، والاستعاضة عنها بالمشاهدة الحسية والبصرية والصوتية . وأوضح أن ما أسماه (الكسل الذهني) الذي أصاب القارىء العربي بشكل عام، والإحباطات السياسية، والمصاعب الاقتصادية التي يعاني منها هذا المواطن جعلت من الكتاب الذي ينبغي أن يبقى سيد المعرفة يتنازل عن سيادته، ويصبح من سقط المتاع.

٭ الشاعر خالد البدور:

 السبب يتعلق ببنية المجتمع الفكرية، حيث لا يمكن لأي إنسان ان يمارس أي شيء، إذا لم تكن تلك ممارسة إجتماعية أسرته، وأضاف: لا يمكن أن نكتسب عادة القراءة، أو اي عادة حسنة أخرى إذا لم نجد مثالاً بشخص قارىء أكان عضواً في الأسرة، أو مدرساً في المدرسة، أو مديراً في العمل، ونوه إلى أن المدرسين لا يقرأون ونحن نتحدث عن القراة، متسائلاً: كيف تريد من الطلاب أن يقرأوا في هذه الحالة؟ واستطرد قائلاً: نحن نتهم الأمم الأخرى بأنها تعتدي علينا، وبأنها تحيك المؤامرات ضدنا، ونحن نتآمر على لغتنا وعلى تراثنا الحضاري بعدم الاطلاع وبالإهمال، وأوضح أنه لن تقوم لأية أمة قائمة إلا بانتهاج ممارسات حضارية مثل القراءة، ولدى سؤاله عن آخر الكتب التي قرأها أجاب قائلاً: أقرأ الآن آخر روايات بالوكويلوالروائي البرازيلي، وهناك كتاب آخر اسمه (البدوي الأخير) لرحالة غربي في الجزيرة العربية.

٭ الباحث والكاتب نجيب الشامسي يقول في العزوف عن القراءة:

  إنّ هذه الظاهرة لا تعني مجتمع الإمارات فحسب، وإنما المجتمع العربي ككل، ويعود ذلك بالأساس إلى أن الإنسان العربي أصبح منشغلاً بأسباب معيشته، أكثر من أن يكون منشغلاً بتثقيف ذاته، وبناء نفسه علمياً ومعرفياً، وكذلك ربما ما يحدث في المجتمع العربي أدى إلى أن تتولد قناعة لدى المواطنين العرب عامة، وشريحة الشباب خاصة بأن لا دور لهم، وبالتالي يتساءل الشاب العربي: لماذا أقرأ، وحينما لا أمارس ما تعلمته فما الجدوى إذن؟ وأوضح الشامسي أن الوعي والثقافة يشكلان ضغطاً نفسياً على الإنسان حينما لا يمارس دوره كمثقف ومتعلم وإنسان.

٭ القاصة أسماء الزرعوني تقول:

  الشباب العربي يمضي وقت الفراغ في الأسواق الحديثة، ومقاهي الإنترنت، لذا لا وقت لديه للقراءة سواء منها ما يتعلق بدروسه وواجباته الأكاديمية، أو المطالعات الخارجية، وأضافت: نحن نعيش في زمن التجهيل الحقيقي، والأمية الثقافية، طالما أن التسويق السلعي، وأماكن الترفيه سيطرت سيطرة تامة على دور المكتبات، ومنابر الثقافة والوعي والمعرفة، واضافت: لا بد من التغلب على هذه الأمور بإشاعة الحراك الثقافي الحقيقي بين أبناء المجتمع ككل، ووضع أسعار مناسبة للكتاب حتى يتم اقتناؤه والاستفادة منه على مدى زمني طويل، ذلك أن الكتاب يبقى سيد المعرفة.

                                                            بقلم: أحمد خضر /  دبي - الرياض  

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث