لأن الترفيه جزء هام في حياة الإنسان، فقد ارتبط بكثير من شؤون حياته، ونظرا لأهميته في التحصيل الدراسي، فقد اقترن بالتعليم ليجعله عملية ماتعة ومتاحة بطرق مختلفة، وتزيل الفكرة السائدة التي تعتبر التعليم أمرًا غير ماتع وعبئًا يحتاج إلى جهد واجتهاد وعمل ممل، حتى أصبح مصطلح التعليم بالترفيه وسيلة أساسية من الوسائل الحديثة في العملية التعليمية الناجحة، فمن خلاله يستطيع الطالب أن يستخدم كامل طاقته الذهنية ليصبح الفهم لديه سهلًا وسريعًا. زاد الاهتمام بالتعليم من خلال الترفيه في الآونة الأخيرة وهو يعد إحدى طرق التعلم الحديثة للقضاء على صرامة أساليب التعليم التقليدية وجفاف المادة الدراسية، وقلة صبر المتعلمين عليها.
ويعرف التعليم بالترفيه بأنه نشاط موجه يقوم به الأطفال لتنمية سلوكهم وقدراتهم العقلية والجسمية والوجدانية، ويحقق في نفس الوقت المتعة والتسلية، حيث يتم استخدام الأدوات والتجارب والوسائل التعليمية الجيدة في الشرح عوضًا عن الكتاب المدرسي الذي أصبح عبئًا على العديد من الطلاب. أهدافه ويهدف هذا النوع من التعليم إلى إزالة الخوف لدى بعض الطلاب من المواد الدراسية بثوبها المعتاد وطرقها القديمة المعقدة ورموزها المبهمة، عن طريق استعمال أساليب منهجية منتقاة خطط لها بعناية، وفيها تبسيط للمادة العلمية يخالطه لعب موجه ومرح هادف وإثارة وتشويق. وخلصت عدة دراسات أجريت حول آثار التعليم بالترفيه في الرفع من مستوى التحصيل الدراسي إلى أنه متى أحسن التخطيط له وتنظيمه والإشراف عليه، فإنه يؤسس مدخلاً وظيفيًا لمسار تعلمي فعال يتجاوز بكثير سلبيات نمط التعلم التقليدي.
ونظرًا لأنه يحفز على الارتقاء بالمستوى المعرفي والتعليمي للطالب بصورة ماتعة له، وتتيح له فرصة التعليم في أي مكان ووقت، فقد لوحظ اهتمام بعض الكوادر التعليمية خلال الآونة الأخيرة بتطبيق طرق التعليم بالترفيه والذي أعطى نتائج أفضل بكثير من طرق التعليم التقليدية والمقتصرة على الحشو والتلقين التي تسرع وصول الملل إلى المتعلم. ويأخذ التعليم بالترفيه صورًا مختلفة ومتنوعة، وقد تتفاوت هذه الأدوات سواء في التكلفة أو التجهيزات وطريقة تقديمها، إضافة إلى إعداد الكوادر للعمل بهذه الأدوات وتدريب زملائهم من المعلمين في تطبيق مثل هذه البرامج. أساليبه ويختلف أسلوب التعليم بالترفيه عن المألوف من طرق التعليم؛ بأنه يقدم ويعرض المادة الدراسية والفائدة العلمية في ثوب جديد وممتع تقبل عليه النفوس وتحبه، وهو الترفيه واللعب والمرح حيث تتجاوز نظرة هذا الأسلوب الحديث إرث الحدود الوهمية الضيقة والحواجز النفسية العالية للعملية التعليمية التقليدية في العالم أجمع، ويتحرر من نمط التعليم الصفي والانضباط العسكري والصمت المهيب في حجر كئيبة وضيقة إلى نمط أكثر إثراءً وأعظم فائدة.
فهو نمط تعليمي جريء يتحدى الفرضيات التعليمية البالية حين يحلق في أنشطته المتنوعة والمتجددة عاليًا وبعيدًا خارج أسوار المبنى الدراسي وغرفة الحارس. نمط تعليمي يعتبر الحياة بكل مناحيها صفًا دراسيًا كبيرًا وكتابًا دراسيًا قيمًا ملؤه الملاحظة والتجريب والإثارة والاستنتاج والتعلم. وعادة ما يتم التعليم بالترفيه من خلال أدوات كثيرة منها ما يتم من خلال أجهزة الكمبيوتر والأجهزة اللوحية مثل الآيباد وغيرها من الأجهزة التي تعمل بنظام الأندرويد، إضافة إلى الأجهزة الذكية مثل الآيفون والبلاكبيري، والأجهزة الذكية التي تعمل بنظام الأندرويد، التي أصبحت شائعة الاستخدام بين طلاب المدارس. فضلاً عن بعض المواقع الإلكترونية التي تقدم المعلومة مثل الـ«يوتيوب»، الذي أصبح يقدم محتويات تعليمية مصنفة وكثيرة فيما يتعلق بتخصص معين أيًا كان المستوى التعليمي للطالب، إضافة إلى مقاطع متفرقة من الممكن أن تساعد المعلم على إيصال المعلومة للطالب والاستفادة منها. إضافة إلى مواقع تعليمية أخرى منها موقع أكاديمية خان الذي يحتوي مادة ثرية في مختلف التخصصات إلى جانب مواقع التواصل الاجتماعي مثل الـ«فيسبوك» و«تويتر» ومواقع أخرى مشابهة وهذه المواقع تسهل التواصل الإيجابي الفاعل والعلمي بين المعلم والطالب وتتيح فرصة أكبر للمعلم للاطلاع على اهتمامات الطالب، والتجاوب مع تساؤلاته، وتزيد من الألفة بين المعلم والطالب، وتكسر حاجز الهيبة في الوصول إلى المعلومة، وتساعد المعلم على إرسال المادة المفيدة للطالب بصورة أيسر.
هذا فضلاً عن مجموعة من المواقع الإلكترونية والتطبيقات التي تقدمها مؤسسات تعليمية في مختلف دول العالم التي تقدم محتوى متميزًا ومتقدمًا بالمجان، علاوة على الألعاب التعليمية التي تغص بها متاجر الألعاب، وتعلم هذه اللعب المختلفة والمخصصة لأعمار محددة، الأطفال والناشئة مهارات عدة في فنون شتى؛ مثل الكيمياء والفيزياء والفلك وغيرها. ويقدم التعليم بالترفيه من خلال التطبيقات الموجودة بالأجهزة اللوحية والكمبيوترات والأجهزة الذكية وذلك عبر مجموعة من الطرق والوسائل، منها أن تعريف الطالب أثناء الحصص التدريسية بهذه المواقع بحسب ارتباطها بموضوعات المادة نفسها، وكيفية التعامل معها على أساس أنها جزء من المنهج التعليمي، حيث إن كل مادة مقررة يمكن أن تستخدم بعض هذه الأدوات، ويخصص لها جزء من وقت المادة المقررة، ومن الممكن أن يتعامل معها الطالب خارج المدرسة، وتكون هذه الموضوعات في غالبها مرتبطة بحياة الطالب بشكل مباشر لتزيد من اهتمامه بها.
كما يجب أن تتضمن مادة الحاسب الآلي موضوعات تتعلق بأهم المواقع التعليمية، والآلية المناسبة للوصول إلى المعلومة بصورة ميسرة، ويتم تحفيز الطالب على الاستفادة من هذه المواقع والأدوات، وتوفير التجهيزات حسب الإمكان، ومن المهم أيضًا توفير الفرص التدريبية للمعلمين بالطرق الحديثة في تقديم المعلومة والمعرفة وآليات إيصالها للطالب، والتأكد من استيعابه لها، وتكون هذه الدورات بصورة منتظمة للمعلم في مختلف المناطق والمستويات التعليمية. 20 في المئة من مدارس العالم العربي تستخدم نظريات التعليم بالترفيه كشفت دراسة علمية أن 20 في المئة فقط من المدارس في العالم العربي تستخدم نظريات التعليم بالترفيه، وأن 80 في المئة من معلمي تلك المدارس، خاصة الحكومية، يفتقرون إلى التأهيل والتدريب الكافيين لجسرنة الوصول لهذه المدارس. وأظهرت الدراسة التي أجرتها الدكتورة عائشة المالكي، إحدى منسوبات تعليم مكة المكرمة، أن تلك المدارس ما زالت تتبع النظرية الإغريقية القديمة التي تنص على أن الطالب أو الطالبة عبارة عن كتاب مفتوح يجب تعبئته، بغض النظر عن الأساليب والطرائق الكفيلة بذلك. وقالت المالكي إنه «إذا رغبنا في أن يعيش الطلبة معنا في حيوية دائمة، فيجب عدم منعهم عن الضحك والمرح.
نحن إذن في أمس الحاجة لا إلى التغاضي عن السلوكيات التي تعبر عن المرح فقط، بل نحن في حاجة إلى اللجوء إلى كل حيلة ممكنة للخروج من المألوف الذي تصطبغ به معظم مدارسنا». وأضافت المالكي: «المرح في المدرسة ليس هدفًا بحد ذاته، بل هو مدخل يفضي إلى كسر حالة العزلة بين بيئة المدرسة المصطنعة وحياتنا الطبيعية التي تتسم بالرغبة في الضحك والفرح. هذا يعني أن الضحك في بيئة المدرسة ضرورة لا رفاهية». وأشارت المالكي إلى أن نشر المرح وإشاعة البهجة لا يتعارض مع الجدية والتركيز. مفهوم خاطئ ذلك الذي يعتقده الناس أن المرح يتعارض مع الجدية. كما أن ما ذكر لا يعني أن يتحول المرح والضحك إلى سخف ودعابات سطحية، تتحول مع الوقت إلى استهتار وعدم التزام. المطلوب هو بناء بيئة مدرسية بعيدة عن الروتين وقريبة من التفاعل ومفعمة بالمتعة والفرح. وعللت المالكي الأسباب التي حالت دون تطبيق تعليم بترفيه إلى المعلمين أولاً بحجة أنه لا يتوقع أن يمنح المعلم خدمة للطالب مغلفة بابتسامة إذا لم تمنحه الإدارة ما يستحق الابتسام. عندما تدعم بيئة المدرسة المعلمين للاحتفاء بنجاحاتهم، وعندما يلقى المرح الاستحسان والتقدير، تتغلغل في المدرسة روح الاعتزاز والثقة بالنفس التي بدورها تنتقل تلقائيًا إلى الطلبة.
فإذا وجد المعلمون متعة حقيقية في أداء أعمالهم، فإن الأعراض تبدو واضحة: حماس في الأداء من جهتهم، وإقبال من الطلاب على الحضور والتعلم. وأفادت المالكي بأن من أهم مسؤوليات المهتم بالشأن التربوي والتدريبي محاولة فهم أفراده واستكشاف مكنوناتهم وطاقاتهم، وتلمس جوانب الضعف والقوة في شخصياتهم، والتعرف على جوانب الخلل في ذواتهم التي بحاجة إلى إصلاح، والألعاب التربوية تتيح له فرصًا كثيرة لمراقبة سلوك أفراده في مواقف تحاكي الواقع وتقترب منه، والشواهد في الحياة كثيرة تؤيد ما وصل إليه «بلاتو» من أن «ساعة لعب تعرفك بالشخص أكثر من سنة محادثة». وأوضحت المالكي: «أن استخدامي الشخصي للألعاب في دوراتي التدريبية خلال السنوات العشر الماضية، وما خلصت إليه تجربتي في حقلي التربية والتعليم وما لاحظته في مؤتمرات تربوية، وعايشته في ورش عملية كثيرة، ولامسته من تشجيع ومؤازرة واهتمام من الإخوة المربين والمدربين أثناء تقديمي للألعاب التربوية في منتدياتهم، كرست لدي قناعة بأهمية هذه الأداة التربوية التي من الممكن أن تضيف إضافة جديدة إلى تجربتنا التربوية، وتحديثها بما يتلاءم مع متطلبات البيئة الحاضرة، وحاجة العمل التربوي إلى تحديث في وسائله وأدواته».
واستطردت المالكي: «الألعاب التربوية ممارسة في وسائلنا التربوية، لكنها اجتهادات فردية تفتقر إلى التأصيل، فالألعاب طريقة تربوية لها تأصيلاتها النظرية في جامعات عالمية عريقة، وتطبيقاتها العملية المشاهدة في الدورات التدريبية، والفصول التعليمية في المدارس الغربية، تستند إلى ثروة من الأبحاث والدراسات الأكاديمية، مبينة أن الدراسات تؤكد أن الأفراد يتعلمون بصورة أفضل عندما تكون عملية التعلم ممتعة، فالألعاب طريقة جذابة وطبيعية، فنحن مفطورون على حب المرح الذي أحد مصادره اللعب، فـ (في داخل كل منا طفل يتوق للعب)، كما يقول نيتشه.
بقلم : فواز الحارثي