نحن نعمل على فكرة إحياء وتطوير التعليقة في المؤسسات التربوية. في كتابنا "تراثنا التربوي "وكتاب" تعليقة أصول التربية" بيان تفصيلي لهذا المشروع مع تقديم لمحة تاريخية عن نشوء التعليقة. التعليقة - جمعها تعليقات وتعاليق ونقصد بها مذكرة الطالب أو المعلم يُسجل فيها ما يتصل بموضوع العلم الذي يدرسه. عرف المسلمون التعليقة منذ أكثر من ألف سنة واستخدموها في تدوين العلوم العقلية والنقلية وفي مدارس النظامية والأزهر والمستنصرية ومع مرور الزمن ولأسباب كثيرة غابت كلمة التعليقة وآدابها من الساحة العملية والعلمية حتى غدت كلمة غريبة.

 قال الخبير التربوي د. يوسف عبد المعطي:" اطلعتُ على كتاب : تراثنا التربوي، ننطلق منه ولا ننغلق فيه للأخ الفاضل الدكتور بدر محمد ملك، والأخت الفاضلة الدكتورة لطيفة حسين الكندري، فأحسست بسعادَةِ مَنْ بَحَثَ عَنْ أَمْرٍ عُمراً, ثم فُوجئ به أمامه!... وتوقفت طويلاً أمام: التعليقة التعليمية كوسيلة لإحياء وتطوير تراثنا التربوي وأشهد أن كتابكما قَدَّم بهذا الأمر "فتحاً" جديداً. فاستخرج من التراث هذه الممارسة فشرحها، وأوضحها، وأثراها بإضافات، وأصَّلها بمعايير، وقدَّم إضاءة تعين المتعلم، وتوجهه لكيفية كتابتها, وأورد الفروق بينها وبين البحث الذي يتوجه لمعالجة موضوع مفرد وعمل على إقناع المتعلم بما يعود عليه بالفعل حين يحرص على ممارستها نهجاً يتخذه في تعلمه، إذكاءً لفكره، وتواصلا مع رواد العلم قبله, وتدوين أهم ما توصلوا إليه مما يتصل بما يدرسه المتعلم وبحثاً في مناحي حياته وتجربته, وما يطلع عليه حوله مما يؤيد ذلك، وهو في هذا التسجيل صادق أمين يسجل عثراته، وإنجازاته، واستنتاجاته بل وحيرته وتساؤلاته فالتعليقة بذلك صديق مصاحب وعالم يلخص له جوهر المسائل، ووقفة تمد البصر بين ما يدرسه وما يعيشه: إيجابا وسلبا، واقتناعا، واستمرارا في البحث والتساؤل.

والتعليقة بكل ذلك سجل عقله، ورحلة فكره، في ما يقرأ ويسمع، ويفسر مما أورده الآخرون عبر التراث, أو في تفسير أساتذته وتعليقاتهم على ذلك ولكن الأكثر أهمية في كل ذلك هو وجوده هو نفسه في التعليقة التي تحمل رؤيته وفكره فهو حاضر يقظ متابع حريص متسائل وليس مجرد متلقٍ. يعلم أن العقل هدية الله إليه فيسعى جاهدا ليستثمرها ويعملها باحثا عن الحق.

إن هذا الفتح الذي وفقكم الله إليه, هو نقلة جديدة في طرائق التربية وجسر حي يمتد بين التراث والواقع وتصل بإذن الله أطرافه إلى المستقبل احتراما لعقل المتعلم، وتدريبا ليقظته وملاحظته, ورصده الواعي لما يمر به من خبرات تعليمية. لكن أكثر الأمور أهمية هو منحه الحق في أن يخطئ ويراجع نفسه ويسجل ذلك فقيمة "التعليقة" فيما تتضمنه من صدق وصراحة وتسجيل للرحلة الباحثة عن الصواب وهي خلال ذلك تمر بأخطاء كثيرة يشرف المرء بتسجيلها ولا يخجل. لو نجحنا في إشعار المتعلم بتقبلنا لذلك فإننا نكون قد قطعنا شوطا هاما, جزاكما الله الخير. وحاليا أعيش مع الكتاب الذي ألوم نفسي أنني لم أعرفه قبلا فحرمت من جهد وعمل علمي يعبر عن توجه أصيل نحو تربية تحمل إلى الدنيا هدي ربنا في انفتاح وتفهم وجهد ودأب... وأشكر الحفيدة التي أهدتني نعمة التعرف عليكما، ووجدت من خطوطها على صفحات الكتاب، وما سجلته في الهوامش بداية " تعليقة " لها سعدت بها... رعاكما الله" (باختصار).

ولقد اعتبر د. سامي محمد نصار في دراسة موجزة أن فكرة التعليقة كما طرحناها أصل من أصول التربية الإسلامية إذ كتب "وقرب الامتحان تبدأ المفاوضات حول ما هو مقرر وما هو غير مقرر، وما قاله الأستاذ وما لم يقله... وكأن التعليم صار عملية إعادة إنتاج لنفس الأفكار بل لنفس النصوص بكلماتها، وبشكل سطحي لا يمس جوهر المتعلم عقلاً ... تذكرت كل هذا عندما قرأت ما كتبه الأخ والزميل د. بدر ملك والأخت د. لطيفة الكندري عن "التعليقة" باعثين بذلك أصلاً من أصول التربية الإسلامية نافضين عنه الغبار، دافعين به بحماسة - تدعو إلى الإعجاب - إلى مركز العملية التعليمية وقلبها في كلية التربية الأساسية التي تعنى بإعداد المعلم". ولقد وجدت الفكرة حفاوة بالغة عند العديد من المؤسسات التعليمية نسأل الله سبحانه أن يبارك في هذا المشروع.

قلنا أن من معاني التَّعليقة أنها مُذكرة شخصية يكتبها الطَّالب على ضوء متطلبات المادة الدِّراسية التي يدرسها كما يُدون (يُعلِّق) فيها أهم الأفكار التي يذكرها الأستاذ في الفصل وتتضمن أيضاً بعض آراء الطَّالب وتلخيصاته المُتعلقة بالمقرر الدِّراسي. التَّعليقة هي سعي مُنظَّم لتدوين أهم مُحتويات المُقرر الدِّراسي في مُذكرة شخصية يُعِدّها الطَّالب ويضيف إليها بعض تعاليقه. لقد قمنا بتطبيق هذا المشروع في كلية التَّربية الأساسية وكانت فرصة عملية لنا لتقييم طلابنا وطالباتنا من خلال منهج التَّعليقة إلى جانب استخدام الأساليب المعروفة مثل الاختبارات وغيرها.

رغم أنَّنا لم نطَّلع على دراسات تفصيلية تشرح التَّعْلِيْقَة من النَّاحية التَّعليمية في كليات التَّربية إلا أنَّه من خلال دراساتنا المتواضعة وعملنا المُستمر في حقل التَّعْلِيْم فإنَّنا نود أن نستعرض هنا التَّعْلِيْقَة كفكرة من الأفكار التُّرَاثية القديمة وكيفية إحيائها وتطويرها لطلاب وطالبات كليات التَّربية وغيرهم وذلك وفق الاحتياجات التَّعليمية العصرية.

التَّعْلِيْقَةُ التَّعْلِيْمِية التي نقترحها ظهرت بداياتها في النِّصف الثَّاني من القرن الهجري الثَّالث ثم انتشرت بصورة كبيرة مع ظهور المدارس في التَّارِيخ الإسلامي من قبل ألف سنة تقريباً إذ كان الطُُّلاب وغيرهم يقومون باستخدامها في مرحلة ما بعد مرحلة الكتاتيب أي أنَّها استُخدمت في مرحلة التَّخصُّص أو ما نسميه اليوم المراحل الدِّراسية المتوسِّطة والعليا. من المؤكَّد أنَّ عدداً كبيراً من الطُُّلاب والمعلمين عملوا التَّعليقة في المدارس النِّظامية التي بناها أبو علي الحسن بن علي بن اسحاق الطُّوسي المعروف بنظام المُلك وهو أقوى وأشهر الوزراء في عصر السَّلاجقة في زمن السُّلطانين: السُّلطان ألب أرسلان والسُّلطان ملكشاه، أي في القرن الخامس الهجري. هذه الطَّريقة التَّعليمية ظهرت منذ فترة طويلة وتحت مُسميات مُختلفة مثل كلمة المُدونة والأمالي.

في الفترة الحديثة اختفت كلمة التَّعْلِيْقَة من السَّاحة التَّعليمية حتى أنَّه من الصَّعب العثور على تعريف لهذه الكلمة في القواميس أو الموسوعات التَّربوية أو كُتب تاريخ الفكر التَّربوي. تشبه التَّعْلِيْقَة في بعض جوانبها الملف التَّعْلِيْمي Portfolio الذي يُستخدم في التَّربية المعاصرة بشكل واسع وهو ملف يحتوي على عيِّنات من إنتاج الطّالب في المدرسة.

لقد كان طالب العلم قديماً يكتب ملخصاً لما يسمعه من أستاذه ولما يدور من نقاش في مجالس العلم، وعلى صفحات الكتب التي يطَّلع عليها وقد ينشر هذه التَّعْلِيْقَة أو على الأقل يحتفظ بها لمراجعة دروسه بعد الفراغ من الدِّراسة. يحتفظ الطَّالب بتعليقته لينتفع بها ككتاب في مكتبته بعد أن يُتِمَّ تحصيله. بعضهم كانت تعليقته التي علَّقها من شيخة تعليقة صغيرة وبعضهم يعلق أكثر من أصحابه أو يختار منهجاً معيناً في ترتيب وتقييد العلوم التي يتعلَّمها ويدونها في معلقته. التَّعْلِيْقَةُ رغم معاييرها العِلْمِية المحدَّدَة فإنَّها تتَّسم بالتَّنوع فلكل طالب تعليقة مُتميزة فمنهم من يرجع للتَّعليقة فيحفظها ومنهم من يكتفي بفهمها وهكذا.

واليوم وبعد تجربة أوليَّة مع معاينة لنتائج الملف التَّربوي في مراحل رياض الأطفال إلى المرحلة الجامعية وفي نطاق الأسرة والمُؤَسَّسَات الرَّسمية وغيرها فإنَّنا نضع ضمن مقترحاتنا هنا أسس إعداد "التَّعْلِيْقَة التَّعْلِيْمِيَّة" من وحي تصوراتنا وممارساتنا في حقل التَّعْلِيْم كي يُستفاد منها كتجربة أوليَّة في عملية دراسة التُّرَاث التَّربوي بعد أن لمسنا نفعها في الميدان العملي. لا نشك أبداً في أنَّ هذه التَّجربة تحتاج إلى تطوير وتعديل حسب الظُّروف والإمكانات وطبيعة الطُّلاب وطموحاتنا ولكنَّنا هنا نود توجيه الأنظار نحو ذخائر التُّراث على أمل استثمارها عملياً في واقعنا.

قلنا أنَّ التَّعْلِيْقَة كما نقترحها تشبه في بعض جوانبها فكرة الملف التَّربوي الذي يستخدمه الغربيون في المدارس اليوم. عرَّف بعضهم الملف التَّعْلِيْمي بأنَّه مادة مجموعة لهدف واضح من عمل الطَالب تحكي قصَّة جهود الطَّالب ونموه الثَّقافي في ميدان معين (Mcnergney &Herbert, 2001, P. 553). فهو ملف له هدف واضح يُجمع من عدَّة أنشطة على مرِّ الزَّمن (Shores & Grace, 1998, 143). بعض المربين يُعرِّف الملف التَّربوي بأنَّه مختارات من أنشطة الطَّالب المتنوعة التي قام بها أثناء العام الدِّراسي (Cribb, 1999, P. 434 &Bennett). المتخصصون في أصول التَّربية يرون أنَّ الملف التَّربوي قد يكون من إعداد المُعَلِّم لمقرر من المقررات يُوثِّق فيه أعماله المهمة كي يعرض ملفه على المُؤَسَّسَات إذا أراد الحصول على العمل. كثير من كليات المُعَلِّمين والمُعَلِّمات يجعلون الملف التَّربوي للمعلم من المتطلبات المهنية التي تساعد المُعَلِّمين على الحصول على شهادة التَّخرج والتَّرشيح للعمل في المُؤَسَّسَات التَّعْلِيْمِية القائمة على المنافسة (Parkay & Stanford, 2001, P. 63).

المادة المجموعة في الملف تتطرق إلى موضوع عام مثل تاريخ التَّربية أو تطور الفكر التَّربوي أو موضوعات تربوية عامَّة أو أي موضوع… يقوم المتعلِّم بالبحث فيه كل حسب المصادر المتاحة له ووقته وقدرته. لا توجد مواصفات معينة تفرض شروطها لإخراج وإعداد وجمع الملف. مصادر الملف كثيرة ومتنوعة منها (الصّور والرُّسومات - الجرائد والمجلات - الكتب والموسوعات - برامج الحاسب الآلي- الخبرات الشَّخصية -عرض ومناقشة كتاب- تلخيص وقائع بعض المحاضرات أو المؤتمرات أو حتى البرامج الثَّقافية في التلفزيون والإذاعة - الزِّيارات الميدانية لمؤسسات تعليمية - مقابلات علمية مع العلماء والزُّملاء أو مراسلتهم ..).

المواد قد توضع في شريط سمعي أو فيديو أو شريط من أشرطة الحاسب الآلي أو تسلم للمعلم كملف أو بطاقات متنوعة أو حقيبة ورقية صغيرة أو كراسة تضم عمل الطالب. ليست هناك قاعدة واحدة لتصميم التَّعْلِيْقَة التَّعْلِيْمِيَّة التي نقترحها إذ أنَّها مبنية على الإبداع والتَّميز واستغلال الإمكانات المتوفرة بحكمة والفرق بين عمل الأبحاث وتصميم الحقيبة أو الملف التَّعْلِيْمي أنَّ البحث يكون عادة في موضوع كِتابي مُحَدَّد أما الملف التَّعْلِيْمي فإنَّه مُتنوع الموضوعات وإن كان في العموم حول أصل عام يتَّفق المُعَلِّم والمتعلم على اختياره مُسبقاً. مواد التَّعليقة تجمع بين مهارتي التَّصنيف والتَّأليف لأنَّ المتعلم يجمع المعلومات وفي نفس الوقت يضيف إليها من خلال التَّعليقات والمناقشات. البحث العلمي هو فحص وتفتيش عن الحقائق المطلوبة وعرضها بأسلوب مُقْنع مفيد مبني على التَّأصيل والإستدلال والتَّعليل والتَّمثيل.

معايير التَّعْلِيْقَة التَّعْلِيْمِيَّة:

يمكن اقتراح أهم معايير التَّعْلِيْقَة التَّعْلِيْمِيَّة الجيِّدة والتي تحتوي على ثمرات جهد منهجي بما يلي:

1- التَّنوع في جمع المصادر على قدر الإمكان مثل الاستعانة بالكتب الحديثة والتُّراثية على السَّواء والمجلات التَّخَصُّصِيَّة والجرائد أحياناً والمقابلات الشَّخصيَّة مع من لهم دراية بموضوع يتعلق بموضوعات الملَّف "التَّعْلِيْقَة" ومن أعظم وأضخم المصادر المتاحة اليوم هي المصادر الموجودة على الشَّبكة الإلكترونية أو ما يسمي بالإنتاج الالكتروني في الإنترنت كما أنَّه يُفضَّل الاستفادة من أشرطة الكمبيوتر الـ CD-ROM. المناقشات داخل الفصل والبرامج الإذاعية والتِّلفزيونية والملاحظات والتَّجارب الشَّخصية والصّور كلها مصادر حيوية لجمع المادة العِلْمِيَّة. 

2- التَّوثيق الدَّقيق للمراجع. وهذا خُلق أخلَّ به عامَّة النَّاس ساعة الشُّروع في الكتابة بل حتى بعض العاملين في الحقل الأكاديمي من "الباحثين" من أصحاب المذهب التَّأليفي التَّربوي التَّبريري الواسع والسَّريع! وهذا يُسبِّب التَّدليس وإيهام القارئ بأنَّ كلام الآخرين يمكن أن يُنسب للكاتب ورغم أنَّ هذه الطُّرق قد تكون أقلّ فُحشاً من السَّرقات العلمية المكشوفة إلا أنَّ الباحث الأمين عليه أن يبتعد عن مواطن الشُّبهات قدر الإمكان.

 3- حُسن التَّنظيم والعرض مثل وضع فهرس والتَّجديد والابتكار في تنسيق المعلومات.

 4- التَّعليق والمناقشة لبعض الموضوعات فلا يكفي جمع المعلومات ولكن يجب الإضافة عليها في بعض الأحيان فالتَّعْلِيْقَة تجمع بين مهارتي التَّصنيف والتَّأليف.

 5- أن تكون المادَّة العِلْمِيَّة المجموعة وثيقة الصِّلة بالمحتوى العلمي للمقرَّر الدِّراسي وبذلك تخدم التَّعْلِيْقَة أهداف المقرَّر الدِّراسي وتعمِّق العلاقة به.

 6- الأصالة بمعنى ظهور بصمات إسلامية في صميم محتويات التَّعْلِيْقَة وثناياها وهذه الأصالة تدل على هوية ثقافية واضحة المعالم تعكس تراثنا الأصيل.

 7- المعاصرة وذلك بالاستفادة الحكيمة من مصادر المعرفة العصرية وربط الموضوعات بحاجة المجتمع اليوم، وأهم النَّظريات التَّربوية الحديثة، واستعراض بعض الدِّراسات السَّابقة (Literature Review).

 8- التَّعْلِيْقَة الجيدة هي التي تنفع صاحبها بطريقة أو بأخرى فيمكن أن يراجعها قبل الإمتحان لوجود الخُلاصات فيها.

 9- يُحاول الطَّالب أن يقوم باعداد مُلخصات ورسوم توضيحية للموضوعات المُهمَّة في المقرر كما يمكنه الإستفادة من مهارات الخريطة الذِّهنية لإعداد بعض فقرات تَعليقته. الخريطة الذِّهنية هي تحويل المعلومات من الكتاب أو غيره إلى كلمات مُختصرة ممزوجة بالأشكال والألوان فيقوم الطَّالب باختصار فصل كامل من كتاب ما في ورقة واحدة (الرِّفاعي، 1998، ص 132). لقد قام د. نجيب الرفاعي من كلية التَّربية الأساسية بِتمرين الطُّلاب والطَّالبات على هذه المهارة الدِّراسية الهامَّة فوجد بعد تَجارب مُكثفة ودورات تدريبية مُوفقة أنَّ هناك مؤشرات كثيرة على نجاح الخريطة الذِّهنية كمهارة في مراجعة الدروس والاستعداد للإمتحانات نظراً لاختصارها وتنظيمها للمعلومات.

 10- أن يختار الطَّالب برغبة وقناعة فكرة إعداد التَّعْلِيْقَة. نعتقد أنَّ التَّعْلِيْقَة التَّعْلِيْمِيَّة عملية اختيارية ينبغي أن لا تُفرض على الطَّالب فإذا فضَّلّ أحد الطُّلاَب أن يكتب بحثاً عِوضاً عن التَّعْلِيْقَة فلا بأس بهذا الخيار وحرِّية الطَّالب يجب أن تُحترم إلى أبعد الحدود. كما نعتقد أنَّ الطُّلاَب والطَّالبات ممن أخذوا فكرة التَّعْلِيْقَة التَّعْلِيْمِيَّة ومارسوا إعدادها هم طليعة الموكب الذي يمكن أن يُطبِّق الفكرة في المدارس ويُحيي كلمة التَّعْلِيْقَة عملياً كما كانت مشهورة ومُنتشرة ونافعة قبل ألف سنة في كثير من مؤسساتنا التَّعْلِيْمِيَّة ويقع على عاتق هذا الموكب تطوير ونشر مفهوم التَّعْلِيْقَة على أساسي الأصالة التُّرَاثية والمعاصرة الواقعية. التَّربية الحديثة تتَّفق تماماً مع نظرات ابن سينا الدَّاعية إلى احترام الفروق الفردية في تعلم الصِّناعات والمهارات للمتعلم وذلك بما يناسب طبعه، وقريحته، وميوله قدر الإمكان فلا ينبغي أن نجعل الإجبار أساس تعلم العِلم. إنَّ التَّربية الحقّة هي التي تنجح في ترغيب الطَّالب في تحصيل العلم ذاتياً وهو أمر ينبع من جملة أمور متصلة متعاضدة وأهمها: الإقناع والتَّحفيز والتَّرغيب ومشاركة المشاعر والأفكار والتَّوجيه الحكيم في الوقت المناسب وأخيراً إعطاء الطَّالب حرية الاختيار.

بعض التَّوجيهات لِكتابة التَّعْلِيْقَة التَّعْلِيْمِيَّة:

أ‌ - غلاف البحث أو التَّعْلِيْقَة التَّعْلِيْمِيَّة يجب أن يتضمن على عنوان العمل والاسم الكامل لُمقدِّم أو مقدِّمة التَّعْلِيْقَة ثم اسم المقرَّر ورقم المجموعة ثم اسم أستاذ المقرر والتَّارِيخ الهجري والميلادي.

ب‌ - التَّعْلِيْقَة التَّعْلِيْمِيَّة - غالباً - تحتوي على مقدِّمة ثم تتوالى الموضوعات التي هي مادَّة التَّعْلِيْقَة وأخيراً الخاتمة وقائمة المراجع.

ت‌ - مقدِّمة التَّعْلِيْقَة (ربما تُسمى التَّمهيد أو التَّوطئة) فيها سبب اختيار موضوعات التَّعْلِيْقَة وأهميتها ومكوناتها ومنهجها.

ث‌ - مراجعة الأدبيات تُعطي الكاتب قوة وسيولة في طرح الأفكار، والتَّعرف على مصطلحات الفن، والتَّوقف على نتاج الآخرين. تعريف المصطلحات بِدقَّة وتحرير المراد والمقصود بالمصطلحات يقي المقال أو البحث أو التَّعْلِيْقَة التَّعْلِيْمِيَّة من سوء الفهم فإذا أراد الكاتب أن يتحدَّث عن الأميَّة أو الديمقراطية..فإنَّه يحتاج إلى أن يُقدَّم التَّعريف المُعتمَد الذي يتبناه. من يقرأ صفحات من كتاب الأم للشَّافعي يعرف عناية السَّلف بتعريف الكلمات الرَّئيسة في البحث وهو أساس كتابة أي بحث علمي رصين وهو أمر لا بدَّ منه.

ج‌ - الُمفترض أنَّ الفهرس أو صفحة محتويات التَّعْلِيْقَة تُوضِّح بشكل مُتسلسل ودقيق أهم موضوعات التَّعْلِيْقَة.

ح‌ - الخاتمة عادة هي خلاصة التَّعْلِيْقَة وفيها يوجز الطَّالب أهم الفوائد التي ظفر بها في تعليقته.

خ‌ - أي كلام يتم اقتباسه مُباشرة (حرفياً) من كلام الآخرين يجب وضعه بين قوسين "…" مع تحديد اسم المؤلف والصَّفحة ثم في النِّهاية يقوم الباحث (الطَّالب أو الطَّالبة ) بتوثيق المصدر كاملاً. مثال للتَّوثيق في قائمة المراجع:

  · ملك، بدر محمد (1412هـ = 1991م ). حكايات الهدهد. الطَّبعة الأولى، الكويت: مكتبة الصَّحوة.

  · الثَّاقب، فهد (1996م). أسباب الطَّلاق في المجتمع الكويتي: دراسة ميدانية. في مجلة العلوم الاجْتِمَاعِيَّة. المجلد الرَّابع، العدد الثَّالث، خريف 1996م، الكويت: مجلس النَّشر العلمي، جامعة الكويت.

وإذا كان الكتاب يحتوي على عدة أجزاء ففي داخل البحث يتم تحديد رقم الجزء الذي تمَّ الرُّجوع إليه مع رقم الصَّفحة. المهم أن يُنسب الكلام إلى صاحبه بأمانة ودقَّة قدر الإمكان فلا يُعقل أن يُبنى بيت من غير عمد فكذلك لكل متن سند.

 د‌ - من الأهمية بمكان ذكر الآية القرآنية مع الإشارة إلى موقعها (اسم السُّورة ورقم الآية) وكذلك توثيق الأحاديث الشَّريفة من خلال ذكر مصادرها قدر الإمكان. الاستشهاد الصَّحيح بالقرآن الكريم والسُّنَّة النَّبوية الصَّحيحة وينابيع الحكمة من شِعر ونثر يجعل المقال أو البحث جميلاً وسلساً.

 ذ‌ - يجب أن يوضِّح الباحث ( الطَّالب أو الطَّالبة) رأيه في بعض موضوعات البحث ولا يكتفي بالنَّسخ والتَّلخيص من المصادر. عادة في خاتمة البحث والتَّعليقة يذكر الكاتب مناقشاته وأفكاره ومقترحاته.

ر‌- هناك مصادر أصلية ومراجع ثانوية والجرائد والمجلات عادة تُعتبر مصادر ثانوية فيجب أن لا ننسب الأقوال التَّربوية والحقائق العِلْمِية إلى مجلة غير تَخَصُّصِية مثل الجريدة اليومية لأنَّ الأصل أن نَرجع إلى كلام الباحث من مصدره كلَّما أمكن ذلك فالرُّجوع إلى المصادر الأصيلة يجعل البحث أصيلاً وموثقاً.

 ز‌- لا بأس بذكر الشَّواهد الشِّعرية والأمثال والحِكم من غير توثيق المصدر إذا تعذَّر ذلك.

س‌ - التَّعْلِيْقَة مثل البحث من حيث أنَّه يعتمد على توثيق المراجع وتنظيم الموضوعات ويتطلب عمق في الطَّرح مع تنويع في الأفكار ومناقشة تدل على مهارة الكاتب في فهم الآراء المتنوعة وعرضها بأمانة مع التَّعليق عليها قدر الإمكان ومن دون تكلف.

ش‌ - الباحث عليه أن يحترم خصوصيات من يقوم بمقابلتهم فلا ينشر شيئاً عن أفراد العيِّنة بأسمائهم إلا بعد موافقتهم وكذلك في الأبحاث الميدانية يجب أخذ موافقة الجهات المعنية.

ص‌ - يُفضَّل أن يتَّفق كل من المعلم والطَّالب على تقدير الصَّفحات المطلوبة لإنجاز التَّعليقة كأن يقترح المعلم أو الطَّالب أن لا تتجاوز التَّعليقة عن 13 صفحة مثلاً وكذلك ينبغي تحديد الفترة الزَّمنية الكافية لتحقيق الهدف المطلوب.

الفرق الأساسي بين طريقتي البحث والتَّعليقة - كما قلنا - أنَّ الأولى تدور حول موضوع واحد كأن يكتب الباحث عن الآراء التَّربوية عند ابن سينا أما في التَّعليقة فإنَّها ينبغي أن تلمس الكثير من موضوعات المُقرر الدراسي مع تدوين بعض ما يدور في قاعة الفصل من أفكار رئسية.

 هذا ويجب أن لا يغيب عن الأذهان أنَّه مهما كَتب الإنسان فإنَّ النَّقص صفة أساسية فيه والإضافة والحذف في الكتاب دليل صحته كما قال علماؤُنا من السَّلفِ الصَّالح وصدق عماد الدَّين الأصفهاني (ت 597 هـ = 1200م) إذ يقول: "إنِّي رأيت ألا يكتب إنسان كتاباً في يومه، إلا قال فيه غده: لو غير هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن. ولو قدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العِبر. وهو دليل على استيلاء النَّقص في جملة البشر". وقال الخطيب البغدادي (ت 463 هـ = 1073م) "من صنَّف، فقد جعل عقله على طبق يعرضه على النَّاس" (الذَّهبي، ج19، ص 308، ج20، ص 281). ولهذا نعلم أنَّ القرآن الكريم وحده هو الكتاب الذي لا ريب ولا نقص ولا تناقض فيه وكل عمل بشري يعتريه القصور لا محالة "وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً" {82} (سُورةُ النِّساء).

مُخرجات التَّعْلِيْــقَة:

1 -  تدريب العقل على التَّفكير العلمي المنظم واقتناص مذهب العلماء الأوائل وتقييد بعض مسائلهم التَّربوية في حيز معين.

2 - فتح آفاق جديدة في استثمار دراسة الفكر التَّربوي عملياً مما له نفع للفرد والمجتمع. يمكن استخدام التَّعليقة في متابعة جهود الأطفال داخل وخارج الفصل فتكون التَّعليقة حافظة لنماذج من عمل الطَّالب أو الطَّالبة مع كتابة تاريخ عمل النَّشاط.

3 - يتعلم الطَّالب أن يُقيِّم نفسه وفق مادة مُتنوعة ويمكن أن يتتبع من خلالها نموه في التَّحصيل الأكاديمي.هذا التّقييم يختلف عن الاختبارات التَّقليدية لأنَّ الامتحانات في الغالب تقيس مستوى واحد وهو المستوى العقلي وبالأخص مهارة الحفظ.

4 - المحصِّلة النَّهائية تكون مع نهاية المقرر حيث يبدأ الطَّالب بتنمية تَعليقته كي ينتفع هو بفائدتها في عمله كمعلم داخل المدرسة أو في ميادين أخرى. التَّأليف والتَّصنيف "يثبت الحِفظ، ويذكي القلب، ويشحذ الطَّبع، ويجيد البيان، ويكشف الملتبس، ويُكسب جميل الذِّكر، ويخلده إلى آخر الدَّهر" (انظر ابن الصَّلاح، والكتاني).

5 - يتمرن الطالب عملياً على استخدام مقاصد التَّأليف أو بعضها في أبحاثه وكِتاباته ولقد تحدثنا في الفصل السابق عن مقاصد التأليف عند ابن خلدون مثل فن التَّلخيص، والشرح، والاستنباط، والنقد.

6 - المساهمة في تنمية شخصية وذكاء المتعلم بشكل شامل كي يصبح راصداً يقظاً يحرص على تتبع كل ما يفيده بشكل منظم، ويدونه ويوثقه بدقَّه، مع مراعاة الضَّوابط الأخلاقية. الفكرة التي نطرحها في التَّعْلِيْقَة التَّعْلِيْمِيَّة تشجِّع المتعلم على تنويع مصادره في التَّحصيل الدِّراسي فيمكن للمتعلِّم أن يجري مقابلات شخصية، وأن يتجول في الإنترنت بحثاً عن مادَّة علمية تدعم تعليقته، وعليه أن يعتني بالدِّراسات الأكاديمية تحليلاً وتلخيصاً ونقداً وهكذا تنمو مهارات المتعلم من عدَّة جوانب. كل تعليقة مُتميِّزة عن الأخرى في مضمونها وشكلها لأنَّ الفكرة التي نطرحها فكرة قائمة على أنَّ كل متعلم له إبداعاته المتميزة وإمكاناته الخاصة ويجب أن ينطلق من منطلق النُّمو الفردي دون الإخلال بالمتطلبات العامَّة المطلوبة للمجموعة ككل. وصحَّ عن النَّبِي e أنَّه قال "كلُّ امرىءٍ مُهيأ لمِا خُلِقَ لهُ" وفي رِواية "كلٌ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ" (انظر الألباني، صحيح الجامع الصَّغير، ج1، رقم الحديث: 4511، ص 830، والحديث رقم: 4561، ص 837).

هورد غاردنر (Howard Gardner)، عالِم النَّفس الأمريكي اليهودي في جامعة هارفرد، يخالف النَّظرية التَّقليدية التي تؤمن بأنَّ الذَّكاء العقلي كما هو سائد عند المربين سابقا ًهو الأساس الوحيد للنَّجاح ويعتقد أنَّ هناك بضعة جوانب هامة تُساعد الإنسان على حل المشاكل والتَّكيف مع البيئة وعلى المربين الاهتمام بها (Parkay & Stanford, 2001, P. 302, Gardner, 2000, Cribb, 1999, P. 597 & Bennett). على ضوء دراساته المكثفة للعقل البشرى يقترح هورد في نظريته أنَّ هناك مجالات عديدة للذَّكاء منها الذكاء اللّغوي، والمنطقي والحسابي، والموسيقي، والفطري، والاجتماعي، والنَّفسي، والحركي..والذَّكاء الخاص بالبحث عن سبب هذه الحياة والخالق..وعلى ضوء ذلك يجب على مناهج التَّعْلِيْم أن تنمي الجوانب الأخرى.

يقول بل غيتس إنَّ تنويع الوسائل في عملية التَّعْلِيْم من سمعية وبصرية وفتح مجال التَّعلم حسب الفروق الفردية هي أساس نظرية هورد غاردنر وهي أحدث وأهم نظرية تربوية معاصرة ستفتح المزيد من الآفاق لانطلاقة الحاسب الآلي في تشكيل أنماط التَّعْلِيْم في العالم الحديث. بالفعل أخذت هذه النَّظرية طريقها في التَّأثير على عدد كبير من مؤسسات التَّعْلِيْم (Gates, 1996, P. 217). في ميدان تربية الطِّفل فإنَّ نظرية غاردنر بدأت تكتسح الميدان وبدأ المربون يؤكِّدون على أهمية العناية بالذَّكاء النَّفسي والاجتماعي في مرحلة ما قبل المرحلة الإبتدائية على وجه الخصوص (Dodge & Bickart, 1998,P. 28). التَّوجه التَّربوي الحديث يميل إلى ربط أنشطة التَّعليم مثل البحوث التَّربوية والملف التَّعليمي بتنمية جوانب الذَّكاء. مجموعة من علماء التَّربية من المتخصِّصين في برامج إعداد المعلمين في الكُلِّيات والجامعات يرون أنَّ الملف التَّربوي من الطُّرق التَّعليمية الهامَّة لأنَّه يحتوي على سِجل يكشف عن مدى إنجازات الطَّالب ويرصد نموه ومثل هذا السِّجل يُعطي المعلِّم والمتعلِّم والإدارة المدرسيَّة وأولياء الأمور مؤشِّرات مُفيدة.

آدابنا والتَّعْلِيْـقَة:

 إنَّ إحياء فكرةٍ تُراثية كمشروع تعليمي لا يمكن فصله عن مفهوم إحياء الآداب الأخلاقية والعلمية التي كانت معها كي يتحقق المقصود. الآداب العامة لطالب العلم المبثوثة في كتب التُّرَاث يمكن أن يلتزم بها الباحث المسلم أو ببعضها قدر الإمكان ويمكن أن تُضاف إلى فلسفة ومنهج إعداد التَّعْلِيْقَة. إنَّ العلماء في حضارتنا وضعوا لصنعة الكتابة والبحث العلمي ضوابط وقواعد وآداب منها:

 - التَّسمية في بداية العمل فلا يليق بالباحث المسلم أن يغفل عن التَّسمية فكل عمل لا يبدأ بذكر الله فهو ناقص كما ينبغي التَّأدب مع ذكر المصطفى e والصَّلاة والتَّسليم عليه باللِّسان ويُفضَّل كتابة ذلك أيضاً. بعض العلماء مثل النَّووي يكره إغفال هذا الأدب ولا يُحبِّذ كتابة حرف (ص) لتحقيق الغرض. وفي الحديث "الْبَخِيلُ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ، فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ" (رواه التِّرمذي، انظر الألباني في صحيح الجامع الصَّغير وزيادته، ج1، رقم الحديث: 2878، ص 557). والتَّسمية تعني إخلاص النِّية لله عزَّ وجل. قال العلماء ويُستحبّ حَمْد اللَّهِ تعالى في ابتداء الكتب المصنَّفة والرَّسائل، وكذا في ابتداء دروس المدرِّسين، وقراءة الطُّلاب، سواء قرأ حديثاً أو فقهاً أو غيرهما، وأحسنُ العبارات في ذلك: الحمد للّه رب العالمين (‏الأذْكَارُ النَّوَويَّة، للإِمام النَّوَوي في: كتاب حمد الله تعالى، 71ـ بابُ حَمْدِ اللَّهِ تعالى).

 - "يتجنَّب التَّعليق وهو خلط الحروف التي ينبغي تفرقها والمشق وهو سرعة الكتابة مع بعثرة الحروف. قال عمر بن الخطاب رضى الله عنه: شر الكتابة المشق وشر القراءة الهدرمة (التَّصفح السَّريع دون تدبر المعنى) وأجود الخط أبينه.

يُكره في الكتابة فصل مضاف اسم الله تعالى منه: عبد الله، عبد الرحمن، رسول الله، فلا يكتب عبد أو رسول في نهاية السَّطر والله أو الرَّحمن في بداية السَّطر التَّالي لقبح صورة الكتابة.

 وإذا كان الكاتب ينسخ كتاباً فعليه مقابلة النُّسخة على أصل موثوق صحيح فالمقابلة مُتعينة للكتاب الذي يرام به النَّفع. قال عروة بن الزُّبير لابنه هشام رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما: كتبت؟ قال: نعم، قال: عرضت كتابك؟ (أى على أصل صحيح) قال: لا، قال: لم تكتب. وإذا صحح الكتاب بالمقابلة على أصل صحيح أو على شيخ فينبغي أن يُعجِم المعجم،ويشكل المشكل، ويضبط الملتبس، ويتفقد مواضع التَّصحيف" (خليفة، 2001م، بتصرف).

 أن لا يمل من العمل فالطَّالب المسلم صاحب عزيمة عالية ورسالة خالدة والمُختارات التي ينتقيها هي أنفس الأشياء التي ظفر بها ووجد أنَّها مناسبة لتعليقته. ولقد عُرف السَّلف الصَّالح بأنَّ الواحد منهم "لا يمل من الاشتغال بالعلم وتعليق الفوائد" وعندما أراد محمد الشَّامي (ت 942 هـ = 1535 م) أن يؤلِّف كتاباً في السِّيرة النَّبويَّة رجع إلى ألف كتابٍ فاطَّلع على كل ذلك ثمَّ بعد أن انتهى من تأليف كتابه أقبل النَّاس على نسخ كتابه "ومشى فيها على أنموذج لم يسبق إليه أحد" (ابن العماد، ج 8، ص 503، ج 10، ص 353).

 قال أبو داود كتبتُ عن رَسُولِ الله خَمس مئة ألفِ حديثٍ، انتخبتُ منها ما ضَمنتهُ هذا الكِتَاب - يعني كتاب "السُّنَنْ" -، جمعتُ فيه أربعةَ آلافِ حَديثٍ وثماني مئةِ حَديثٍ، ذكرتُ الصَّحيح، وما يُشْبِهُهُ ويقاربُه، ويكفي الإِنسانَ لدينه من ذلك أربعةُ أحاديث، أحدُها: قوله : "الأَعْمَال بالنِّيّات". والثَّاني: "مِنْ حُسْنِ إسْلاَمِ المَرءِ تَرْكُهُ مَا لاَ يَعْنِيهِ". والثَّالث: قوله: "لاَ يَكُونُ المؤْمِنُ مؤمناً حَتَّى يَرْضَى لأَخِيهِ مَا يَرْضَى لِنَفْسِهِ". والرَّابع: "الحَلاَلُ بَيِّنٌ".

التَّعليقة شأنها شأن سائر أعمالنا يجب أن لا تشمل على تجريح للنَّاس في أشخاصهم بل تناقش الأفكار وتتناولها بالتَّوضيح لا التَّجريح. يجب مراعاة هذا الأدب خاصة مع المعلمين الذين لهم فضل في تعليمنا. العسقلاني بدأ بكتابة كتابٍ يُصوِّب فيه أوهام الهَيثميّ (ت 807 هـ = 1403 م) فلمَّا عَلِمَ أنَّ أستاذه لا يُحبِّذ هذه الطَّريقة في المناقشة ترك العسقلاني فكرة تأليف الكتاب رعاية لمشاعر أستاذه (ابن العماد، ج 9، ص: 106). وكان هذا الأستاذ يشهد بقوة علم تلميذه.

                                               إعداد: د. لطيفة الكندري/ د. بدر ملك

أضف تعليق


كود امني
تحديث