يقترح كتاب (بداية ذكية. بناء قوة العقل في السنوات المبكرة) طرقًا بسيطة ومباشرة لتقوية قدرات المخ عن طريق الاستكشاف النشيط والتكرار والاستكشاف الحسي والضحك وطرق أخرى كثيرة، فكل فصول الكتاب تصف كيفية وسبب نمو العقل، وتشرح كيفية استخدام أنشطة معينة لتمنح أطفالنا أفضل أساس للتعليم المستقبلي.

ويمتلئ الكتاب بالأفكار العلمية التي يسهل تنفيذها من أجل تطبيق هذا البحث الخاص بالعقل يوميا، كما يركز على أهم الاكتشافات التي يتم التوصل إليها في مجال أبحاث العقل، وعلى اكتشاف كيف ومتى يمكننا تقوية روابط العقل.

  • زيادة القدرة التعليمية عند الأطفال:

يقول المؤلف إنه سوف تكون هناك تفسيرات خاطئة للمعلومات المتعلقة بالعلوم العصبية، ولقد بدأت هذه التفسيرات في الظهور بالفعل في الإعلانات التليفزيونية وإعلانات المجلات، «فأنت ترى وتسمع شعارات عن منتجات يزعم منتجوها أنها تقوي القدرة العقلية للأطفال، فنجد أن العائلات يسرعون لشراء بطاقات تعليم القراءة أو يلحقون الصغار بدروس تعلم الموسيقى، أو يتساءلون ما إذا كان ينبغي عليهم إعادة تنظيم مواردهم المالية من أجل إتاحة الفرصة لأحد الأبوين للبقاء في المنزل». وهنا ينبه المؤلف على أن هذا الكتاب قد صمم من أجل استخدام البحث المتعلق بالعقل لبناء أساس للتعليم المستقبلي وليس للتشجيع على التعليم المبكر.

الأطفال لا يزالون في حاجة إلى الأشياء التي يرغبون فيها عادة، على حد قول المؤلف، أي أن يتصف الآباء ومن يرعونهم بالعطف والحنان والرقة. ويحتاجون كذلك إلى بيئة ممتعة وآمنة ليستكشفوها، وإلى أطفال يلعبون معهم وإلى طعام صحي ورعاية طبية جيدة، وسوف يساعدهم هذا الكتاب على منحهم ما يحتاجون إليه في الصغر لكي تنمو لديهم أعظم قدرة على التعلم.

وأورد الكتاب بعض الطرق العملية المجربة لزيادة القدرة التعليمية عند الأطفال، فمثلاً: هل كنت تعرف أن المشاعر تقوي ذاكرتنا؟ أو أن تدريبات بسيطة للعضلات تساعد في نمو العقل؟ حيث تساهم الخبرات الأولى في بناء المخ وقدراته، كما أن نوع المثير ومقداره وقوته سوف يحدد بدرجة كبيرة عدد التشابكات العصبية التي يتم تكوينها في المخ وكيفية عمل هذه الروابط. وهذا التوصيف ينطبق على كل من النمو الإدراكي والحسي، كما أن تأثيره يمتد مدى الحياة.

عندما تلتقي الأفكار والافتراضات والنظريات القديمة بالأفكار والاحتياجات والرؤى والتكنولوجيا الحديثة، تكون هناك نتيجة يحددها الكاتب في أننا نتطور ونجد أن تفكيرنا يخطو خطوة للأمام، ومع ظهور البحث الخاص بنمو المخ يصبح لدينا الآن طريقة للحصول على المعلومات الحديثة التي تمكننا من منح الأطفال البنية الأساسية الأفضل للتعليم.

  • العقل البشري والكمبيوتر:

يعتبر العقل البشري أروع شيء موجود على هذا الكوكب، وربما يكون أروع شيء موجود في الكون بأكمله، هذه وجهة نظر الكاتب الذي يضيف أنه على الرغم من أنه يتم دائما مقارنة العقل بجهاز الكمبيوتر، إلا أن العقل البشري يعتبر أكثر تعقيدا وأكثر كفاءة في الحقيقة، فمقدار المعلومات التي يستطيع العقل أن يستقبلها وينظمها في اليوم الواحد يزيد عن كم المعلومات التي ينظمها جهاز الكمبيوتر في سنوات، إذ من المفترض أن العقل البشري يستقبل من 35000 إلى 40000 معلومة في الثانية، وبالتأكيد يتم تصنيف أغلب هذه المعلومات فيما بعد وإلا سيلحق بالعقل ضرر شديد.

ومستدلاً على قدرة العقل البشري يقول إن العقل البشري هو الذي تخيل وصنع سفينة الفضاء التي أخذتنا إلى القمر وخط أنابيب الغاز الموجود بولاية ألاسكا والعمليات الجراحية التي تجرى بالليزر ولعبة البيسبول والسيارة والكمبيوتر ومقطوعات «موتسارت» الموسيقية ولوحة الموناليزا التي قام «ليونارد دافنشي» برسمها والكهرباء والمكرونة الإسباجتي والصلصال. كل هذه الأشياء قام بها عضو له تقريبًا نفس حجم البرتقالة.

وقبل أن نولد بفترة طويلة يقوم العقل ببناء روابط لكل شيء بداية من قدرتنا على التنفس والرؤية وحتى قدرتنا على التحدث والتفكير والإدراك. على الرغم من أنه من ناحية التكوين يعتبر العقل مؤهلاً للقيام بوظائفه على أكمل وجه، إلا أن البيئة لها دور في تقويته وتطويره.

  • اكتشافات مهمة متعلقة بنمو العقل:

عندما يتم تلخيص أي بحث جديد يتعلق بالمخ تظهر اكتشافات بسيطة وسهلة الفهم، وغالبا تعمل هذه الاكتشافات على تأكيد المعلومات التي نعرفها بشكل بديهي، وذكر المؤلف أن من أهم الاكتشافات التي تتعلق بالعقل أن عملية نمو العقل تتوقف على حدوث تفاعل مركب بين الجينات والبيئة.

مضيفًا أنه لم يعد هناك خلاف حول ما إذا كانت قدرتنا على التعلم تعتمد بشكل أكبر على الطبيعة أو التنشئة، فمن الواضح من البحث أن الطبيعة التي أوجدها الله فيها نظام معقد لمجموعة الدوائر الكهربائية الموجودة بالعقل، لكن عمل هذه الدوائر يعتمد على العوامل الخارجية المتمثلة في التغذية والبيئة والحافز.

ومن الاكتشافات المهمة المتعلقة بنمو العقل وأوردها الكتاب، تأثير الخبرات الأولى بشكل كبير على تكوين العقل وعلى قدراته، فنوع ومقدار وقوة المثيرات الحسية تحدد بدرجة كبيرة عدد المواصلات الحسية التي يتم تكوينها في المخ، كما أنه يحدد كيفية عمل هذه الموصلات الحسية التي يتم تكوينها في المخ، وهذا الأمر ينطبق على كل من النمو الإدراكي والحسي، كما أن النتيجة تكون مستمرة مدى الحياة.

وأضاف في هذا الصدد أيضا تأثير التفاعلات المبكرة المتمثلة في كيفية تعاملنا مع الأمور واستجابتنا لها بشكل مباشر على طريقة عمل العقل، فالأطفال يتعلمون الكثير أثناء اختلاطهم بمن حولهم من أقاربهم، حيث يتم تكوين روابط خلية المخ أثناء اختلاطهم بمن حولهم من أقاربهم وأثناء اكتشاف الطفل للعالم المحيط به وأثناء تقربه من والديه وأفراد أسرته ومن يقدمون الرعاية له، وعندما يحظى الطفل برعاية جيدة فهذا يحمي الوظائف البيولوجية ويساعده على تحمل أي توتر طبيعي، ويجعله مستعدًا لمواجهة النتائج السلبية لأي ضغط أو مشكلة يمكن أن يواجهها فيما بعد، كما أن عدم الحصول على رعاية جيدة وعدم وجود اهتمام والتوتر، كل هذه الأشياء يمكن أن يكون لها تأثير سلبي على الصحة العاطفية للطفل.

إن عملية نمو العقل لا تتم بطريقة مباشرة على شكل خط مستقيم- طبقا للمؤلف- وعلى الرغم من أن الإنسان يظل يتعلم طوال حياته، إلا أن هناك فترات معينة يكون فيها العقل أكثر كفاءة في تعلم أشياء معينة، فهناك أوقات معينة يكون ممن السهل فيها تنمية نوع محدد من المهارات، فعلى سبيل المثال يعتبر الأطفال أكثر قدرة على تعلم لغة ثانية في الفترة التي تبدأ من ولادتهم وحتى بلوغ العاشرة من العمر، كما أنهم ينجذبون للموسيقى في الفترة من سن الثالثة حتى العاشرة، ونمو العقل لا يعتبر عملية تدريجية وإنما هي عملية تتخذ شكلاً لولبيًا تتخللها فرص معينة يكون من السهل فيها تعلم أشياء محددة.

من الناحية البيولوجية يعتبر الأطفال على استعداد للتعلم، فعقل الطفل الذي يبلغ من العمر 3 سنوات يعتبر أكثر نشاطًا من عقل الشخص البالغ، وذلك بمقدار مرتين ونصف، ويحتوي مخ الطفل على الكثير من الموصلات الحسية، وتزيد كثافة هذه الموصلات أثناء السنوات العشر الأولى من العمر.

  • ما المقصود بالعلوم العصبية؟

أشار المؤلف إلى اهتمام البحوث في مجال العلوم العصبية بدراسة كيفية عمل العقل، مبينًا أن الطريقة الوحيدة للحصول على معلومات متعلقة بالعقل كانت ولفترة قريبة هي الدراسات التي تجرى على الحيوانات وتشريح الجثث البشرية، وفي السنوات العشر الأخيرة أتاح التقدم التكنولوجي فرصة للعلماء لدراسة عقل الأشخاص الذين هم على قيد الحياة، وذلك بدون تدخل جراحي.

لقد تغير المفهوم البسيط الذي ينص على أن العقل هو المسؤول عن كيفية تفكيرنا، وأن الجسد هو المسؤول عن كل شيء آخر، فأصبح هناك مفهوم جديد، هو أن عقلنا يعتبر مسؤولاً عن أفعالنا وعواطفنا وكذلك عن أفكارنا.

هناك أجهزة حديثة يمكن أن يستخدمها العلماء لدراسة وظائف المخ وتركيبه وقوته، يذكر المؤلف أهمها مثل جهاز الأشعة فوق الصوتية والأشعة المقطعية ومخطط كهربائية المخ، وذلك باستمرار تغيير المعلومات التي نحصل عليها عن طريق هذه الأجهزة، وذلك أثناء دراستنا للقدرة البشرية على التعلم.

لقد اتسع منظورنا حيث انتقلنا من المفهوم القائم على أساس دراسة الناحية النفسية (بالاعتماد على باحثين مثل «بياجيت» و«سكينير» و«ماسلو») إلى مفهوم الاندماج الذي حدث بين علم النفس وعلم الأحياء، وقد أمدنا بمعلومات مهمة تتعلق بكيفية اكتساب الأطفال والبالغين للمعلومات وكيفية تذكرهم لها، كما أنه قد منحنا أيضا طريقة جديدة لدراسة العقل.

  • الشبكات العصبيــة:

يتكون عقلنا من عشرة ملايين شبكة عصبية أساسية تعمل في وقت واحد على شكل مجموعات متصل بعضها ببعض وفقا لرأي «روبرت سيلفستر» - الذي يستشهد به المؤلف، وإذا قمت بملاحظة كرة حمراء تدور أمام مائدة ما فإن عقلك ينقل لون الكرة وشكلها وحركتها وموقعها إلى أربع مناطق منفصلة موجودة بالمخ، على الرغم من وجود خلاف حول الفصين الأيمن والأيسر ومناطق أخرى معينة في المخ لها علاقة بشدة الذكاء، إلا أن المخ يعمل كوحدة متكاملة وهو مسؤول عن كل أفعالنا وعواطفنا وأفكارنا.

هناك اقتراحات تشير إلى ضرورة قيامنا بمساعدة الأطفال على تنمية شبكات المخ، وذلك منذ ولادتهم وحتى بلوغ العاشرة من العمر. ويضيف المؤلف أنه تقريبا كلما قرأ المرء في مجال البحث الخاص بالعقل يتضح بشكل أكبر أن تقوية الشبكات العصبية للطفل تتم عن طريق المساعدة على تنمية فهم الأنماط والعلاقات والمساعدة على الربط بين هذه الأنماط والعلاقات من أجل تكوين معلومات جديدة.

  • وظائف المخ:

يقوم المخ باستمرار بجمع معلومات من البيئة المحيطة بنا بمعدل 40000 مثير حسي في الثانية الواحدة، ووفقًا للمؤلف، فنحن نكتسب حوالي 95% من هذه المعلومات عن طريق حواس البصر واللمس والسمع، وتدخل كل هذه المعلومات ذاكرة المدى القصير بدون وعي منا، وبما أنه من الصعب على العقل أن يحتفظ بكل هذه المعلومات للبحث عن المعلومات المناسبة، فالعقل لا يخزن سوى المعلومات التي تناسب خبرات الفرد.

بعد ذلك يتم نقل المعلومات التي تم تنقيتها إلى ذاكرة التشغيل، (وهنا يتحدث الكاتب عن ذاكرة المدى القصير) في هذه اللحظة نبدأ في التركيز وفي الانتباه للمعلومات للمرة الأولى، حيث نحاول أن نفهمها ونعرف المقصود بها، وإذا استطعنا الربط بين المعلومات الجديدة والمعلومات الموجودة من قبل (إذا وجدنا أن هذه المعلومات تعتبر مفهومة)، فهذا يعني أن المعلومات الجديدة قد تم تخزينها في ذاكرة المدى الطويل.

ويوضح الكاتب أن كلمة ذاكرة تشير إلى العملية التي يتم من خلالها تخزين الانطباعات الذهنية أو المعلومات والمهارات التي قد اكتسبناها، فالمخ لديه بالفعل قدرة فائقة على تخزين المعلومات، وعندما يبدأ المخ في تعلم شيء جديد، فإنه يخضع لتغييرات فيزيائية وكيميائية ويتم تكوين الشبكات العصبية وتقويتها أثناء عملية التغيير هذه.

كما يبين أنه يقصد بتخزين المعلومات عملية قيام ذاكرة المدى الطويل بالاحتفاظ بما نتعلمه من أشياء بطريقة تجعلها قادرة على تحديد مكان هذه المعلومات وتمييزها واسترجاعها في المستقبل.

المؤلف: بام شيلر / عرض: يوسف غريب 

أضف تعليق


كود امني
تحديث