نقصد بالنمو اللغوي نمو مهارات الاستماع ومهارات التعبير وما يجري بين المهارتين من ترابط وتسلسل على درجات المعنى المختلفة. ففي مرحلة الطفولة يصدر الطفل أصواتا مختلفة تصنف إلى ستة أنواع:
- 1) الأصوات الوجدانية: أو "أصوات التعبير الطبيعي" وهي الأصوات الفطرية التي تصدر من الطفل إثر حالات الانفعالات التي تصاحبه مثل الخوف والفرح والغضب والسرور والدهشة والبكاء والضحك وغيرها. وهي أصوات فطرية تصدر بشكل لا إرادي وبدون سابق تجربة أو تعليم أو تقليد.
- 2) الأصوات الوجدانية الإرادية: وهي أصوات النوع السابق حينما يستعملها الطفل استعمالا إراديا للتعبير عن الجوع أو الألم أو الرغبة في النوم أو غير ذلك.
- 3) أصوات الإثارة السمعية: وهي أصوات فطرية غير تقليدية تصدر من الطفل في شهوره الأولى، وهي بمثابة جواب على الأصوات التي يسمعها فتثيره. وهي أصوات مختلفة تماما عما يسمعه.
- 4) أصوات التمرينات النطقية: أو "اللعب اللفظي": عندما يصل عمر الطفل إلى خمسة أشهر يميل إلى اللعب بالأصوات وتمارين النطق، فيقضي معظم أوقاته في إخراج أصوات متنوعة غير دالة.
- 5) الأصوات التي يحاكي بها الطفل: أي أصوات الأشياء والحيوانات مثل الهزيز والحفيف والخرير والصرير وغيرها، وتعتمد هذه الأصوات على غريزة المحاكاة.
- 6) الأصوات المركبة ذات المقاطع التي تتركب منها الكلمات: وهذه الأصوات يأخذها الطفل من محيطه عن طريق التقليد والتكرار. وغالبا ما يعتريه بعض التشويه.[1]
يبدأ الطفل في اكتساب اللغة من اليوم الأول الذي يولد فيه وتبدأ قدراته اللغوية بالتطور. ويجتاز الطفل أربع مراحل مختلفة تتميز كل منها بأصوات وتعبيرات محددة، ويتطور فيه اكتسابه للغة وقد يختلف طول هذه المراحل من طفل لآخر نتيجة تغير مجموعة من العوامل المؤثرة كما سيأتي:
- المرحلة الأولى: تمتد هذه المرحلة من الولادة إلى الشهر الخامس. وفي هذه الفترة تظهر أنواع الأصوات الثلاثة الأولى (الأصوات الوجدانية - الأصوات الوجدانية الإرادية-أصوات الإثارة السمعية). ويعبر عن الانفعالات تعبيرا إراديا أو طبيعيا عن طريق الأصوات أو الحركات الجسمية. فتراه يعبر بالبكاء عن الجوع أو الخوف أو الألم، وعن الفرح بحركات متناسقة بين اليدين والرجلين أو بابتسامة عريضة. وعن الرضا بانبساط الأسارير. وتظهر في أواخر هذه المرحلة بعض مظاهر التعبير عن المعاني بواسطة الإشارة، فهو مثلا يمد يده ويضم أصابع كفه للإشارة إلى شخص بالدنو منه، أو يدفع شخصا بيده للتعبير عن رغبته في أن يبتعد عنه.
- المرحلة الثانية: تمتد من الشهر الخامس إلى أواخر السنة الأولى. وتمتاز عن سابقتها بظهور النوع الرابع من الأصوات، حيث يميل الطفل إلى تكرار أصوات لينة (حروف المد)، ثم تكثر فيها بعد ذلك الأصوات ذات المقاطع (الحروف الساكنة). وقد يلجأ إلى تقليد بعض الأصوات مما يسمع. ولا تختلف تعابيره في هذه المرحلة عن المرحلة السابقة. ويخزن في ذاكرته مجموعة من الكلمات التي يسمعها دون القدرة على محاكاتها.
- المرحلة الثالثة: مرحلة التقليد اللغوي: تمتد من أواخر السنة الأولى إلى السنة السادسة، وقد تزيد أو تنقص باختلاف الأطفال. وفي بداية هذه المرحلة يبدأ بمحاكاة الأصوات التي يسمعها من الحيوانات والإنسان قصد التعبير عن أمور ذات مدلول تتصل بها. فهو يحاكي الكلمات التي يسمعها محاكاة خاطئة في معظمها. فيصلح الخطأ شيئا فشيئا عن طريق تكرار السمع وتكرار النطق. ومعظم الأطفال في هذه المرحلة لا يخرج جهازهم الصوتي الحروف على حقيقتها، وإنما يخرجها بشكل مشوه. فينطق مثلا الكاف تاء (تتاب عوض كتاب، وترسي عوض كرسي)، والشين سينا (ستلاط عوض شكلاط...)، وقد ينطق الراء لاما (تلة عوض كرة...)، وقد ينطق اللام نونا (نمنة عوض نملة...) وهلم جرا. وقد تشوه الكلمة بأكملها (ساساتة ويعني بها شكلاتة...). كما أن معظم الأطفال في بداية هذه المرحلة لا ينطقون حروف الكلمة كلها بل يكتفون يبعضها فينطقون مثلا تت عوض تحت وشب عوض أشرب... ويرجع سبب ذلك إلى ضعف جهازه السمعي وكذا جهازه الصوتي. لكنه في نهاية هذه المرحلة يتمكن من إصلاح هذا الخلل نتيجة قوة جهازيه السمعي والصوت اللذين يصلان إلى نضجهما.
كما أن الطفل في بداية هذه المرحلة يكتسب عددا قليلا من الكلمات نتيجة عدم دقة فهمها له، فيستعملها في مواطن كثيرة متشابهة: فيستعمل كلمة "ماما" وينادي بها على جميع السيدات لأن مدلولها يرتبط بكل امرأة تشبه في هيئتها أمه، أو يستعمل كلمة "باع" للدلالة على الخروف، فيستعملها كذلك للدلالة على الماعز والبقرة والحمار وغيره. ويطلق "ميمي" على الأكل بكل أنواعه والصحن الذي يوضع فيه والرجل الذي يقدمه والمكان الذي يطبخ فيه. وكلما تقدم في سنه زادت دقة فهمه للكلمة وزاد بذلك عدد الكلمات التي يعرفها. وتبدو لغته عارية من الصرف والاشتقاق، فكل كلمة عنده تلازم شكلا واحدا، وتدل على وضعيات مختلفة. ففعل "مشى يستعمله في الماضي والمضارع بنفس الصورة، "شكلاطة" يعبر بها عن المفرد والمثنى والجمع، و"جاء" يعبر بها عن المذكر والمؤنث. وبتقدمه يدرك العلاقة بين تغير بنية الكلمة وتغير معناها أو زمنها فتظهر عناصر الصرف والاشتقاق في لغته.
وفي أواسط هذه المرحلة وأواخرها يكون بقدرة الطفل تركيب جمل من كلمتين أو ثلاث، حيث تكون في بدايتها خالية من الروابط. وقد يرتب كلماتها ترتيبا غير صحيح فيقدم المفعول على الفعل وغير ذلك. فيقول مثلا: "عصا ضرب بابا محمد". وفي هذ المرحلة كذلك يتداول الطفل الكلمات الأكثر تداولا بشكل عفوي من طرف الأشخاص الذين يحيطون به فيرددها في كل وقت وكل مناسبة.[2]
- المرحلة الرابعة: مرحلة الاستقراء اللغوي: تبدأ هذه المرحلة من السنة السابعة عند معظم الأطفال، وهي مرحلة الطفولة المتأخرة كما سبق. وبدخول الطفل في هذه المرحلة تستقر لغته ويتمكن لسانه من أساليبها الصوتية ويستطيع الطفل أن يتواصل بواسطة اللغة مع كل من يحيطون حوله.
وغالبا ما نتحدث في هذه المرحلة عن تعلم اللغة عند الطفل، لأنه سيلج مؤسسة تعليمية ينتظم فيها وفق برنامجها وقوانينها. وفي هذه المرحلة تتأثر لغنة بمؤثرات منها:
- النظم والتقليد اللذان يسير المجتمع عليهما واختلافها من جيل لآخر.
- استخدام المفردات في غير ما وضعت له عن طريق التوسع أو المجاز أو غيره. فذهن الطفل هنا يتعلق به المعنى الخاص لهذه المفردات.
- التطور الطبيعي لأعضاء النطق. فالأصوات التي يخرجها ترتبط أساسا بالشكل الذي سمعه ممن يحيطون حوله.
- الأخطاء السمعية التي تنشأ عن ضعف بعض الأصوات والتي تؤدي إلى سقوط هذه الأصوات في انتقال اللغة من السلف إلى الخلف.[3]
المراجع:
- [1] - علي عبد الواحد كافي، نشأة اللغة عند الإنسان والطفل. دار النشر: نهضة مصر– القاهرة، مصر. 2002، ص، ص: 149 - 159
- [2] - نفس المرجع السابق، ص: 163 -189
- [3] - نفس المرجع السابق، ص: 195 -199
بقلم : رشيـد مغـامـر