يتعرض الآباء المعتادون على أن يحوموا حول أطفالهم لحمايتهم للهجوم في وسائل الإعلام هذه الأيام. حيث صدر مؤخرًا عدد كبير من المقالات التي تعيب عليهم تدخلهم المفرط في حيوات أطفالهم وتوبخهم وتهزأ منهم. يخرج الخبراء فجأة بتعالٍ وعجرفة ليحذروا بشدة من تنشئة هذا النوع من الآباء لأطفال قلقين فاقدين للشعور بالأمان. ويكثر الحديث عن المشكلات لكن ليس هناك ما يقال عن الحلول.

 والحقيقة هي أن داخل كل أب أو أم يوجد خوف ورغبة في الحوم حول الأطفال لحمايتهم، لكن كل ما في الأمر أن بعضنا قادر على كبح جماح هذه الرغبة أكثر من غيره. ولن تتمكن الإهانات الصادرة في وسائل الإعلام وإن بلغت عنان السماء من منع رغبتنا جميعًا
في منح أطفالنا أفضل ما في الحياة وحمايتهم من بذل الجهد والإحباط والفشل.

 نحن نعلم منطقيًّا أنه ينبغي على أطفالنا أن يتعلموا التعايش مع عقبات الحياة وخيبات الأمل التي تسببها. لكننا لا نستطيع أن نمنع ببساطة اهتمامنا وقلقنا المفرطين النابعين من حبنا لهم، بل نحتاج إلى إلهام يوجههما في الاتجاه الصحيح. ونحتاج إلى أن يثير اهتمامنا منح أطفالنا الأفضلية التي يحتاجونها بحق، والهبة التي تمثل الوجه الآخر لعملة الحماية المفرطة، ألا وهي النجاح المستقل دون مساعدة منا.

 فنجاح الأطفال في فعل شئ ما بمفردهم يمنحهم شعورًا غامرًا بالإنجاز وهو الشعور الذي يتوقون إليه منذ ولادتهم. وحتى الرُضّع يرغبون في أن يكونوا فاعلين، وهم قادرون بالفعل على ذلك، حيث يشعرون بهذا النجاح عندما يتمكنون أخيرًا من الانقلاب من ظهورهم إلى بطونهم بعد عدة أيام من الالتواء والمحاولات، أو عندما يُسمح لهم بالتحرك عبر أرضية الغرفة للوصول إلى لعبة بدلًا من إعطائها لهم مباشرةً. كما يشعر الأطفال بذلك عندما يستطيعون خلع جواربهم بأنفسهم بعد بذل الجهد، أو عندما يتمكنون أخيرًا من الوقوف بعد السقوط مرارًا وتكرارًا.

 وتنمو ثقة الطفل في نفسه كلما أتيحت له الفرصة ليحقق النجاح وحده، كما تنمو قدراته. فكلما حاز على الثقة ليحقق إنجازاته بنفسه زادت جرأته لينتقل إلى تحدٍّ آخر.
عندما يتعلم الوالدان تقدير إنجازات الطفل المستقلة، يمكن أن يصبحا مولعين بعدم التدخل فيما يفعله الطفل بدلًا من أن يحوما حوله، حيث يفهمان أن مشكلاته المعلقة دون حلول ومشروعاته غير المنتهية ومشاعر الإحباط وتجارب الفشل التي يمر بها لها دور مهم في عملية التعلم. فالأطفال يولدون مستعدين وراغبين في المثابرة ولا ينظرون إلى بذل الجهد نظرة سلبية إلا إذا علمهم آبائهم ذلك.

 لكن عندما نضغط عليهم لفعل شئ ما أو نعلمهم أو نريهم كيف يفعلونه أو نعالج موقفًا ما أو حتى نساعدهم أكثر من اللازم، فإننا نتدخل في الفرصة السانحة لهم ليحققوا إنجازًا بنفسهم. ولا نحتاج إلا إلى دقيقة من وقتنا لحل بعض المشكلات التي تواجه الطفل أو وقف المجهود الذي يبذله، لكننا بذلك يمكن أن نقضي على فرصة من فرص النجاح المستقل. والتحدي الذي يواجهنا هو أن نتحلى بالصبر وننتظر أولًا لنرى إن كان الطفل قادر على فعل ذلك الأمر وحده. فإذا أصيب بالإحباط الشديد، نقدم له أقل قدر ممكن من المساعدة. أحيانًا يتمثل ذلك القدر القليل في مناقشة الطفل حتى يتوصل لحل أو في تحريك غرض عالق حركةً بسيطة ليتمكن الرضيع من تحريره تمامًا أو توجيه طفل أكبر سنًا نحو عصف ذهنه للحصول على أفكار لكتابة مقال بدلًا من أن نطرح عليه فكرة مباشرةً. فغالبًا ما يحتاج منا الأطفال أن نكون منفحتين على قدراتهم وأن نمنحهم المزيد من الوقت.

 هناك طفل اسمه ماثيو عمره عامان يحضر منذ أكثر من عام الصف الذي أقدمه للوالدين والأطفال الدارجين، وهو طفل هادئ ومتحفظ. يظل ماثيو بالقرب من والده معظم الوقت لاعبًا في هدوء ومراقبًا لما يدور حوله. الأسبوع الماضي كان الأطفال عند طاولة تناول الوجبات الخفيفة يختار كل منهم مريلة لأثبتها له حول عنقه. وعندما اختار ماثيو مريلته، جرّب وضعها حول عنقه بنفسه. فمنعت نفسي من مساعدته وسألته إذا كان يحاول وضعها. وبعد دقيقة نجح بالفعل وأقررت أنا ذلك بابتسامة وقلت له لقد فعلت ذلك بنفسك. ثم قال إمرسون متعجبًا، وهو صبي مفعم بالحيوية ذو مهارات لغوية متميزة، "وضع ماثيو المريلة حول عنقه بنفسه يا أمي!" حينها تلاقت عيناي وعينا ماثيو ولن أنسى أبدًا البريق الذي رأيته في عينيه.

 تعد لحظات الإنجاز المقتضبة تلك حجر الأساس لثقة الطفل في نفسه وحبه للتعلم والمثابرة والتخيل والاستقلال والعقل النابغ، وهي جميعًا تتنبأ له بالنجاح في حياته، كما أنها تمثل كل ما يطمح إليه أي والدين.
"عندما تعلم طفلًا شيئًا ما،فإنك تسرق منه فرصته في اكتشافها بنفسه إلى الأبد."جون بياجِي.

    بقلم: جانيت لانسبيري ، ترجمة: ضحى أحمد

أضف تعليق


كود امني
تحديث