إن من أهم شروط نجاح العلاقة التفاعلية داخل الفصل الدراسي هي توفير الحد الأدنى من الحاجيات الأساسية للمتعلمين، والتي حددها الباحث الأمريكي "ماسلو" في:
– الشعور بالأمان؛
– الشعور بالإنتماء؛
– الشعور بالإعتراف؛
– الشعور بالاعتبار الذاتي.
هذه الأحاسيس تحقق الشعور بالانشراح والطمأنينة، وتبعث في النفس الحافزية والنشاط التفاعلي المطلوب خلال مختلف العمليات الصفية، وهي أحاسيس إيجابية تولد الفرح والانشراح الذي يعزز سلوك التشارك والتعاون والمبادرة والجرأة والانتاجية ويساعد على بناء التعلمات، بخلاف الشعور بالخوف و الحزن الذي يؤدي إلى السلبية ويخلق التعثرات الدراسية ويفسح المجال لبروز تمظهرات العنف المدرسي.
إن الأسرة كمؤسسة تربوية واجتماعية، لها نصيب وافر في تلبية الحاجيات الأساسية للطفل منذ ولادته، خصوصا بعلاقته مع أمه، مما يدعو إلى مساءلة واقع الأسر اليوم ونوعية العلاقات السائدة مع مؤسسة المدرسة، فالطفل يعيش داخل أسرة قد تكون متوازنة أو غير ذلك، قد تحضر الأم ويغيب الأب والعكس، قد يحضر الوعي بالدور المطلوب منهما أو يغيب، إضافة إلى مؤثرات أخرى داخل الأسرة وفي المنزل، تتجلى في العلاقة التفاعلية مع الإخوة ومع الإعلام من خلال البرامج التلفزية، وأيضا مع الأنترنيت الذي أصبح اليوم يشكل واقعا مؤثرا داخل الأسرة ويطرح سؤال التحكم في زمن استهلاك برامج هذه الوسيلة التي تعتبر سيفا ذو حدين.
فعندما يتم التفكير في إصلاح منظومة التربية، فمن أساسيات هذا التفكير أن تتم الانطلاقة من مراعات هذه الحاجيات التي تسهل عملية تنزيل هذا الإصلاح، هذه الحاجيات تتطلب تواجد فاعلين متخصصين في الجوانب النفسية والاجتماعية والصحية، لتبقى مهمة وزمن التعلمات للمدرسين داخل الفصول الدراسية، تمارس من خلال ظروف تساعد على التمكين المعرفي، وتحقق المرامي المرجوة.
و يعتبر الإصغاء من مختلف مواقعه وأشكاله، حاجة اجتماعية أساسية لتحقيق الاندماج داخل الجماعة، فالإنسان كائن مجتمعي يؤكد إنسانيته بالاحتكاك بنظيره، يبادله الآراء والاعتبارات والخواطر. فهو في حاجة إلى هذا التأكيد لإنسانيته، لإثبات تموقعه ـ فضاء وزمنا ـ وعلائقيا، شريطة توفر شروط الأهلية (بما فيها من عناصرلاواعية) لدى الطرف المقابل. فالعلاقة تمكن كلا الطرفين من التموقع هذا وهو ضروري لضبط المسار.
والتلاقي يعني التخاطب، وتبادل المشاعر. على أن لا يكون ذلك حكرا على العنصر الكلامي: فهناك تحاور لا كلامي، يحصل بالإيمائية وملامح الوجه وبالنظرة وبالإشارة، أو بنبرات الصوت (فضلا على العنصر اللغوي أو التحول بين لغتين وبصرف النظر عن معرفتيهما من الطرفين) او بموقع الجسد، وتغييره أثناء التخاطب، أو بكيفية المصافحة الخ. فاللقاء يقوم على قاسم مشترك بين الهويتين، مع الإقرار بالفوارق بينهما، واعتبار كلاهما بالتساوي، خصوصا في حقل الانتماءات.
وعندما نستحضر العلاقة التفاعلية للمتعلم داخل الفصل الدراسي من خلال مختلف الأنشطة الصفية، فإن حضور المدرس المنشط المصغي يساهم في التأهيل المعرفي والمجتمعي إلى جانب الفاعلين التربويين التخصصيين والفاعلين في التنشئة الاجتماعية(الأسرة - الاعلام...).
فالعلاقة الفصلية المبنية على الإصغاء الإيجابي، تساهم في آن واحد في تبليغ منظومة المعلومات وسلم القيم المرتب لها ولتوظيفها في اسلوب الحياة، في حضارة المجتمع: أي نمط من تقييم وترتيب حاجيات الإنسان، وكيفية تلبيتها. وهنا لابد من التطرق إلى العلاقة الوجدانية التي يقوم عليها المسار التربوي لأنه ترويض للوجدان أولا وبالذات، يتجود بحسن توظيف التقدم العلمي والتقني.
ويقوم هذا المسار على توظيف تفاعلات وجدانية، بين المدرس والمتعلم والمعلومة، ولابد لهذا المدرس، أن يحقق موازنته الوجدانية أثناء قيامه بمهمته, مما يحتم عليه تلبية حاجيتين أساسيتين:
1 – كسب تغدية راجعة إيجابية من لدن المتعلمين، مع شعور بحد أدنى من الثقة لديهم تجاهه لتغدية نرجسيته وحبه لذاته وشعوره بتقديرها وبذلك يشعر بالحافزية لمواصلة مساره المهني.
2 – الشعور بتطور مراحل التعلمات وتنفيذ مختلف التوجيهات والإرشادات المقدمة للمتعلمين وتقديرها وتنفيذها بسلاسة على أن يستحسن أن يحصل ذلك عن طواعية منهم، لا قسرا ولا قهرا: أي بكسب تعلقهم به. مما يشرط أصالة الخطاب والتخاطب مع المتعلمين: أي أن يسلك المدرس سلوكا أصيلا بدون تصنع ولا قناع مهني. وأن يتفاعل وجدانيا مع تلاميذه: وهو شرط "الحضور الوجداني" حتى يتجاوب مع وجدانهم.
إن العلاقة الوجدانية هذه، تتطلب عدم التأثير السلبي في المواقف والاتجاهات المعبر عنها من لدن المتعلمين، بل العمل على تصحيح الأحكام المسبقة والجاهزة لديهم من خلال نوعية المعلومة المقدمة وجودة العلاقة والثقة والاصغاء الإجابي الحاصل في الأنشطة الصفية وتدبيرها من طرف المدرس. وهنا لابد من الوقوف عند أوجه تبليغ المعلومة: فهناك الإعلام الذي يتمثل في إعطاء المعلومة المجردة، وهي عنصر معرفي قد يؤدي الى تغيير نظرة المتعلم الذهنية، بإعطائه إنارة جديدة حول الذات والمحيط. وهناك الحضور الوجداني عند التبليغ.
يشترط من المدرس أن يوظف وجدانه، عند تبليغ المعلومة، مبرزا جوانبها التفاعلية (سلبا أو ايجابا)، مع عواطف وجوارح المتعلمين، مثيرا لإنفعالاتهم وجدانيا: فيبرز محاسن أو مخاطر الطاقة النووية مثلا، مستدلا بالأسلحة الفتاكة أو بالمنافع الصحية أو الحضارية: أي أنه يوظف عنصر انفعال التلاميذ، وتفاعله وجدانيا مع المعلومة. فالحضور الوجداني للمدرس يساعد على التمكين المعرفي، لأن إثارة المتعلم، بل استفزازه ذهنيا، يشكل أداة بيداغوجية ناجعة.
إعداد : مصطفى رابي