لنتساءل أولاُ، هل سبق للمتعلم (ة) أن منحناه فرصة تشغيل يديه خارج إمساكه القلم والدفتر والكتاب، إلخ، أم فقط أعددناه للقراءة والكتابة وهيأناه للامتحان وهاجس النقطة فقط..!؟. بمعنى آخر، هل منظومتنا التربوية تتوفر على تعلمات ومهارات ووضعيات تربوية متنوّعة ومختلفة "تفرض" عليه أو "تمكّنه" من أن يشغل يديه، تمهيداً لإكسابه محتلف المهارات اليدوية المطلوبة..؟.
 فلنلاحظ ونتأمل ولو للحظة أيادي المتعلمين جميعا إناثا وذكوراَ كيف هي..!. هي في الظاهر "رطبة" جدّا وناعمة، أي أنّها لم تُصب بأية نذوب أو خشونة جرّاء عملية يدوية تتطلّب جهدا وتمرّسا على الأدوات الحرفية، أي بعبارة أخرى لم يمسسها "تعب" من الاشتغال قط؛ يد مترهّلو دون أية تجربة تذكر. إذ لم يتم الاستعانة بها في لحظة ما من أجل توظيفها في وضعيات تربوية بنائية وإنشائية منظمة، يتبعها تقويم مدروس ودعم معزّز للأداء المتقن..!
 أنا لا أتحدث هنا عن تطوع يؤطّره مدرّس (ة) بين الفينة والأخرى، له (ها) حس جمعوي واضح وجلي. أتحدث مثلا عن عملية تنظيف الحجرات المدرسية ومحيطها وبشكل دائم ومنظّم ومستمرّ، وليس من بشكل مناسباتي (مناسبة وطنية أو عالمية). أتحدث هنا عن ضرورة التفكير في كيفية إدخال أنشطة يدوية متنوعة وهادفة ومسلية أيضا، يوظف فيها المتعلم (ة) يديه توظيفا قابلا للتطوير وكسب المهارات الحرفية مستقبلاَ..! ضمن منهاج دراسي وأنشطة مبرمجة خصيصا لهذه الغاية؛ أنشطة تجعل الجميع يمارس، وبشكل دائم، بعض الأعمال اليدوية التي من شأنها أن تمكّن المتعلمين من أن يحافظوا على نظافة مكان اشتغالهم، كقيمة راسخة قابلة للتكرار والتطور خارج المنظومة التربوية، وهذا ما يجعل سلوكاتهم سليمة ومضبوطة أينما حلّوا وارتحلوا داخل الفضاء المجتمعي الواسع والأرحب. أنشطة تعلمهم أيضا كيف عليهم أن يقدروا ويثمّنوا كل عمل يدوي مهما صغر شأنه، دون احتقار أو استصغار أو تقليل من شأنه، بل عليم أن يجعلوه في مرتبة الأعمال الأخرى الفكرية منها والتنظيرية.
 لدى، من الواجب على مهندسي ومنظري منظومتنا التربوية أن يعيدوا النظر في تصوراتهم التي تحكم قناعاتهم الفكرية حتى تتناسب وما أصبح يتطلبه الوضع المجتمعي الجديد من تقدير واعتبار وتثمين للعمل اليدوي عموما.
 
بقلم: الحبيب ناصري (بتصرف)