1 - التواصل من المنظور الفلسفي:

 طرح مفهوم الأنا والغير في الخطاب الفلسفي كثيرا من الإشكاليات التي تنصب كلها في كيفية التعامل مع الغير، وكيف يمكن للانا النظر غلى الغير؟
يذهب الفيلسوف الألماني هيجل إلى أن العلاقة بين الأنا والغير هي علاقة سلبية قائمة على الصراع الجدلي كما توضح ذلك نظريته المسماة بجدلية السيد والعبد. أما جان بول سارتر فيرى أن الغير ممر ووسيط ضروري للآنا، إلا أن الغير جحيم لا يطاق لأنه يشيئ الذات أو الأنا . لهذا، يدعو سارتر إلى التعامل مع الغير بحذر وترقب وعدوان، وأنه يستحيل التعايش بين الأنا والغير أو التواصل بينهما، مادام الغير يستلب حرية الأنا ويجمد إرادته. لذلك، قال قولته المشهورة: "أنا والآخرون إلى الجحيم".

 بيد أن ميرلوبونتي رفض نظرية سارتر التجزيئية العقلانية، واعتبر أن العلاقة بين الأنا والغير إيجابية قائمة على الاحترام والتكامل والتعاون والتواصل، وأساس هذا التواصل هو اللغة. أما ماكس شيلر فيرى أن العلاقة بين الأنا والغير قائمة على التعاطف الوجداني والمشاركة العاطفية الكلية مع الغير، ولا تقوم على التنافر أو البغض والكراهية. وفي حين يرى جيل دولوز أن العلاقة التواصلية بين الأنا والغير في المجال المعرفي البنيوي قائمة على التكامل الإدراكي.

2 - التواصل من المنظور السيميائي:
 تندرج تحت إطار سيميولوجيا التواصل أبحاث كل من برييطو وجورج مونان وبويسنس ومارتينيه وغيرهم. وهؤلاء جميعا يتفقون على أن العلامة السوسيرية تتشكل من وحدة ثلاثية وهي: الدال والمدلول والقصد. وهم يركزون كثيرا في اعمالهم على الوظيفة التواصلية. ولا تختص هذه الوظيفة التواصلية بالرسالة اللسانية المنطوقة فحسب، بل توجد في أنظمة غير لسانية أخرى كالإعلانات والشعارات والخرائط واللافتات والمجلات والنصوص المكتوبة وكل البيانات التي انتجت لهدف التواصل. وتشكل كل الانماط المذكورة علامات، ومضامينها رسائل أو مرسلات. وهكذا يقصي أنصار سيميولوجيا التواصل ذلك النوع من سيميولوجيا الدلالة التي تدرس البنيات التي تؤدي وظائف غير وظيفة كما لدى رولان بارت مثلا. ونستشف من خلال ابحاث ورؤى مؤسسي هذا الاتجاه أنهم يميلون إلى دراسة أنساق العلامات ذات الوظيفة التواصلية.

 وبناء على ذلك، فإن أفضل تناول حسب برييطو هو القول: "إن ما يميز الوظيفة التواصلية عن الوظيفة الدلالية حصرا هو القصدية التي تتجلى في الأولى لا في الثانية".
إن السيميولوجيا حسب بويسنس عليها "أن تهتم بالوقائع القابلة للإدراك، المرتبطة بحالات الوعي، والمصنوعة قصدا من أجل التعريف بحالات الوعي هذه. ومن أجل ان يتعرف الشاهد على وجهة التواصل في رأي بويسنس هو ما يكون موضوع السيميولوجيا".

 وقد ساهم أنصار هذا الاتجاه في بلورة المشروع السوسيري القاضي بأن اللغة هي نظام للتواصل كما فعل كل من تروبوسكوي ومارتينيه وبرييطو، حيث اهتموا اهتماما بالغا بدراسة أنظمة الاتصال غير اللغوية وطرائق توظيفها كالإعلان وأرقام الحافلات. وغيرها من الأنظمة، بل تطور هذا الاتجاه أساسا بتطور علم الدلالة.

بقلم : أحمد أوزي (بتصرف)

أضف تعليق


كود امني
تحديث