عالمنا اليوم، عالم تسود فيه التكنولوجيا !. طبيعة تعاملنا معها وكيفية توظيفها في حياتنا اليومية، هي اليوم مؤشر على نوعية تقدمنا أو تخلفنا !. الإنسان بدوره يسير في اتجاه أن يصبح كائنا تكنولوجيا لاسيما في الدول التي تستهلك بشكل بشع هذه التكنولوجيا دون التحكم فيها والنهل منها بشكل مفيد !. كل واحد منا، في جيبه هاتف محمول وقد يشغله طيلة النهار والليل !. شكل حامله العظامي يسير في اتجاه عودته نحو اصله (الشكل المقوس) !. أصبح رأسه وعنقه ينظران نحو الأرض (نحو الهاتف المحمول) !. أصبح الهاتف المحمول وكما قال يوما ما د. سعيد يقطين، بمثابة عضو بيولوجي جديد في جسم الإنسان !. ماذا يشاهد مواطننا؟ وماذا يوزع؟ حول ماذا يتواصل ؟ ومع من يتواصل ؟. كم يقضي من ساعة وشكله العصبي والجسدي يتكيف مع طريقة تعامله مع هاتفه المحمول !. يكفي أن نلعب هذه اللعبة التربوية والدالة بقوة !. لندخل الى مقهى او محطة قطار أو عيادة طبيب او مرفق اداري عمومي، إلخ، ونقوم بعملية احصائية لعدد من يشغل هاتفه المحمول والحديث هنا موجه لدولنا العربية تحديدا !.
 
لن نجد ربما شخصًا واحدًا يحمل كتابا ويقرأ !!. مهما تطورت التكنولوجيا لن تحل محل لحظة معانقة الكتاب !. الكتاب له رائحته !. مدرستنا هي المؤهلة لكي تعمق صلة المتعلم بالكتاب !. هل عودنا المتعلم على القراءة؟. هل نبرمج حصصا خاصة بها ؟. أصبح الجواب معروفا على لسان من لهم صلة بالموضوع !. الوقت لا يسمح، وهناك التزام بالمقرر والسيد المفتش يتابع ويدقق أين وصلنا، والمتعلمون متبوعون بامتحانات، والإدارة عمّا قريب ستطالب بالنقط وأوراق التصحيح، إلخ !. أين نحن، وفي ظل هذا، من حصص مستقلة وخاصة بالقراءة داخل القسم، ومرافقة المدرس لمتعلميه إلى مكتبة المدرسة أو مكتبة المدينة العمومية أو تنظيم رحلات لبنات وأبناء القرية نحو مكتبات عمومية قريبة منهم وغير مكلفة؟. للمدرس ولغيره من الفاعلين التربويين، وبطبيعة الحال مبرراتهم الإدارية الموضوعية والذاتية، فالمدرس مثلا هو مجرد موظف (اسم مفعول)، والمسالة هي بنيوية وشمولية وتتعلق بطبيعة المنظومة التربوية ككل ونوعية مقاصدها واختياراتها الكبرى، إلخ. هنا، يتجلى عطب من أعطاب منظوماتنا التربوية !.
 
كيفما كانت مواصفات المتعلم بعد تخرجه، فالمدرسة لم تتمكن من غرس قيمة القراءة في عقله وقلبه وعظامه وجعل رائحة الكتاب هي الأغلى لديه وليس عطره الذي يفضله دومًا !. الغرب، وعلى الرغم من كونه هو من أبدع هذه التكنولوجيات ورقمياتها، فالكتاب لازال حاضرا بقوة في مدارسه وعائلاته وقطاراته وساحاته، الخ!. لندقق أرقام بيع الكتاب في بلد أوربي واحد، ونقارن ذلك بما يجري في كل العالم العربي والإسلامي وأفريقيا ؟!. مفاجآت وأرقام صادمة جدا !. من لا يعشق رائحة الكتب، ويحملها بين يديه ويقرأ ويدون ويلخص ويوثق، إلخ، ففي اعتقادي قد أصبح في ملكية هاتفه المحمول !. لا خير في منظومة تربوية يقضي المتعلم العديد من السنوات بين يديها ويتخرج ويشتغل، ولا يقتني كتابا كل شهر أو كل فصل او كل سنة على الأقل للقراءة !. أمة اقرأ هي اليوم لا تقرأ !. أصبحنا أضحوكة العالم ووصلنا حد التمرغ في "جماليات التخلف" !. كم نطبع من كتاب ؟. كم من سطر نقرأ في السنة ؟. كم نترجم من كتاب؟. كم من كتاب نبيع؟. وهل ندفع ثمن الكتاب؟. ما وضعية الكتاب في بلداننا العربية والإسلامية؟. كم من مكتبة صمدت في وجه صاحبها؟. كم من مكتبة تحولت الى مطعم؟.
 
كم عدد مكتبات المدينة العامة والخاصة ؟. كم عدد من يلجها ؟. كم يقضي بين أحضانها من ساعة ؟. كم قرأت عزيزي قارئ هذا المقال من كتاب؟. كم وكم؟؟. إنها أسئلة حارقة وقوية وتكشف عن كوننا حتى وأن بنينا أبراجا ملتوية في كوكب زحل، لن نتقدم خطوة واحدة نحو الأمام، ما دامت وضعياتنا التربوية لا تجعل من وضعية قراءة كتاب انشغالا أساسيًا مفيدًا للجميع ومادامت رائحة الكتاب غير مفضلة لدينا !.
بقلم: الحبيب ناصري (بتصرف)

أضف تعليق


كود امني
تحديث