نحن عادةً لا نطرح هذا السؤال على أنفسنا، وإنما على غيرنا من الذين شغفتهم لغتنا، من باب الفضول في معرفة كيف يرى هؤلاء هذه اللغة، الأجنبية بالنسبة لهم.
هذا ما أشارت إليه مستشرقة أوروبية، ولكنها من بلد في شرق أوروبا هو رومانيا، وهذا أمر جدير بالوقوف عنده، فنحن، في الغالب الأعم، حين نتحدث عن الاستشراق الغربي تتجه أعيننا إلى بلدان بعينها في الغرب الأوروبي، بريطانيا وفرنسا بدرجة أولى، كونهما كانتا إمبراطوريتين استعماريتين، وكان العالم العربي، بمشرقه ومغربه، محطّ أطماعهما، حتى إنهما بسطتا هيمنتهما الطويلة على بلدانه.
لا يمكن أن تغفل الاستشراق الإسباني بطبيعة الحال، وإن كان يندرج في خانة أخرى، هي خانة العلاقات الثقافية التي جمعت بين العرب والإسبان، عبر البوابة الأندلسية، فلا يمكن إغفال التأثير المتبادل بين الثقافتين العربية والإسبانية، اللتين كانتا على تفاعل دام ثمانية قرون، دون الخوض في تفاصيل ذلك.
ما لا يستوقفنا كثيراً هو أن هناك استشراقاً آخر، يمكن القول باطمئنان إنه حرّ من الغايات الاستعمارية، الاستعلائية، التي طبعت الكثير من الاستشراق الغربي، وهو الأمر الذي تناوله بإسهاب إدوارد سعيد في كتابه الشهير: «الاستشراق»، وفي الاستشراق الأول يمكن وضع اسم المستشرقة الرومانية ناديا أنجيليسكو التي طرحت السؤال الوارد في العنوان.
في العام 1999 أصدرت الدائرة الثقافية في الشارقة كتاباً لأنجيليسكو بعنوان «الاستشراق والحوار الثقافي»، كان لي شرف كتابة تقديم له، بعنوان: «استشراقان لا استشراق واحد»، تناولتُ فيه الفروق بين الاستشراق المستجيب لشروط الثقافة الغربية أكثر من استجابته للشرق وظروف تطوره الخاصة، والاستشراق الثاني الخارج على النسق الغربي والمنفتح على عوالم الشرق بروح المحبة والشغف، ووجدتُ في كتاب أنجيليسكو هذا نموذجاً عليه.
أشارت الباحثة إلى أن السؤال عن صعوبة اللغة العربية الذي يوجهه إليها العرب ليس سهلاً كما يبدو في ظاهره، ليس فقط لأن كل واحد منا يشعر بأن لغته الأم سهلة ومرنة، فيما تبدو غريبة كل لغة أخرى، على الأقل في بداية تعرفنا عليها، وإنما أيضاً لما هي عليه العربية من تعدد في لهجات الناطقين بها بين بلد وآخر وإقليم عربي وآخر.
تشرح الباحثة ذلك بشيء من التفصيل، وتشير أيضاً إلى العدد الكبير من الأصوات في لغتنا، والتي لا يوجد ما يشابهها في اللغات الأخرى، لكنها تؤكد أن العربية مبنية على نظام واضح له أصوله وقواعده، إن تمكّن منها دارسها، بدت له هذه اللغة من أسهل اللغات.
بقلم: حسن مدن