بعد مرور أزيد من أربعين سنة على إنشاء كلية علوم التربية حيث ساهمنا بفعالية في وضع وترسيخ تصنيف علوم التربية والذي ما زال منتشرا في منظومة التربية والتعليم و سائدا في مؤسسات التكوين على وجه الخصوص؛ نعتقد أنه حان الوقت لإعادة النظر في هذا التصنيف بما يواكب ما يشهده العالم من تغيرات سريعة وعميقة في مختلف القطاعات، وخاصة بعدما لاحظنا الكثير من الخلط النظري والتشويش الباراديكمي، ربما باسم تكامل المعرفة وتداخل التخصصات، تشويش اصاباها في مقتل وأصبحت هذه الكلية كما العديد من مؤسسات التربية والتكوين بما فيها المدارس العليا للأساتذة والمراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين مرتعا للعديد من الأفكار والممارسات والكتابات "المترنحة" و المحسوبة على علوم التربية، وهي في الحقيقة ليست كذلك وتنتمي الى علوم مساعدة ترتبط أساسا بتخصصات أخرى سواء التاريخ أو الفلسفة أو علم النفس أو علم الاجتماع... ولا علاقة لها بها بشكل مباشر وبمعناها الدقيق.
 لذلك نجدد الدعوة إلى إعادة النظر في تصنيف علوم التربية والذي نقدمه هنا بنوع من التركيز ، وإن كنا سنعمل في دراسات قادمة على عرضه بتفصيل وتوضيح أسسه ومبرراته و مراميه، بما قد يحقق انطلاقة جديدة لهذه العلوم ويرفع أسباب اللبس والتشويش الباراديكمي والتي أصبحت تعيق تطور هذه العلوم في بلادنا وتقف حجر عثرة أمام البحث التربوي الجاد وإنتاج النظريات وتجعلنا نكتفي بالنقل و الاستيراد.
 نقدم إذن، حلا أصيلا لبعض مشكلات البحث التربوي الابستملوجية وخاصة لمشكلات الباحثين مع تموضع أبحاثهم و تموقعها ضمن التصنيف التقليدي لعلوم التربية وعدم وضوح لديهم الحدود بين التخصصات و المجالات التي يتحركون فيها و ضبابية الباراديكم الذي يبحثون مبدئيا في إطاره. نقول نقدم حلا أصيلا يتمثل في الدعوة، لإعادة النظر في تصنيف علوم التربية ورفع اللبس ما أمكن، حول تعريفها، بحيث تصبح البيداغوجيا بالمعنى الضيق والدقيق، علما مستقلا يهتم بالجانب الاخلاقي و القيمي من شخصية الانسان، فضلا عن علوم ثلاثة أخرى نقترحها في تصنيفنا تهتم بالجوانب الاخرى.
فيكون التصنيف النهائي الذي نقترحه لعلوم التربية الحقة و الأساسية، كالتالي:
1 - البيداغوجيا أو علم التربية الخلقية ويعتنى بالجانب القيمي - الأخلاقي من شخصية الانسان.
2 - الديداكتيك أو علم التدريس ويعتنى بالتربية الفكرية - المعرفية (تكوين الجانب العقلي).
3 - علم التربية البدنية (ويعتنى بالجانب الجسمي والحسي الحركي.
4 - علم الكفايات (ويعتنى بتربية الكفايات الصلبة والناعمة ومهارات الحياة بشكل عام)، والذي نقترح إضافته كعلم مستقل وأساسي من علوم التربية.
والرابط بين هذه العلوم الأربعة المستقلة والمتكاملة في نفس الآن،هو تربية الانسان وتكوين شخصيته في جميع جوانبها. في حين تظل العلوم الاخرى مثل تاريخ التربية وفلسفة التربية وعلم النفس التربوي وعلم الاجتماع التربوي،والتخطيط التربوي و الاحصاء المطبق في التربية... وغيرها، علوما مهمة وضرورية خاصة في إطار ما يعرف بتكامل المعرفة وتداخل التخصصات interdisciplinarité لكنها تبقى في نهاية التحليل علوما مساعدة تنتمي أصلا إلى تخصصات أخرى مثل التاريخ والفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع ... ولا تدخل ضمن علوم التربية بالمعنى الدقيق، عكس الاعتقاد الشائع والذي يصنفها ضمن علوم التربية وهي ليست كذلك.
بقلم: محمد الدريج

أضف تعليق


كود امني
تحديث