مجموعة من الحروف المُمَوْسقة ذات الإيقاع المتميز كيفما ركبتها أنتجت جمالا، وحيثما وجهتها تأتيك بالروعة والدهشة من فوق سبع سماوات. هبط بها الروح الأمين في آيات من الذكر الحكيم على قلب محمد صلى الله عليه وسلم، ليكون من المرسلين، وتكون هي رسالة للبشرية جمعاء، تنصهر في بوتقتها كل اللغات ليصبح العرب والعجم من شتى الألوان والألسنة، يكبّرون ويصلون ويتوجهون لله بالدعاء، ويلبون في الحج والعمرة بحروفها وعباراتها.
إنّها لغة الضاد، اتّشحت بالجلال والسمو والعظمة، وخلّدها ربّ الكون، وحفظها بحفظ القرآن الكريم، من أقدم اللغات المعروفة، إلا أنها ما تزال تتمتع بخصائص تميِّزها عن اللّغات الأخرى في ألفاظها وتراكيبها وصرفها ونحوها وأدبها وخيالها المحلق وبلاغتها في علم المعاني والبيان والبديع.
إنّها اللغة التي تعدّ أمّا لكل اللغات التي نشأت في شبه جزيرة العرب، وكانت تتكوّن من فرعين رئيسين هما: الحميرية، لغة جنوب اليمن والمضرية، لغة شمال الحجاز.
وتغلبت لغة الحجاز على لغات العرب الأخرى، وهي لغة قريش التي امتازت بالفصاحة والخلو من العيوب وسهولة التراكيب والنطق. وهي لغة مرنة تستوعب جميع الألفاظ المشتقة والمترادفة وتضع لكل مقام مقالا. وزادها أهمية بعثة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، ونزول القرآن بها.
قال تعالى: ( إنّا أنزلناه قرآناً عربيّاً ).
هي اللغة الفصيحة التي استخدمها العرب قديما في نظم الشعر القديم، كالمعلقات، وكُتبت بها مؤلفات الأدب العربي وأمهات الكتب والموسوعات التي وصلت إلينا من عصور ازدهار التأليف، وكتب السنة النبوية والتفاسير القرآنية والعلوم المختلفة والاختراعات والاكتشافات في عصور الخلافة العربية الزاهرة في الشرق والأندلس على السواء.
كانت اللغة العربية، وستبقى اللغة الوحيدة القادرة على الإحاطة بكلّ الجوانب العلمية والدينية والفكرية والاقتصادية، فإلى جانب عظمتها المرتبطة بالقرآن الكريم، وحفظ الله لها بحفظ كتابه العظيم، فقد اعترفت الأمم المتحدة بها لغة رسمية سادسة في العالم في 18 ديسمبر 1973، وهو اليوم العالمي لهذه اللغة العريقة.
مما قيل في اللغة العربية:
* قول الدكتور "رشدي أحمد طعيمة": (إن العربية وعاء لحضارة واسعة النطاق، عميقة الأثر، ممتدة التاريخ.. لقد نقلت إلى البشرية في فترة ما، أسس الحضارة وعوامل التّقدم في كلّ العلوم الطبيعية والرياضيات والطّب والفلك والموسيقى).
* قول المستشرق الفرنسي "رينان":
من أغرب المُدهِشَات أن تنبت تلك اللغة القومية، وتصل إلى درجة الكمال وسط الصحارى عند أمّة من الرّحل. تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها، ونظام مبانيها. ولم يُعْرَف لها في كل أطوار حياتها طفولة ولا شيخوخة، ولا نكاد نعلم من شأنها إلا فتوحاتها وانتصاراتها التي لا تُبَارى، ولا نعرف شبيها بهذه اللغة التي ظهرت للباحثين كاملة من غير تدرجن وبقيت حافظة لكيانها من كلّ شائبة.
لكن مع الأسف الشديد، واقع اليوم جعلنا نقف على الأطلال نبكي لغتنا، فعقلية الجيل السائدة تقول بوجوب اعتماد اللغات الأجنبية (كالإنجليزية) فهي لغة العلم والتكنلوجيا والأبحاث في حين يعتبرون اللغة العربية شيئا باليا قديما مهترئا، يصلح لقواعد النحو والصرف وأبيات الشعر فقط!
وستظل هذه النظرة قائمة مادام الواقع العربي يعاني الأزمات تلو الأزمات في جميع الجوانب وأوّلها التعليم.
أمّا الطّامة الكبرى، والمفجعة فهي تلك التيارات التي تخرج لنا كلّ مرة، تدعو بتعميم اللّهجات الدّارجة وترسيخها في جميع مجالات الحياة العلمية والعملية.
لكن تأبى هذه اللغة إلا أن تزهو بشموخها، مادام هناك جنود تحمّلوا عبء إيصالها للأجيال الحاضرة والقادمة، وسيعود بزوغ فجر هذه اللّغة بإذن الله تعالى طال الزمان أو قصر، فهي ليست حقبة وانتهى عصرها، بل هي روح تسري في القلوب والعقول.
أمّأ الدكتور عبد الصبور شاهين فقد قال: (قد يكون من الطبيعي أن تجد العربية خارج حدودها أعداء يكيدون لها، لكن المفزع حقا أن يكون بعض هؤلاء الأعداء من بينها، عن قصد أو عن غير قصد. فهي تقاتل في جهتين أقربهما أمرّهما وأعصاهما، لأنّها تقاتل أجزاء من كيانها:
(وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس من وقع الحسام المهند).
لغتنا يا إخوةّ الضاد، تحتاج أن نحبها أولا قبل كل شيء، وبعدها يأتي تعليمها وممارستها، إنّها مسؤوليتنا أن نعلم أبناءنا حبّ لغتهم.
إنّ تعليم اللغة العربية وتعلمها، يتطلبان معرفة بعلومها، وبالتالي توفير مختلف اللوازم والمتطلبات لإيصال هذه العلوم للتلميذ بشكل حضاري ممتع تحببها إليه.
إنّها اللغة الأمّ والبحر الذي يزخر بالكنوز والنفائس، ويحوي كلّ شيء جميل، ولا يفوتنا أنّ المرجع الأول لهذه اللّغة، هو القرآن الكريم الكامل القويم.
فلنعلم أنّنا نمتلك كنزا، تحسدنا عليه الأمم الأخرى ولنحافظ عليه. ودامت لغتنا العربية جوهرة متألقة ونورا روحانيا يشع في قلوبنا ومليكة متوجة بالعزّ والشموخ.
بقلم: ريما البرغوثي