حوار متقاطع مع فيليب ميريو، المربي والباحث، ومارسيل كوشي، المؤرخ والفيلسوف. أجرى الحوار الصحافي الفرنسي نيكولاس تريونغ لفائدة صفيحة لوموند الفرنسية. ت: عبد السلام اليوسفي
************************
س: إلى أي حد يقوض تطور المجتمعات شروط استطاعة المؤسسة التربوية؟
– مارسيل غوشيه: لقد وقعنا اليوم ضحية خطأ في التشخيص: يطلب من المدرسة أن تحل المشاكل الحضارية الناجمة عن حركية المجتمعات بالوسائل التربوية، وندهش لأنها لم تنجح… ما هي هذه التحولات الجماعية التي تطرح اليوم تحديات جديدة على المهمة التربوية؟ إنها تحولات تهم أربع جبهات على الأقل: العلاقة بين الأسرة والمدرسة، ومعنى المعرفة المدرسية، ووضع السلطة، ومكانة المدرسة في المجتمع.
مبدئيا، الأسرة والمدرسة لهما نفس الهدف من تربية الأطفال: فالأسرة تربي، والمدرسة تعلم، كما كان يقال في الماضي. لكن من الناحية العملية، أصبحت الأمور أكثر تعقيدًا. اليوم، تميل الأسرة إلى التنصل من واجبها حيال المدرسة التي من المفترض أن تقوم بالتربية والتعليم في آن معا. فالأسرة التي كانت ركيزة المجتمع في الأمس، تمت خصخصتها اليوم، ومهمتها تتوقف حاليا على العلاقة الشخصية والعاطفية التي تقوم بين أفرادها بما يخدم مصالحهم الحميمة الخاصة. ويصعب دمج المهمة التربوية في هذا الإطار الذي يهدف إلى تحقيق الإشباع العاطفي للأفراد فقط.
– فيليب ميريو : للمرة الأولى في التاريخ البشري، نعيش في مجتمع حيث الغالبية العظمى من الأطفال الذين يولدون هم أطفال مرغوب فيهم. وهذا يؤدي إلى انقلاب جذري في الأدوار: في الماضي، كانت الأسرة " تخلق الأطفال"، أما اليوم فالطفل هو الذي يخلق الأسرة. فبقدوم الطفل إلى العالم من أجل إشباع رغبة الآباء، يكون قد قلب الوضع وأصبح متحكما فينا: لا يمكن أن يرفض الٱباء طلباته، مخافة أن يصبحوا "آباء سيئين"…
هذه الظاهرة هي وليدة ليبرالية السوق. في الواقع، يضع المجتمع الاستهلاكي تحت تصرفنا ما لا نهاية من السلع، وليس علينا إلا شراؤها لإرضاء نزوات فلذات أكبادنا.
هذا الاقتران بين ظاهرة ديموغرافية وصعود النزوة المعولمة، في اقتصاد يجعل الدافع نحو الشراء قالب السلوك البشري، يقوض التشكيلات التقليدية للنظام المدرسي.
س: إلى أي مدى قلب هذا المعطى الجديد العلاقة التربوية بين المعلم والتلميذ؟
– فيليب ميريو : بعد أن دَرَّسْتٌ مؤخرا المستوى الخامس ابتدائي(CM2) ، بعد انقطاع دام عدة سنوات، لم يدهشني كثيرًا تدني المستوى الدراسي بقدر ما دهشت بالصعوبة الفائقة في احتواء فصل دراسي يشبه طنجرة الضغط.
عموما، التلاميذ ليسوا عنيفين أو عدوانيين، لكنهم لا يلزمون أماكنهم. وبالتالي، يجب على المعلم أن يقضي معظم وقته في محاولة بناء أو إرساء إطار تنظيمي. وغالبًا ما يحشر في ممارسة “بيداغوجيا النادل”، فيركض من مقعد إلى آخر ليكرر بشكل فردي تعليمة أعطيت بشكل جماعي سلفا، أو لتهدئة البعض وإعادة الآخرين إلى العمل، فتستغرقه طلبات دائمة لإجراء حوار فردي. ففي المسعى لجلب انتباه التلاميذ، غالبا ما يصاب المدرس بالإجهاد لتخفيف حدة التوتر. ففي عالم الزابينغ والتواصل” المتزامن”، مع الإفراط الدائم في المؤثرات التي تتوسل الرد الفوري، يصبح من الصعب أكثر فأكثر على المدرس ممارسة التدريس. العديد من الزملاء “يصطدمون” بشكل يومي باستحالة تنفيذ ما حدده غابرييل مدينييه (Gabriel Madinier) على أنه التعبير ذاته عن الذكاء:" انعكاس التشتت"
س: بما أن بعض الآباء لم يعودوا يربون أطفالهم من أجل الجماعة، ولكن من أجل نمائهم الشخصي، ألا يجب أن نأسف لأن الثقافة لم تعد قيمة مشتركة في أوروبا؟ وكيف يمكننا ضمان عودة دورها المركزي؟
مارسيل غوشيه: طرحت المعرفة والثقافة، باعتبارهما أدوات تمكن من بلوغ الإنسانية الكاملة، في سلسلة متصلة تمتد من الكياسة البسيطة إلى فهم العالم الذي نحيا فيه. هذا ما غذى المثل الأعلى للمواطن الديمقراطي. لقد فقدت المعرفة والثقافة هذا الوضع، وتم اختزالهما في دور نفعي (أو ترفيهي).
لقد نأت فكرة الإنسانية عن فكرة الثقافة، ولم نعد بحاجة إليها للوجود. نحن غارقون الآن في موجة خصخصة تلزمنا بأن نعيش لأنفسنا، وقبل كل شيء، ألا نهدر وقتنا في محاولة فهم ما يحيط بنا.
فوراء الشعار التحرري في الظاهر: ” افعل ما تريد!”، تكمن فرضية عدمية: لا جدوى من المعرفة، ولا سيطرة على العالم ممكنة. اهتم فقط بما هو ضروري لتشغيل المتجر، أما ما تبقى لك فهو أن تعتني بنفسك.
المدرسة عالقة اليوم في هذه الحركة الزاخرة من التجهيل ومحاربة العقل التي تطبع مجتمعاتنا، وهو ما يجعل مهمتها شاقة. ولا يعمل التلاميذ إلا على تأكيد ذلك باعتراضهم المتسلط: ما فائدة المدرسة؟ لأن هذه هي المفارقة الكبرى التي تعيشها مجتمعاتنا التي تتشدق بأنها “مجتمعات معرفة”، في حين أنها عميت عن رؤية الوظيفة الحقيقية للمعرفة.
لهذا السبب نشعر اليوم وكأننا مجتمع بلا هداة. لا يوجد عقل لمحاولة فهم ما يجري: نتفاعل وندبر ونتكيف. إن ما نحن بحاجة إليه حقا هو إعادة اكتشاف معنى المعرفة والثقافة.
س: هل هذا يعني أن سلطة المعرفة والثقافة لم تعد أمرا مسلما به، سواء كان الفصل الدراسي صعبا أم لا؟ وكيف يمكننا إعادة تحديد السلطة في المدرسة؟
–مارسيل غوشيه : لقد ولت السلطوية، وبدأت مشكلة السلطة ! لطالما روج الدين لنموذج السلطة (ما دمت لا تدرك أسرار الإيمان فوض أمرك لرجال الدين) وكذلك الجيش (السعي إلى الفهم عصيان). لقد انهارت هذه الأشكال من فرض الرأي من دون مناقشة. وهذا أمر جيد! ولكن تجدر الإشارة إلى أنه بمجرد أن تهاوت هذه الأشكال، حتى عاد سؤال السلطة ليثار من جديد. لماذا هذا السؤال مهم جدا في المدرسة؟
ببساطة لأن ليس بيد المدرسة من وسيلة تأثير أخرى غير السلطة، إذ يستبعد داخلها كل لجوء إلى القوة، ولن يجبر قيد مؤسساتي أبدا تلميذا على التعلم. وبالتالي تعتمد قدرة المدرس على الإقناع داخل فصله على الثقة التي وضعت فيه بما يتماشى مع التفويض الذي منحه المجتمع وكفلته المؤسسة. ونقف نحن لدعمه فيما هو مهمة جماعية.
بيد أن هذا الميثاق أضحى اليوم مثار شك، إذ يختزل المدرسون في جاذبيتهم (charisme) وحدها، ويعملون من دون توجيه أو تفويض مؤسسي واضح، ولم يعد المجتمع يسندهم من وراء بدءا بإدارتهم. وهذا يؤدي إلى أزمة السلطة في المدرسة: المدرسون ينوبون عن مجتمع لا يعترف بالدور الذي يقومون به.
فيليب ميريو: السلطة اليوم في أزمة لأنها فردية، ولم تعد مسنودة بوعد اجتماعي مشترك. في الماضي كان الأستاذ يستمد سلطته من المؤسسة، أما اليوم، فهو لا يستمدها إلا من شخصه. كانت المدرسة تكفل أن سلطة الأستاذ وعد بالنجاح -مؤجل، لكن حقيقي-لمن يمتثل لها.
اليوم، تنكث المدرسة بهذا الوعد، ولم تعد مقولة ” اعمل وسوف تنجح “عملة رائجة. وأضحت المدرسة، التي كانت يوما مؤسسة، خدمة، والتبادلات داخلها محكومة بحسابات الفائدة قصيرة الأجل. وأصبح ميثاق الثقة الذي يربطها بأولياء الأمور باطلا، إذ غالبا ما يعتبرونها سوقا يبحثون فيه عن أفضل قيمة مقابل المال.
التحدي الناجم عن هذا الوضع تحدي مضاعف. أولاً نحن بحاجة إلى إعادة مأسسة المدرسة حتى في هندستها المعمارية. وإذا كانت المدارس الثانوية النابليونية قد عملت بشكل جيد، فلأنها كانت في منتصف الطريق بين الثكنة والدير، فجمعت بين النظام والتأمل. إن إعادة مأسسة المدرسة تقتضي تهيئة مواقف كفيلة بإثارة الوضعيات العقلية للعمل الفكري، وبالتالي، من الضروري، إحداث تجانس داخلها بين الفضاء والزمن، وهيكلة الجماعات، وإقامة طقوس قادرة على دعم الانتباه وشحذ نية التعلم…
وبعد ذلك نحن بحاجة إلى استعادة متعة العمل، ضدا على المعرفة الفورية والنفعية، وكل انحرافات ” البيداغوجيا المصرفية". لا ينبغي اختزال مهمة المدرسة إلى اكتساب مجموعة من الكفايات، مهما كانت ضرورية، ولكن مهمتها هي بلوغ مرتبة التفكير. فمن خلال وساطة العمل الفني أو العلمي أو التكنولوجي، يتنظم التفكير، ويكتشف التلميذ متعة، ليست متعة السيطرة، بل متعة المشاركة.
س: يتطلب إعادة تحديد دور المدرسة إذن مراجعة نقدية لوسائلنا التعليمية أيضا؟
– فيليب ميريو : يصطدم البلوغ إلى العمل بالرغبة المحمومة لدينا في المعرفة الفورية، لأنه يتطلب تأجيل تسخير المعرفة والدخول في مغامرة فكرية. ولأن أطفال الحداثة يتوقون إلى المعرفة، بل يتوقون إلى معرفة كل شيء.
لكنهم لا يرغبون في التعلم حقا، لأنهم ولدوا في عالم يفترض فيه أن يمكن التقدم التقني من المعرفة دون تعلم: اليوم، من أجل التقاط صورة صافية، لا أحد يحتاج إلى حساب النسبة بين عمق المجال والسجاف (diaphragme)، ما دامت آلة التصوير تقوم من تلقاء نفسها بالمطلوب.
وبالتالي، أيستهدف النظام المدرسي تلاميذ يرغبون في المعرفة، ولكنهم لم يعودوا يرغبون حقا في التعلم، تلاميذ لا يخامرهم شك من الأساس في أن التعلم يمكن أن يكون فرصة للتمتع، تلاميذ يضعون نصب أعينهم الفعالية الفورية للمعرفة الآلية المكتسبة بأقل تكلفة، ولم يحققوا أبدا الرضا الرائع من بحث متطلب. هذا هو السبب في أن الهوس بالكفايات يجعلنا نضل عن الطريق. إن هذا الهوس هو نتاج "النزعة الإنتاجية" المدرسية التي تختزل فعل النقل إلى معاملة مالية وتتناسى أن كل تعلم هو قصة...
في الواقع، لطالما أبدت الثقافة الفرنسية مقاومة لنظريات التعلم، مفضلة عليها نظريات المعرفة: وهكذا يعتبر إلقاء المعارف، في الواقع، الطريقة الوحيدة للتدريس، سواء أخذ شكل نزعة موسوعية كلاسيكية أو أطرا مرجعية للكفايات السلوكية.
من هذه الوجهة، فإن المعرفة البرنامجية هي في حد ذاتها البيداغوجية الخاصة بهذه النظريات، وأي وساطة أو اشتغال على الرغبة، هو جزء من نزعة بيداغوجية وضيعة. يؤسفني غاية الأسف الجهل بتاريخ البيداغوجيا السائد في الثقافة الفرنسية، إنها معرفة ستساعدنا في الكشف عن التناقضات التي نتخبط فيها وأوجه القصور في ممارساتنا، وإعادة تحديد دور المدرسة.
– مارسيل غوشي : ماذا نعرف نحن عن معنى “التعلم”؟ لا شيء تقريبا في الواقع: فنحن ننتقل بسلاسة من فأر التجارب وعلم النفس السلوكي إلى الكفايات التي تهم الشركات. لكن الجوهري يكمن بين الاثنين، أعني فعل التعلم، المتميز عن المعرفة، التي لا نكف، عن خطأً، عن إعادة معناه إليها. التعلم، في الأساس، بالنسبة للطفل، هو أن يدخل أولا وقبل كل شيء عالم العلامات الخطية (graphiques) من خلال القراءة والكتابة، والوصول بهذه الطريقة إلى مصادر اللغة التي يكشف عنها وضعها الكتابي.
في الواقع، هذه عملية صعبة جدا ولم يحسم أمرها بعد. لأن القراءة ليست مجرد فك رموز، بل هي فهم أيضا. فهي تنطوي على سلسلة من العمليات المعقدة من التحليل والتسييق وإعادة التركيب التي لا نعرف عنها شيئا تقريبا. كيف إذا يمكن أن نتملك معنى النص؟
يتضح من واقع التجربة أن بعض التلاميذ يدركون المعنى دون عناء، بينما يعجز الآخرون لسبب يتعذر تفسيره. حقيقة، تعوزنا الحيلة بصدد هذه المسائل، فنتشبث بمزيج من التقاليد البالية والابتكارات التربوية العمياء إلى حد ما.
ومثلما أن أي مهنة لا تختزل إلى مجموع المهارات اللازمة لممارستها، فإن المعرفة لا تختزل كذلك إلى مجموع المهارات اللازمة للتحكم فيها. هل تكفي المهارة الخطية والكتابية والإملائية والنحوية للدخول إلى ثقافة عالمة(lettrée)؟ أنا لا أعتقد ذلك، لأن الولوج إلى المكتوب يعني القدرة على تحويل قيود اللغة إلى موارد للفكر.
إن هذا اللعب بين القيود والموارد هو نتيجة عمل بيداغوجي غير قابل للاختزال إلى تراكم المعرفة -الفعل وممارسة التمارين الآلية. بل يحيل إلى القدرة على ابتكار مواقف مولدة للمعنى تربط بشكل وثيق بين الاكتشاف والصورنة. بيد أننا نبتعد اليوم عن هذا بخطوات كبيرة من خلال إصدار كتيبات الكفايات التي تراكب مهارات تختلف أيما اختلاف مثل “معرفة كيف تكون مبدعًا” و “معرفة كيف ترفق ضميمة برسالة بريد إلكتروني".
إذن ما الذي يمكن أن تعنيه عبارة "اكتسب الطالب 60٪ من الكفايات المطلوبة"؟ يشير مفهوم الكفاية تارة إلى المعرفة التقنية القابلة للتكرار، وتارة إلى القدرات التي لا يتحقق منها، ولا يسعى أحد إلى معرفة كيف تتكون. هذه الأطر المرجعية تذري مفهوم الثقافة نفسها وتجعلنا نغفل عن تكوين التلاميذ على القدرة على التفكير.
س: في الوقت الذي ننتقل فيه من بيداغوجيا المعرفة إلى بيداغوجيا الكفايات، ما هي الرافعات السياسية التي تمكن من تجديد أدوار المدرسة؟
– مارسيل غوشيه : تحتاج المدرسة إلى تجديد أدوارها، لكن لن يكون في مقدورها فعل ذلك بمفردها. إنها ليست مجال تخصص مثل أي مجال آخر يكفي أن يعهد به إلى الخبراء حتى يجدوا الحل. لا يمكن حل المسألة التعليمية في ظل هذه الظروف. هذه مسألة تهم الحياة العامة إلى أقصى حد، وترهن مستقبل مجتمعاتنا، ولا يمكن التعامل معها إلا باعتبارها مسؤولية جماعية تهمنا جميعا، وليس فقط آباء التلاميذ.
ولعل أكثر التطورات الحالية إثارة للقلق هو أن تقود رؤية اقتصادية بحتة جهود البحث عن حلول للمسألة التعليمية، وهي رؤية تمت بلورتها وتطويرها على نطاق دولي.
وهذا ما تلخصه التغطية الإعلامية التي حظيت بها نتائج دراسات البرنامج الدولي لتقييم التلاميذ (PISA)، تحت إشراف ﻣﻧظﻣﺔ اﻟﺗﻌﺎون واﻟﺗﻧﻣﯾﺔ اﻻﻗﺗﺻﺎدﯾﺔ (OCDE). وتقوم وزارة التربية الوطنية فقط بترديد مفاهيم مشكوك فيها من قبيل الأداء الذي يجب أن تسعى إليه الأنظمة التعليمية.
هذه مفاهيم مشكوك فيها، ولو نظر إليها من زاوية العمالة والكفاءة الاقتصادية. من يستطيع أن يأخذ على محمل الجد كتيب الكفايات المعتمد في المدارس الإعدادية بهدف تقييم أفضل لمكتسبات التلاميذ؟
في العمل كما في بقية الوجود، بالفكر يتقدم الإنسان على كل الأصعدة. إن وظيفة المدرسة هي بكل بساطة أن تعلم التلاميذ مهارة التفكير، والإلقاء بهم في غمرة السعادة التي هي التحكم عقليا في الأنشطة التي يزاولون، أيا كانت. وهذا هو النهج الأكثر فعالية إلى حد بعيد. إن الوهم الذي نعيشه اليوم هو الاعتقاد بأننا سنحصل على أفضل النتائج العملية بالتخلي عن هذا البعد الإنساني.
فيليب ميريو: أتفق تمام الاتفاق مع مارسيل غوشيه حول أهمية التعبئة السياسية في موضوع التعليم الذي يتجاوز نطاق المدرسة. لا تقترح البرامج التعليمية للحزبين السياسيين الرئيسيين في فرنسا سوى "إصلاحات" مدرسية جديدة، إذ لا تشير البتة إلى الأسرة، ودور وسائل الإعلام، وتواجد البالغين في المدينة، والعلاقات العابرة للأجيال...
س: مارسيل غوشيه وفيليب ميريو، في حين أنكما تنتميان إلى حركتين مختلفتين، فقد سعيتما إلى تجاوز التعارض القائم بين ” البيداغوجيين” و “الجمهوريين”، هذا الخلاف القديم الذي يفرق بين أنصار معرفة النقل (savoirs de la transmission) ودعاة نقل المعرفة (transmission des savoirs) بشكل حصري. هل هذه علامة على نهاية الانقسام العنيد، بل المتصلب؟
.- مارسيل غوشيه : يبدو لي أن المعارضة بين البيداغوجيين والجمهوريين أصبحت من الماضي. أرحب بهذا، لأنني عملت دائما على تجاوز ذلك. إن الاختلاف النسبي بيني وبين فيليب ميريو يرجع ببساطة إلى اختلاف المنطلقات. ينطلق فيليب ميريو من البيداغوجيا، بينما أنطلق أنا من انشغال سياسي أكثر.
من المهم، بالتأكيد، معرفة التراث التربوي، لكن ربما أكون أكثر حساسية من فيليب ميريو للطابع غير المسبوق للوضع التربوي. لا يبدو لي الان أن أي خطاب موروث يرقى إلى مستوى واقع المدرسة الذي نشهده اليوم.
– فيليب ميريو : في الوقت الحالي، المهم هو خلق مدرسة تكون عمدا فضاء للبطء، ومكانا لتعلم التفكير، وتجربة عمل جماعي متضامن. ومع ذلك، ففيما يخص هذه القضايا، يبدو لي أن التراث التربوي في غاية الغنى والثراء. وفي المقابل، فإن الانقسام السياسي يقع بين أولئك الذين يعهدون للمدرسة بنقل مقدار من المعارف التقنية التي تضمن في النهاية قابلية تشغيل الأشخاص، وأولئك الذين يرون أن للمدرسة رسالة ثقافية تتجاوز مجموع المهارات التقنية التي تسمح باكتسابها. وهذه قضية مجتمعية تتطلب نقاشا ديمقراطيا حقيقيا.
ترجمة: عبد السلام اليوسفي