«معظم المتلاعبين لديهم سمات مشتركة»
أولًا: يمكننا تعريف التلاعب النفسي على أنه: ممارسة تأثير لا مبرر له من خلال التشويه العقلي والاستغلال العاطفي، بقصد الاستيلاء على السلطة والسيطرة والامتيازات على حساب الضحية.
بدايةً، من المهم التمييز بين التأثير الاجتماعي والصحي والتلاعب النفسي. إذ يحدث التأثير الاجتماعي الصحي بين معظم الناس، وهو جزءٌ من الأخذ والعطاء للعلاقات البناءة. أما في التلاعب النفسي يتم استخدام شخص لصالح الآخرين. يتعمّد المتلاعب في اختلال توازن القوة، ويستغل الضحية لخدمة أجندته.
يمتلك معظم الأفراد المتلاعبين أربع خصائص مشتركة: يعرفون كيف يكشفون نقاط ضعفك. بمجرد العثور على نقاط ضعفك يستخدمونها ضدك. من خلال مكائدهم الذكية، يقنعونك بالتخلي عن شيءٍ في نفسك لخدمة مصالحهم التي تركز على الذات.
في العمل، والمواقف الاجتماعية، والأسرية، بمجرد نجاح المتلاعب في استغلالك، من المرجح أن يكرر الانتهاك حتى تضح حدًا للاستغلال.
لنتفق هنا أنَّ الأسباب الجذرية للتلاعب المزمن معقدةٌ وعميقة الجذور. ولكن مهما كان دافع المرء للتلاعب النفسي فإن هناك معاناة شاقّة في كونك الطرف المتلقي لمثل هذا العدوان. حسنًا! كيف يمكن للمرء أن يدير هذه المواقف بنجاح؟ فيما يلي ثمانية مفاتيح مهمة، علمًا أنه قد لا تنطبق جميع هذه النصائح على حالتك الخاصة، استخدم ببساطة ما ينفع معك واترك الباقي:
اعرف حقوق الإنسان الأساسيّة الخاصة بك. أهم مبدأ توجيهي عندما تتعامل مع شخص متلاعب نفسيًّا هو معرفة حقوقك، والتعرف على وقت انتهاكها. طالما أنك لا تؤذي الآخرين، يحق لك الدفاع عن نفسك والدفاع عن حقوقك. من ناحية أخرى، إذا تسببت في إلحاق الضرر بالآخرين، فقد تفقد هذه الحقوق. فيما يلي بعض حقوق الإنسان الأساسية لدينا:
لديك الحق:
  1. أن تُعامل باحترام.
  2. أن تعبّر عن مشاعرك وآرائك ورغباتك.
  3. لتحديد أولويّاتك الخاصّة.
  4. أن تقول «لا» دون الشعور بالذنب.
  5. أن تحصل على مقابل ما تدفعه.
  6. أن تتفرّد بآراء مختلفة عن الآخرين.
  7. لرعاية وحماية نفسك من التهديد الجسدي أو العقلي أو العاطفي.
  8. لخلق حياتك السعيدة والصحيّة.
  9. تُمثّل حقوق الإنسان الأساسيّة هذه حدودك.
طبعًا مجتمعنا مليء بالأشخاص الذين لا يحترمون هذه الحقوق. خصوصًا المتلاعبون نفسيًّا، فإنهم يريدون حرمانك من حقوقك حتى يتمكنوا من السيطرة عليك والاستفادة منك. لكن لديك القوة والسلطة الأخلاقيّة لتعلن أنه أنت -وليس المتلاعب- هو المسؤول عن حياتك! وهذه نقطة مهمة جدًا.
حافظ على المسافة الخاصة بك. تتمثّل إحدى طرق اكتشاف المتلاعب في معرفة ما إذا كان الشخص يتصرّف بوجوه مختلفة أمام أشخاص مختلفين وفي مواقف مختلفة. في حين أن جميعنا لدينا درجة من هذا النوع من التمايز الاجتماعي. يميل بعض المتلاعبين نفسيًّا إلى الإسراف عادةً في التطرّف، أو أن يكون -الواحد منهم- مهذّبًا للغاية تجاه فرد، ووقحًا تمامًا تجاه آخر. عندما تلاحظ هذا السلوك من فرد بشكلٍ منتظم، حافظ على مسافة صحية، وتجنّب الانخراط مع الشخص إلا إذا كنت مضطرًا تمامًا. كما ذكرنا مسبقًا، فإن أسباب التلاعب النفسي المزمن معقدة وعميقة الجذور. ليس من وظيفتك تغييرها.
تجنّب لوم الذات وأخذ الأمور على محمل شخصيّ. نظرًا لأن أولويّة المتلاعب هي البحث عن نقاط ضعفك واستغلالها، فمن المفهوم أنك قد تشعر بعدم كفايتك، أو حتى تلوم نفسك لعدم إرضاء المتلاعب. في هذه المواقف، من المهم أن تتذكّر/ي أنك لستَِ المشكلة! يُتلاعب بك ببساطة لتشعر بالسوء حيال نفسك، لذا من المرجح أن تتنازل عن سلطتك وحقوقك.. فكّر الآن في علاقتك مع المتلاعب، واطرح الأسئلة التالية:
  1. هل يعاملني باحترامٍ حقيقي؟
  2. هل توقعات هذا الشخص ومطالباته معقولة؟
  3. هل العطاء أصلًا في هذه العلاقة من جهةٍ واحدة أم من جهتين؟
  4. عمومًا، هل أشعر بالرضا عن نفسي في هذه العلاقة؟
  5. تعطيك إجاباتك على هذه الأسئلة أدلة مهمة حول إذا ما كانت «المشكلة» في العلاقة معك أو مع الشخص الآخر.
حاصره بطرح الأسئلة الاستقصائية. حتمًا، سيقدم المتلاعبون نفسيًّا طلبات أو مطالب منك. غالبًا ما تجعلك هذه «العروض» تخرج عن طريقك وطبيعتك لتلبية احتياجاتهم. عندما تسمع طلبًا غير معقول، من المفيد أحيانًا إعادة التركيز على المتلاعب ومحاصرته من خلال طرح بعض الأسئلة الاستقصائية لمعرفة ما إذا كان لديه أو لديها ما يكفي من الوعي الذاتي للتعرّف على عدم المساواة والجور في مخططهم. أسئلة مثل:
«هل يبدو معقولًا بالنسبة لك؟»
·      «هل ما تريده مني سليمًا؟»
·      «هل لي رأي في هذا؟»
·      «هل تسألني أم تخبرني؟»
·      «إذن، ما الذي أحصل عليه من هذا؟»
·      «هل تتوقع مني حقًا [كرّر الطلب غير المنصف]؟»
 
عندما تطرح مثل هذه الأسئلة، فأنت تضع مرآة، حتى يتمكّن المتلاعب من رؤية الطبيعة الحقيقيّة لحيلته. إذا كان لدى المتلاعب درجة من الوعي الذاتي، فمن المرجح أن يسحب الطلب ويتراجع.
من ناحية أخرى، فإن المتلاعبين المرضى حقًا (مثل النرجسي) سيرفضون أسئلتك ويُصرّون على شق طريقهم والاستمرار بنمطهم. إذا حدث ذلك، فقم بتطبيق الأفكار من النصائح التالية للحفاظ على قوتك، ووقّف التلاعب.
استخدام الوقت لصالحك. بالإضافة إلى الطلبات غير المعقولة، غالبًا ما يتوقع المتلاعب أيضًا إجابة منك على الفور، لزيادة الضغط عليك والتحكم بك في الموقف. (هذا التكنيك يطلق عليه مندوبو المبيعات «إغلاق الصفقة»). خلال هذه اللحظات، بدلاً من الاستجابة لطلب المتلاعب على الفور، فكِّر في الاستفادة من الوقت لصالحك، وإبعاد نفسك عن تأثيره المباشر. يمكنك ممارسة القيادة على الموقف ببساطة بقول:
«سأفكّر بشأنه». ضع في اعتبارك مدى قوة هذه الكلمات القليلة.. من عميلٍ إلى مندوب مبيعات، أو من شخص مستهدف رومانسيًّا إلى ملاحقٍ مهووس، أو منك إلى متلاعِب. خذ الوقت الذي تحتاجه لتقييم إيجابيات وسلبيات الموقف، وفكر فيما إذا كنت تريد التفاوض على ترتيب أكثر إنصافًا، أو إذا كنت أفضل حالًا بقول «لا»، مما يقودنا إلى نقطتنا التالية.
اعرف كيف تقول «لا» الدبلوماسيّة، ولكن بحزم. إن القدرة على قول «لا» دبلوماسيًّا ولكن بحزم؛ هي ممارسة فعّالة في فنِّ التواصل. هذا التعبير الصريح يسمح لك بالوقوف في موقفك مع الحفاظ على علاقة عمليّة. تذكّر أن حقوق الإنسان الأساسيّة الخاصة بك تشمل الحق في تحديد أولوياتك الخاصة، والحق في أن تقول «لا» دون الشعور بالذنب، والحق في اختيار حياتك السعيدة والصحيّة.
مواجهة المتنمرين بثقة. يُصبح المتلاعب النفسي أيضًا متنمرًا عندما يقوم بتخويف أو إيذاء شخص آخر.
أهم شيء يجب أن تضعه في اعتبارك بشأن المتسلطين هو أنهم يختارون أولئك الذين يرونهم أضعف، طالما أنك ما تزال سلبيًا ومستسلمًا، فإنك تجعل نفسك هدفًا! لكن العديد من المتنمرين هم أيضًا جبناء داخليًّا، فعندما يقرر (الضحيّة أو الهدف) أن يتصدّى له ويقف حازمًا من أجل حقوقه، غالبًا ما يتراجع المتنمر؛ وهذا الواقع في ساحات المدارس، وكذلك في البيئات المنزلية والمكتبية.
في ملاحظة متعاطفة، تظهر الدراسات أن العديد من المتنمرين هم ضحايا للعنف أنفسهم. هذا لا يعفي بأي شكل من الأشكال سلوك التنمّر، ولكن قد يساعدك على النظر في التنمر في ضوء أكثر توازنًا:
  1. «عندما لا يحب الناس أنفسهم كثيرًا، يتطلب عليهم تعويض ذلك النقص. كان المتنمر الكلاسيكي في الواقع ضحيّة أولًا» (توم هيدلستون).
  2. «بعض الناس يحاولون أن يكونوا طويلين بقطع رؤوس الآخرين» (بارامانسا يوغاناندا).
  3. «أدركت أن التنمّر لا علاقة لك بها أبدًا. المتنمر هو الذي يشعر بتزعزعٍ نفسيّ وعدم أمان» (شاي ميتشل).
عند مواجهة المتنمرين، تأكد من وضع نفسك في موقف يمكنك فيه حماية نفسك بأمان، سواء كان ذلك في مكان مرتفع بمفردك، أو وجود أشخاص آخرين حاضرين للمشاهدة والدعم، أو الحفاظ على دليل (مثل التسجيل الصوتي/الفيديو) للسلوك المسيء. في حالات الإساءة الجسدية أو اللفظية أو العاطفية، استشر الاستشاريين أو القانونيين أو المسؤولين عن تطبيق القانون أو المهنيين الإداريين. من المهم أن تتصدى للمتنمرين، وليس عليك القيام بذلك بمفردك.
تحديد العواقب. عندما يصر المتلاعب النفسي على انتهاك حدودك، ولن يأخذ «لا» للإجابة، عبّر عن العواقب. تعد القدرة على تحديد وتأكيد النتيجة (النتائج) -التي تستخلصها من سلوكه المتسبّب-، إحدى أهم المهارات الفعّالة التي يمكنك استخدامها «للتنحي» عن الشخص الصعب المعقد، والنتيجة إنما هي توقف مؤقت للفرد المتلاعب، وتجبره على التحول من الانتهاك إلى الاحترام.
 إعداد: أروى الفَهَد