كثر الحديث مؤخرا عن مفهوم المشروع الشخصي والمهني للمتعلم وعن امكانيات تحقيقه في عالم سريع التحولات ( اقتصاديا، اجتماعيا، ثقافيا...)، نحن هنا لن نغوص في تعريف المفاهيم والمصطلحات المصاحبة لهذا المفهوم، بقدر ما سننطلق من الواقع وسنحاول معرفة مدى بناء هذا المشروع و كيفية العمل على انجازه و تحقيقه اخذين بعين الاعتبار إمكانية فشل المشروع وتهيئ البديل (لان طريق تحقيق المشروع لا يمكن أن يكون دائما خاليا من المشاكل والإكراهات).فبدون حلم وثقة في النفس والعزيمة مقرونة بالعمل لن يمكن للمشروع أن يتحقق في أي ميدان كان. ومن هذا المنطلق يمكن ان نطرح عدة اسئلة حول هذا الموضوع، منها:
- * كيف هي التمثلات (صحيحة / خاطئة) التي بداخلنا حول ما نراه في ذواتنا ومحيطنا؟
- * ما علاقة هذه التمثلات بمشاريعنا؟
- * هل نحن واعون بوضع البديل بجوار المشروع حينما يحصل الفشل؟
- * هل نضع استراتيجية لتحقيق أهدافنا ؟
- * هل نواكب المستجدات وبناء عليها نبني المشروع ونطوره ؟
- * هل يتطور المشروع مع تطور المتعلم ( الذات والمحيط)؟
- * ما مكانة ثقافة المشروع في الوسط المجتمعي؟
لكل تمثلاته على ذاته و محيطه وعلى مجريات احداثه ، وبقدر ما نفهم هذه المتغيرات بقدر ما نغير تمثلاتنا حولها مما يعني أن مشروعنا لابد له كذلك من ان يساير هذه التحولات التي تطرأ.
إن تمثلاتنا و مشاريعنا تربط بينهما علاقة متينة ، لأنه بقدر ما لدينا تمثلات صحيحة حول تحقيق المشروع كلما عملنا على توفير الاليات الصحيحة لتحقيقه والعكس صحيح. إذن، فقبل وضع اية خطة لأي مشروع لابد أولا من تصحيح التمثلات الخاطئة حوله حتى تكون البداية، على الاقل، صحيحة.
ففي الميدان التربوي كثيرا ما نتكلم على المشروع الشخصي والمهني وننسى مشروع الحياة الذي نريده. فكيف اذن يمكن أن نبني مشروعا قابلا للتحقيق يتماشى وغايتنا من وجودنا في الحياة؟
فكما يعرف المختصون، فتنشيط التطور المهني والشخصي يرتكز على اربعة مراحل رئيسية لتحقيق المشروع (دون إغفال البعد الزمني الذي يلعب دورا كبيرا في هذا التحقيق)، وهي:
- *مرحلة الاستكشاف (خلالها يتم جمع المعطيات وطرح الأسئلة)،
- *مرحلة البلورة (خلالها يتم ترتيب وتصنيف المعطيات)،
- *مرحلة التخصيص (خلالها يتم التقييم والاختيار)،
- *مرحلة الانجاز (خلالها يتم انجاز وتحقيق المشروع).
إننا كثيرا ما نسمع بغياب المشروع الدراسي والمهني عند بعض المتعلمين، ولكن حينما تتم المناقشة معهم نجدهم، دون تحديد مشروع معين واحد مع العمل على توفير البديل في حالة الفشل او لا زالوا لم يحددوه خوفا من الفشل نظرا للتحولات التي يمكن ان تحدث وتؤدي الى فشل مشروعهم.
على أي، فإنّ أي متعلم يكون حاملا معه مشروعا ما، لكن تبقى الاشكالية هي في عدم كتابته ومناقشته والتصريح به مع منهم أهل لتطويره او تصحيح بعض ثغراته (ربما خوفا من إذاعة المشروع، وخاصة بين الأقران). فالكل يبني مشروعه دون ان يصرح به (يمكن للمشروع أن يكون قابلا للإنجاز والتحقيق ويمكن أن يكون عكس ذلك).
إن من اكبر المشاكل التي يعيشها المتعلم هي عدم وضعه بديلا لمشروعه حين فشله، وإذاك نراه يبحث عن اي بديل اخر وهذا ما يؤثر على عطاءه وممكن ان يجره الى الفشل سواء في دراسته (تقهقر النتائج-إعادة التوجيه-...) او في مهنته (البحث عن مهنة أخرى – إعادة التكوين...).
فبناء المشروع الشخصي الدراسي والمهني تنص عليه عدة وثائق في التوجيه التربوي، وهنا تركت الاختيار للتلاميذ، في اختيار او عدم اختيار تتبع المشروع من طرف الاطر المكلفة بهذه المهام تتبع مشاريع التلاميذ الذين يرغبون في ذلك). وهنا لابد من الإشارة أن هناك عددا لا يستهان به من التلاميذ يصرحون بمشاريعهم ويتابعون تحقيقها مع اطر التوجيه التربوي وذلك بناء على رغباتهم (ألا يمكن أن نفرض على أي احد تتبع مشروعه).
ومن بين الاشياء التي يجب اخذها بعين الاعتبار هي معرفة وتتبع المستجدات (التكوينات- المهن الجديدة -اعداد المناصب المتوفرة - نسب الادماج...) التي تلعب دورا كبيرا في بناء المشروع، لأنه يمكن اعادة النظر في بعض جوانبه او تغييره ولكن دائما في المحافظة على توجهه العام (من حيث الرغبة فيه و القدرة على تحقيقه ...)، لان المشروع يتطور مع نمو الإنسان، الجسدي والفيزيولوجي والفكري... ومع تطور التكوينات والمهن.
فبتوسيع ثقافة "مفهوم المشروع" داخل المجتمع وداخل المؤسسة التعليمية...(كمشروع المؤسسة مثلا) وإدماج التربية على الاختيار داخل الوسط التعليمي نكون قد قمنا بتهييء النشء على التخطيط ووضع استراتيجيات تحقيق أهدافه.
إن من بين المفارقات العجيبة نجد ان التلاميذ الذين يكونون واقعيين في بناء مشاريعهم الدراسية والمهنية (كيفما كان مستواهم الدراسي والاجتماعي) يتمكنون من تحقيقها وبدون عناء كبير (وهنا لابد من الإشارة إلى أن عدة أطراف تتدخل في بناء مشاريع المتعلمين من داخل وخارج منظومة التربية والتكوين).
فبناء المشروع، من التمثلات إلى التحقيق، تتدخل وتتحكم فيه عدة عوامل منهما ما هو مرتبط بالمتعلم نفسه او بمحيطه لذلك لابد له ان يعرف كي يوفق بينها باستغلال الامكانيات المتوفرة لديه وذلك بمساعدته في تنمية ذاته لكي يستطيع اخراج مكامنها وتعريفه بمحيطه التربوي/ الدراسي والاقتصادي والتحولات التي يعرفها سوق الشغل مع تتبع مراحل انجازه وتوفير البديل في حالة الفشل، من أجل غاية واحدة وهي تحقيق مشروع الحياة.
بقلم: محمد بكنزبز (بتصرف)