1 - أهداف تدريس الرياضيات:

1 - 1 : الأهداف العامـة :  

يندرج النشاط الرياضي Activité mathématique باعتباره نشاطا إنسانياً، "في سياق تنمية كفاية استعمال اللغة الرياضية " (Vergnioux,.A., 1991, p.104)؛ بغية تحقيق غايات نفعية وثقافية وتكوينية. ومن الأهداف النوعية للنشاط الرياضي نذكر

      * جعل التلميذ مدركا بأن الرياضيات هي مجموعة من الأدوات التي تساعد على حل مشكلات حياتية ومشكلات معقدة وإعطاء معنى لهذه الأدوات.

      * تنمية فكر المتعلم وإكسابه مهارات وكفايات تؤهله لحل مختلف المشكلات.

      * تعويد التلاميذ على التعامل مع سيرورة التجريد، عوض الاكتفاء بتعليمهم مفاهيم مجردة.

      * تنمية القدرة على إدراك المشكلات.

      * تعلم تقدير الكميات وإنجاز القياسات.

      * تنمية الفكر الاحتمالي إلى جانب الفكر الحتمي.

     * جعل التلميذ مدركا للعلاقات العضوية الموجودة بينه وبين العالم المحسوس، وجعله متفهما الفرق بين الواقع والنموذج الرياضي.
      * تعلم تأويل النتائج مع تحديد شروط تصنيفها.

2 - 1 : الأهـــداف العامة لتدريس الرياضيات بالمدرسة الابتدائية :

   "اعتبارا للتكامل الواجب تحقيقه بين مختلف الأسلاك والمراحل التعليمية، لا بد من الانطلاق من مبدأ عام يتمثل في كون مادة الرياضيات، بمختلف مكوناتها، عملية تربوية أساسية، تستهدف تكوينا للتلميذ، يتكامل فيه الجانب المعرفي والجانب الوجداني، والجانب السلوكي، إضافة إلى أن مثل هذا التكامل في أبعاده الفكرية والنفسية والاجتماعية كفيل بتمكين المتعلم من :

     - القدرة على التفاعل مع العالم الخارجي.

     - الاستقلال المعنوي، والثقة بالنفس، والاعتماد على الذات.

     - تنمية روح الإبداع والمبادرة والتنافس الشريف.

     - القدرة على تحقيق ذاته، وإنماء شخصيته، وثقته بمؤهلاته الشخصية، وعلى التواصل، والاستعداد للعمل الجماعي.

كما يهدف تدريس الرياضيات إلى تمكين المتعلمين من :

     - بناء واكتساب المفاهيم والمعارف والمهارات والتقنيات.

     - تنمية استعداداتهم، وإغناء قدراتهم في مجالات الملاحظة والبحث والتجريد والاستدلال والدقة في التعبير.

    - اكتساب المفاهيم الرياضية اللازمة لفهم واستيعاب محتويات باقي المواد، وخاصة منها العلمية والتكنولوجية، فضلا عن جعل المتعلم يتخذ مواقف إيجابية من مادة الرياضيات".

2- نظرية الوضعـيات:

 انطلاقا من هذه الأهداف المذكورة أعلاه، نجد أن المبدأ الأساسي التي تقوم عليه ديداكتيك الرياضيات هو "أن الرياضيات ليست مجموعة من طرق أساليب للحسابات يقتصر على معرفتها، بل هي معرفة تبنى كجواب على أسئلة ( Vergnoux. A. 1991, p.11). وفي هذا السياق يقدم لنا Brousseau مفهوما مركزيا للديداكتيك، ألا وهو الوضعية الديداكتيكية التي يعتبرها " مجموعة من العلاقات التي يحددها العقد الديداكتيكي بشكل ظاهر أو ضمني بين التلميذ أو مجموعة من التلاميذ ووسط معين ونظام تربوي (المدرس)، تهدف جعل التلاميذ يمتلكون معرفة منظمة (مكونة) أو في طريق التكوين". فالوضعيات الديداكتيكية تستهدف تعليم وتعلم الرياضيات. وقد حدد بروسو سيرورة التعلم في الوضعيات الديداكتيكية التي يتم بها الوصول بالتلميذ إلى حالة معينة، ويرى أن الوضعيات التي تساعد على بناء المعرفة هي:

   - وضعيات الفعل أو جدلية الفعل، وتهدف إلى حل مشكلة معينة، ويمكن أن تكون مصدر معرفة أو معرفة عملية جديدة savoir-faire nouveau.

    - وضعيات الصياغة أو جدلية الصياغة : وتخصص لتبادل المعلومات بتعبير شخصــي.

    - وضعيات التصديق أو جدلية التصديق : ويتم خلالها تبرير النتائج المتوصل إليها وإثبات صلاحيتها.

   - وضعيات المأسسة أو جدلية المأسسة: ويحدد خلالها المدرس العلاقات التي يمكن أن توجد بين السلوكات والإنتاجات الحرة للتلميذ والمعرفة العلمية من جهة، والمشروع الديداتيكي من جهة أخرى.

وتجدر الإشارة إلى أن بروسو نمذج مفهوم الوضعية واستبدلها بـ "اللعبة الديداكتيكية" jeu didactique التي أرفقها بتحليل دقيق نوجزه كما يلي:

تعمل "اللعبة الديداكتيكية" على ربط علاقة بين "اللاعب الأول (المدرس) الذي يحمل نية تدريس معرفة معينة و"اللاعب الثاني" (التلميذ)، وتهم أدوار اللعبة المنظمة من طرف المدرس أربعة شركاء هم : المدرس، التلميذ، المحيط القريب Environnement immédiat والوسط الثقافي. ويميز بروسو نوعين رئيسيين من أدوار المدرس في "اللعبة الديداكتيكية" هما:

التفويض Dévolution : وفي هذ الحالة يتفاعل التلميذ في استقلالية وحرية مع الوسط (الوضيعة المسألة ) كيفما هو موجود طبيعيا أو كيفما نظم، بهدف إعطائه فرص التعلم. يتخذ التلميذ قرارات مدعمة بمعارفه السابقة، ويربط علاقات دالة بين الوضعية السابقة والحل الجديد. ويتطابق هذا النوع مع النشاط مع "وضعية ديداكتيكية" Situation a-didactique.

المأسســــة Institutionnalisation : في هذه الحالة يحدد المدرس – كما سبقت الإشارة إلى ذلك – الروابط الموجودة بين السلوكات والإنتاجات الحرة للتلميذ والمعرفة العلمية وبينهما وبين المشروع الديداكتيكي، وهذا النوع يتلاءم مع " العقد الديداكتيكي ".

3- العقد الديداكتيكي:

 من خلال كتابات بروسو نستنتج أن "العقد الديداكتيكي" هو ما يحدد ظاهريا وبالخصوص بشكل خفي ما سيقوم بتدبيره كل من الأستاذ والتلاميذ، ويبين J.P.Astolfi في هذا السياق "أن العقد الديداكتيكي لا ينتج عن تفاوض بين المدرس والتلاميذ كما تريده بيداغوجية العقد"، بل يفترض توضيح القواعد التي تنظم العلاقات بين المدرس والتلاميذ في موضوع معرفي محدد". ومن خلال ذلك، فإن العقد الديداكتيكي يقترن بالمعارف التي تكون موضوع تعلم، ويقترن بتدبير الزمن ، ويتغير حسب تطور الوضعيات، ويحدد واجبات وحقوق كل من المدرس والتلاميذ، فيما يتعلق بالمعرفة من حيث توزيع المسؤوليات و تبان المفاهيم والمعارف التي ينبغي اكتسابها، في إطار سيرورة تبرز تمثلات التلاميذ، وتفضي إلى تصحيحها تدريجيا وبطريقة عملية، غير أن هذه السيرورة تقتضي إعطاء المسؤولية للتلاميذ لاستعمال وبناء معارفهم، الشيء الذي ينتج عنه مفارقات في العقد الديداكتيكي نذكر منها على الخصوص:

- مفارقات تفويض الوضعيات Paradoxe de la dévolution des situations إذا عجز التلميذ في حل مشكلة، فإنه يطلب التوضيحات الضرورية من المدرس، ومن واجب هذا الأخير اجتماعيا أن يدرس كل ما هو ضروري للحصول على المعرفة. وبفعل ذلك (أي بنزول الأستاذ إلى رغبة التلميذ)، فإنه ينقص من حظوظ تعلم هذا التلميذ.
نفس الشيء ينطبق على التلميذ ، ذلك أنه إذا قبل – اعتماداً على العقد – أن يدرسه الأستاذ النتائج ، فإنه لا يتعلم لأنه لا يبني معرفته بذاته ولا يتوصل إلى النتائج بمجهوده، وعلى العكس من ذلك, فإن رفضه لآية معلومة من طرف المدرس يعرض العقد الديداكتيكي إلى فقدان التوازن ويفرغه من معناه".

- مفارقة تكييف الوضعيات Paradoxes de l adaptation des situations تحدث هذه الفارقات نتيجة عدم إيجاد وضعيات ديداكتيكية متناسبة مع القدرات الاستيعابية للتلاميذ، الشيء الذي يضع المدرس أمام اختيارين:

 أ‌  - اختيار تبسيط الوضعيات لجعلها في متناول التلاميذ، وهو ما يؤدي أحيانا إلى تشويه المعرفة العلمية.

ب ‌- اختيار احترام الشروط العلمية للمعرفة الرياضية وتقديمها كمعرفة عارفة Savoir-savant ، وهو ما يعذر التعلم لأن هذه المعرفة ليس لها معنى بالنسبة للتلميذ.

وفي كلتا الحالتين، يوضع التلميذ أمام مفارقة؛ إذ عليه أن يفهم ويتعلم، لكن ليتعلم يجب أن يرفض- إلى حد ما-الفهم، ولكي يفهم، فإنه يعرض نفسه لعدم التعلم.

  وتأسيساً على هذه المفارقات، يتبين أن للوضعيات الديداكتيكية أهمية وازنة في الحصول على التعلم. وعليه، فإنه ينبغي إعطاؤها ما تستحق من تفكير وتأمل لجعلها غنية ومفيدة في التعلم، وهو ما يقتضي اختيارها بدقة ودراسة متغيراتها الديداكتيكة بعمق خصوصا فيما يتعلق منها بتنويع استراتيجيات وطرائق البحث عن الحلول وإمكانية الحصول على حلول متعددة بطرق مختلفة وأهمية الأخطاء وعلاقتها بالعوائق الإبستمولوجية والبيداغوجية وبأخطاء التلاميذ. فما هي العوائق ؟ وما هي أنواعها؟ وما هي علاقة العائق بأخطاء التعلم؟

4- العوائق وعلاقتها بأخطاء التلاميذ:

في مقاربة لهذه الأسئلة، نسوق بعض عناصر الأجوبة كالتالي:

 العائق الإبستمولوجي هو مجموعة من التعطلات والاضطرابات التي تكون سببا في ركوض وتوفق المعرفة العلمية. وترتبط هذه التعطلات والاضطرابات بفعل المعرفة ذاته.

قدم باشلار تصنيفا للعوائق التي يرى ضرورة تجاوزها للانتقال من مرحلة الفكر قبل –العلمي pré-scientifique إلى مرحلة الفكر العلمي، ومن العوائق المهمة التي صنفها باشلار:

عائق التجرنة الأولى : ويتجلى في الخطإ المرتبط بالمعرفة الأولى التي يحصل عليها الإنسان بصفة طبيعية، حيث - ينخرط بكل غرائزه وبكل ذاته في ملاحظة الظواهر الأكثر إثارة للاهتمام والدهشة. ومن ذلك، يرى باشلار انه من الضروري أن يحرر المدرسون تلاميذهم من الخطأ الناتج عن تجربتهم الأولى.

- العائق الجوهري Substantialisme : 
ويتمثل في إبعاد الفكر العلمي عن كل موضوعية، نتيجة إعطاء المادة جوهرا يحتوي بدوره على صفات كأن نقول مثلا : " الصوف دافىء والزجاج بارد "، غير أن الواقع يفيد بأن الدفىء والبرودة ليستا صفتين من صفات المادة وإنما نتيجة لعلاقة الأجسام ببعضهما البعض. وهذا ما أسماه باشلار ب "أسطورة الباطن ".

- عائق الإحيائية Obstacle animiste 
ويتجلى في إسقاط صفة الحياة على ما هو "غير حي" لتفسير الظواهر الفيزيائية. فالمعارف البيولوجية الإحيائية توجه الفكر "قبل-العلمي" إلى اعتبار الحياة كمعطى عام وتجعله يراها في كل شيء.

وهكذا ركز كل من باشلار وبروسو على أهمية العوائق الابستمولوجية وعلاقتها بتعلم المعرفة العلمية، وتكمن هذه الأهمية في معرفة أخطاء التلاميذ وربطها بالعوائق الابستمولوجية التي تعترض الفهم. وقد أعطت أفكار باشلار وبروسو في هذا المجال بعداً عميقا لمفهوم العائق البيداغوجي، فما هو هذا العائق ؟ وما هي علاقته بأخطاء التلاميذ ؟
اعتماداً على الأدبيات التربوية، يمكن تعريف العائق البيداغوجي بالحاجز الذي يعذر على التلميذ اكتسابه لبعض المفاهيم والمعارف ، وذلك لأسباب عديدة قد تكون ديداكتيكية.

 وفي هذا الصدد تعتبر مساء لة التلاميذ أداة رئيسية للكشف عن سبب وقوعهم في الخطأ. وغالبا ما يرتبط هذا السبب بتصورات وتمثلات التلاميذ. ويفيدنا باشلار في هذا الجانب بأن "كل معرفة تمثل بالنسبة للعالم جوابا عن سؤال مطروح، ولولا وجود المشاكل والأسئلة لما وُجدت المعرفة العلمية".

 وفي نفس الاتجاه، يمكن القول إنه لا وجود لشيء معطى أو معرفة مجانية وبديهية لأن كل المعارف تؤسس وتبني.

وهو ما يعزز Vergnaud بقوله " تتكون المعرفة اعتمادا على مشاكل للحل، أي على وضعيات نطالب بالسيطرة عليها، ولا تخرج المعرفة الرياضية عن هذه القاعدة الابستمولوجية العامة".

 ومن ذلك تنظر البيداغوجية الحديثة ومنها بيداغوجية الكفايات إلى الخطأ نظرة إيجابية وتعتبره حليفاً استرتيجياً للفعل التعلمي، وأداة ضرورية ملازمة للتعلم وبناء المعرفة. وفي هذا المجال يقول باشلار: "إننا نتعلم على أنقاض المعرفة السابقة، وذلك بتحطيم المعارف التي لم نحسن بناءها... لذلك وجب على المربين أن يعلموا التلاميذ اعتماداً على تحطيم أخطائهم". ولتحقيق ذلك، لا بد من تشخيص الخطأ والبحث عن مصدره. ومن بين مصادر أخطاء التلميذ نجد:

* المصدر النمائي، ويرتبط بمرحلة نمو لا تسمح للتلميذ باستيعاب مفاهيم معينة.

المصدر الابستمولوجي : ويتمثل في صعوبة المفهوم وعدم وضوحه بالنسبة للمدرس، مما يؤثر سلبا على مدى فهمه من قبل التلاميذ.

* المصدر الديداكتيكي، ويرتبط بأقطاب الوضعية الديداكتيكية ( التلميذ - المعرفة - المدرس)، ويمكن أن يرتبط الخطأ في هذه الوضعية بالتلميذ من حيث تأخره وإعاقته وتطوره وتحفيزه، أو بالمدرس من حيث تكوينه واستعداده، أو بالمعرفة من حيث طبيعتها أو بالتصورات والتمثلات الأولية للتلاميذ حولها.

 5 - الإ طـار المنهجي العـا م:

+  المنهجية المعتمدة في تدريس الرياضيات بالمدرسة الابتدائية:
 يندرج التصور المنهجي المعتمد في تدريس الرياضيات بالمدرسة الابتدائية في سياق ما توصلت إليه الدراسات والأبحاث التربوية الحديثة، حيث يتأسس على مبدأين: أولهما أن الطفل هو الفاعل الأساسي في بناء معارفه. وثانيهما أن حل المسألة هو منطق ومنتهى هذا التعليم. فقد أصبح هذا التصور محط إجماع من طرف المشتغلين بقضايا تعليم وتعلم الرياضيات.

 فالتوجيهات التربوية الصادرة عن وزارة التربية الوطنية والشباب في إطار إصلاح المناهج والبرامج التربوية، تؤكد على دور المسألة في بناء تعلمات التلاميذ، كما تبين البحوث العلمية في ديداكتيك الرياضيات، وبالخصوص بالمدرسة الابتدائية، أهمية حل المسألة في سيرورة تعلم التلميذ، بالإضافة إلى أن الدراسات المهتمة بسيكولوجية المعرفة، وبالخصوص النظرية البنائية لبياجي، تظهر أهمية التفاعلية بين الذات والمحيط (أي بين التلميذ والمسألة) في الوصول إلى بناء التلميذ لمعارفه الرياضية.

إن تعلم التلميذ يرتكز بالأساس على نشاطه الذاتي، ليبني كفاياته الرياضية الجديدة وذلك بالاعتماد على حل المسألة. فوضع التلميذ أمام مسألة تشكل بنيتها تحدياً لمعارفه، مدعاة لإعمال فكره، ورفع التحدي، فيتم بذلك تطويع المعارف السابقة لتتكيف والوضعية الجديدة، وهو ما يتيح تطويرها وإعادة تنظيمها من جديد، ثم إدماجها في بنيته المعرفية لتصبح هي نفسها معرفة جديدة، تمكنه من حل المسألة التي وضعت له، وكذلك لحل مسائل أخرى من نفس الصنف وفي سياقات أخرى. إن الوصول إلى حل المسألة يتم عبر مراحل متدرجة هي :

    - فهم المسألة، إذ لا يعول على ممارسة رياضية دون فهم.

- الملاحظة والبحث والتجريب.
- الربط بين المعطيات للوصول إلى استنتاجات واستدلالات.
- التفكير في طريقة للحل وتنظيم مراحله.
- تحديد العمليات المناسبة وطريقة إنجازها.
- تقديم الحل في إطار جماعة الفصل، وما يتطلب ذلك من حجج، لتبرير مراحله وصلاحيته.

هكذا يتبين أن حل المسألة ليس عملية آلية بل هو سيرورة لبناء المعرفة، تتطلب كفايات متعددة، ويكون حل المسألة، حافزاً لتنميتها وتطويرها. وهي كفايات معرفية، وكفايات منهجية ترتبط بحل المسألة، وكفايات ممتدة تتعلق بالفهم وبالتواصل وبالتنظيم. ومن هنا لا يكون تعلم الرياضيات عن طريق حل المسألة مقتصراً على بناء واكتساب الكفايات الرياضية، بل يتم وبتآن مع ذلك، تطوير وإنماء كفايات منهجية.

وحتى يتسنى إرساء الكفاية الرياضية التي تم بناؤها، لا بد من التمرن والتدرب على استخدامها، ثم توظيفها باستثمارها في مجالات أوسع، حتى نضمن امتلاكها وجاهزيتها من طرف التلميذ، لتكون بذلك أداة إجرائية، يمكنه استخدامها في حل مسائل أخرى.

إن بلورة هذا الاختيار، محتوى ومراحل، يبقى في حالة ركود، إذا لم يتم تفعيله، وهو تفعيل رهين بالدور الحاسم الموكول للمعلم في ممارسته البيداغوجية، باعتباره شريكاً ومسؤولاً ومدبراً لتعلمات تلامذته. وتتجلى أهمية ممارسته البيداغوجية من خلال الأدوار الآتــية :

   - بناؤه وتنظيمه لوضعيات محفزة على التعلم.

   - تقديمه للشروح والتوضيحات بأساليب متعددة، شروحاً تعتمد لغة في متناول التلميذ، أو رسوما وتخطيطات تساعده على الفهم.

   - تعرفه على الصعوبات التي تعترض التلاميذ والعمل على معالجتها.

   - استفادته من الأخطاء المرتكبة للكشف عن تمثلات التلاميذ،
والنظر إلى الأخطاء على أنها مرتبطة بنشاط التلميذ، فلا يدينها أو يعمل على التكتم عليها، باعتبارها جزءاً لصيقا بالتعلم.

   - تشجيعه التلاميذ على المشاركة في الحوار، الذي يصاحب عرض النتائج.

  - وقوفه على درجة اكتسابهم للمعارف والمفاهيم والمهارات الرياضية التي كانت موضوع تعلم، من خلال مختلف أنواع التقويمات التي ينجزها.

  - تهييئه للوضعيات والأنشطة المناسبة لمسارات فارقية، تأخذ بعين الاعتبار اختلاف المستويات.

  - تنظيمه للوضعيات التعليمية/التعلمية،بحرصه على احترام خصوصية المراحل في تدرجها، وعمله على تحقيق التكامل بين هذه المراحل، حتى تكون منسجمة والمسارات التي يتعلم وفقها التلاميذ.

عمله على توحيد ما توصل إليه التلاميذ بإعطائه صبغته الرياضية على مستوى التسمية، الصيغ، والرموز إلخ...

حرصه على تنمية سلوكات مناسبة للمهام الموكولة إلى التلميذ والتي نوجزها كالتـــالي:

  - بناؤه لتعلماته اعتماداً على نشاطه الفكري والتنظيمي.

  - تقديمه للحلول التي يتوصل إليها : يشرح ويبرر المراحل التي اتبعها في التوصل للحل.

  - يناقش أقرانه فيما أنجزوه.

  - يتمرن ويستثمر تعلماته لإغنائها.

   نخلص من هذا التحديد لأدوار المعلم والمتعلم أن التواصل لغة ، باعتبارها وسيلة مهمة في الشرح والفهم، في إطار اجتماعي مجاله جماعة القسم، يلعب دوراً مهما في تعلم التلاميذ، سواء عند تقديم الوضعيات التعليمية/التعلمية، أو عند عرض واستثمار النتائج التي يتوصلون إليها، وفي مختلف مراحل التعلم.

فبعد تقديم التعليمات المصاحبة لكل نشاط وشرحها، يجب التأكد من فهم التلاميذ للنشاط المقترح ولدعامته (صورة، رسم، نص لغوي، كتابة رياضية). وهو ما يتوقف على تعبيرهم عن هذا الفهم بالأساليب المناسبة : لغة ، رسم تخطيطي، إلخ...

وبعد إنجازهم للمطلوب، يتم عرض النتائج من طرف التلاميذ (عينة ممثلة لكل مستويات القسم)، ويتم تنظيم الحوار المعرفي قصد الوقوف على التمثلات الخاطئة، وتحديد مصادرها ومعالجتها، وكذلك تثمين الإنجازات الصحيحة والتي قد تكون مقنعة بالنسبة للأقران، وبذلك يتم تبنيها.

إن تدريب التلاميذ على هذا السلوك في جميع مراحل التعلم، يصبح سلوكاً عاديا داخل القسم، مما ينمي رغبتهم في تعلم الرياضيات، لإحساسهم بدورهم، وبأهمية ما يقومون به في بناء كفاياتهم الرياضية.

+ مراحل درس الريــــاضيات:

يتكون درس الرياضيات من أربع مراحل:

 - المرحلة البنائية :

وتتضمن وضعية أو وضعيات تقدم للتلميذ قصد إيجاد حلها ، ويمكن تدبيرها كالتــالي:

يقدم المدرس للتلاميذ الوضعية ويساعدهم على قراءتها وفهمها بحيث تصبح مسؤولية حلها من مسؤولية التلميذ وهو ما يعني "تفويض" البحث لهم عن حل المسألة المقدمة (Dévolution ) . وهو ما يقابل جدلية الفعل.

بعد إيجاد الحل، ينظم المعلم العمل داخل القسم ليبين التلاميذ كيف توصلوا إلى الحل. وهو ما يقابل جدلية الصياغة.

تعطى فرصا للتلاميذ لتبرير نتائجهم ومناقشتها وهو ما يقابل جدلية التصديق.

يتدخل المعلم في آخر هذه المرحلة ليوصل المعرفة التي توصل إليها التلاميذ، وذلك بتقديمها في إطارها الرياضي (تسمية رياضية – قاعدة - رمز – تعريف)، وهو ما يقابل جدلية المأسسة.

- المرحلة الترييــضــيـة :

وتتكون من مجموعة من الأنشطة التي يتطلب إنجازها تطبيقا مباشراً لما تم بناؤه في المرحلة السابقة. وهو ما يتيح للتلاميذ إمكانية التمرن والتدريب على ما تم تعلمه.

- المرحلة التقويــــمية:

وتتكون من مجموعة من الأنشطة التي يسعى من خلال إنجازها تقويم حصيلة مكتسبات التلاميذ في الدرس برمته. ولتدبيرها ينبغي اتباع الخطوات الآتية :

- يقرأ المربي تعليمة أو تعليمات كل تمرين ويشرحها.

- ينجز التلاميذ بالتتابع التمارين بشكل فردي.

- تستثمر النتائج عن طريق تصحيحها ومناقشتها جماعيا.

 - المرحلة الداعمــــــة :

ينبغي أن تسمح الأنشطة المقترحة خلال هذه المرحلة بممارسات فارقية، تمكن التلاميذ الذين لهم صعوبات من تجاوزها بدعم معرفي من طرف المربي. وتمكن التلاميذ غير المتعثرين من توسيع استخدامهم للمفاهيم والمعارف والمهارات التي تعلموها.

نستخلص من كل ما سبق أن ما ينبغي التركيز عليه هو جعل المتعلم في قلب الاهتمام والتفكير والفعل خلال العملية التربوية التكوينية، وذلك من خلال توفير الشروط والظروف لفتح سبل أمام التلاميذ تجعلهم منفتحين ومؤهلين وقادرين على تعلم الرياضيات؛ " إن تحقيق هذه الغاية رهين بنهوض نظام التربية والتكوين بوظائفه كاملة تجاه الأفراد والمجتمع؛ ومن بين هذه الوظائف، أن يمنح الأفراد فرصة اكتساب القيم والمعارف والمهارات التي تؤهلم للاندماج في الحياة العملية، وفرصة مواصلة التعلم، كلما استوفوا الشروط والكفايات المطلوبة، وفرصة إظهار النبوغ، كلما أهلتهم قدراتهم واجتهادهم" (اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين, 1999، الميثاق الوطني للتربية والتكوين ص: 10 )

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المـراجع المعـتمدة:
- المملكة المغربية، اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين ، 1995، الميثاق الوطني للتربية والتكوين.
- لجان مراجعة المناهج التربوية المغربية للتعلم الابتدائي والإعدادي والتأهيلي، نومبر 2000، مراجعة المناهج التربوية – الكتاب الأبيض.

BROUSSEAU, G. , 1987, Fondements et méthodes de la didactique des mathématiques, Recherches en didactique des mathématiques, Aubénis d’Ardèche , France.
BROUSSEAU , G., 1982, Les objets de la didactique des mathématiques, IEM, Orléans .
VERGNAUD , G. , 1982, Les objets de la didactique des mathématiques, Actes de la 2ème école de didactique des mathématiques, Éditions IREM d’Orléans.
VERGNAUD , G. , 1981, L’enfant, la mathématique et la réalité, Lang, Berne.
VERGNAUD, G., BROUSSEAU, G. et HULIN, M. , 1988, Didactique et acquisition des connaissances scientifiques, La pensée sauvage, Paris.
.VERGNIOUX, A. , 1991, Pédagogie et théorie de la connaissance, Lang, Berne.

  • إعداد: عبد النبي الحراق

أضف تعليق


كود امني
تحديث