1 : مقدّمة وتعريف:
لا أحد يجادل اليوم بكون الدراسات التربوية في مجال استراتيجيات التدريس، أخذت تشق لنفسها طُرقا متعددة ومتنوعة، من أجل تلمس تصوراتها وأدواتها التقنية بشكل علمي ودقيق، حتى تنسجم مع معطيات سيكولوجية وبيداغوجية وديداكتيكية جديدة؛ تقوم على مبدأ الفعالية والعقلنة. هذا يعني اختصارا، التوجه نحو تنظيم مصادر الفعل التعليمي وفق تصور منطقي يقود إلى الهدف المنشود عبر تجاوز الممارسة القائمة على العفوية والارتجال، إلى الممارسة المرتكزة على تقنيات وقواعد يقينية وسهلة.
ومن بين هذه التقنيات نجد " السؤال". إذ، إلى جانب كونه تقنية ووسيلة بيداغوجية بيد المدرس، فهو في نفس الوقت سبيل إلى تنمية العقل المتسائل لدى المتعلم، قادر على جعله يستنبط الأهمية القصوى لمختلف المجالات المعرفية وإكسابه الأدوات الفكرية الضرورية لفهم تلك المجالات. إضافة إلى كونه يستهدف تحقيق النماء العقلي والتفكير العلمي الرصين والنضج الانفعالي والاجتماعي لديه، وبالتالي تمكينه من تشغيل الكثير من قدراته العقلية المختلفة.
من هذا المنظور تتضح أهمية السؤال في الممارسة البيداغوجية. وتبرز الصعوبات المحيطة باستعماله السليم والفعال داخل الفصل الدراسي؛ باعتباره الوسيلة الفضلى الملازمة للمدرس والمتعلم على حد سواء في جميع مراحل الفعل التعليمي، وعبر مختلف الأنشطة المرتبطة بالتكوين والتعليم. ولكي يستمد "السؤال" أهميته المذكورة، ويحقق غرضة التعليمي، لابد من أن يتسم ببعض المواصفات التربوية المحددة، لعل من أبرزها على الإطلاق ما يلــي:
2 : مواصفات السّؤال الجيّــد:
* وضوح وسهولة عباراته مع الدقة والشمولية والتنوع؛
* أن يكون خاليا من الغموض والإرباك والمعيقات في الصياغة والبناء؛
* أن يرتبط بموضوع الدرس، مع الأخذ بعين الاعتبار الفروف الفردية بين المتعلمين؛
*أن يكون مثيرا للتفكير العميق، ومشغلا للقدرات الذهية العليا (كالتحليل والتركيب مثلا)؛
* أن يلامس مختلف جوانب شخصية المتعلم ( معرفية ، وجدانية، مهارية)؛
* أن يتدرج من السهل إلى الصعب، وفق عَـرض يُساهم في البناء المنطقي للمعارف والأفكار؛
* أن يكون مَثار حِيرة وفضول للمتعلم دونما استهداف لتعجيزه؛
* أن يمنح الوقت الكافي للمتعلم، قصد التمعن في مفاتح الإجابة المتضمنه فيه؛
* أن لا يكون موجَّها في الغالب للقدرات الذهنة الدنيا (كالمعرفة والتذكر مثلا) ؛
* أن لا يكون سهلاً مبتذلاً، ولا صعبا فيحبط عزيمة المتعلم؛
3 : خـاتـمــة:
هذه إذن جملة من مواصفات "السؤال"، التي يُمكن اعتبارها الأساس الموجه لكل ممارسة بيداغوجية وديداكتيكية جادة وفعالة داخل الفصل الدراسي. فكلما كان السؤال مُحدَّد الأهداف ومُصاغا بشكل جيد، إلا وساعد المدرس على خلق الشروط التحفيزية للتعلم الجيد، وجعل أسلوبه مؤثراً يسمح بتوفير الجهد والوقت المناسبين، ويعمل على تشغيل مختلف قدرات المتعلم الشخصية؛ حاثا إياه على التفكير العميق في الإجابة الصحيحة عن الإشكالات المعرفية المتعددة، ومساعداً له على البرهنة والانتاج والابتكار في الحلول المناسبة لمختلف قضاياها المطروحة.
بقلم: سعيد أولاد الصغيـر
التعليقات