لقد كبرتُ اليوم يا أمي
لم أعد أطعم العصافير من على نافذتي
وما عدت المايسترو القائد لعزف موسيقى الصّباح
وشدّو العنادل التي تحوم حول شرفتي
سأتوقف عن جمع الورد وارتشاف العطر ..
قد كبرت يا أمي
رأيت للتوّ رجلاً يبيع أحلام صديقه
دون أنّ ترتعد فرائصه
أو ترتعش حجيرات قلب الأخير
وامرأة تفترش الجّانب الأخر من الطّريق
تسأل المارة: عن أولادها
تطلق أسمائهم على رصاص بنادق المارقين ..
تائهة ..
منذ أجهش بالبكاء ذلك الحيّ العتيق
فغادرته على متن آخر دمعة
بزورق حزين
وعكاز أعمى
وجراب من رماد الحكايا وصور الراحلين ..
أريد أن أعبر يا أمي
لكن الجّسور مقطعة في داخلي
كلّما ردمتُ هوّة
زاد الطّريق وعورة
وكلّما أردت العودة
ركضت خلفي أسراب الألّم
بعفاريتها وسلعواتها والجنيات
طامعين في أنّ أعود إلى الوراء
ليقفزوا على ظهري ..
لم أكن أعلم ان خيباتي تنتظر بشغف
لحظة سقوطي فيها
وكلّما أنا دنوت ومددت يدي إلى صرّة أحلامي
أفك عقدتها
أبحث عن سكاكر
خبأتها في جيوب معطف العمر القديم
عادت لناظري بيضاء إلا من غيمة عجفاء
تنوس من جوع ومن عطش شديد
وسبع شامات صغار
ما تزال في طور تعلم الحبو والمسير
مزقتها أنياب ذلك الشّتاء السّخيم
من ذا الذي منحني كلّ هذا الحزن ؟
وشطف عتبة الرّوح بماء الفرات
وغرس أنين سعف النخيل في دمي ؟
أخبرني أحدهم ذات ألم
بأنني امرأة طاعنة في الخيبات
وأنني لم أعد طفلة
وأن ضحكاتي كانت مواسم فقيرة
وأني حللت أزرار الحياة قبل نضجها
وأن قلبي حالم جداَ
لكنه ليس بشعاع شمس منير ..
بقلم: جنان الحسن (سوريا)