يتعرض نصف الطلاب على مستوى العالم في سن 13 إلى 15 عاما، إلى التنمر والعنف من نظرائهم داخل المدرسة مما يؤثر سلبا على تعليمهم، طبقا لتقرير صادر عن "اليونيسيف" بعنوان "درس يومي .. القضاء على العنف في المدارس". ووفقا للتقرير، فإن ثلاثة من أصل عشرة طلاب في 39 دولة صرحوا بتعرضهم للتنمر.
* التنمر والمدرسة:
  يرتبط التنمر بالبيئة المدرسية فقط، بوصفها المكان الأكثر صلاحية لنشأة هذا السلوك وممارسته من طفل لديه نزعات سيئة، ويوضح الكاتب والطبيب النفسي أحمد سعيد، أن "العنصرية مثلا لا تعد تنمرا، فمن الممكن أن يكون الشخص عنصريا تجاه أصحاب البشرة السمراء، لكنه لا يمارس عنفا ضدهم، بينما التنمر مرتبط بفعل أو باستهداف شخص"، مؤكدا أن الطفل يتحول إلى متنمر عندما يعتمد الإيذاء النفسي مثل التهكم والإقصاء والتهديد في مواجهة أقرانه.
وتعرف منظمة اليونيسف "التنمر" أنه "أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال، ضد طفل آخر أو إزعاجه بطريقة متعددة ومتكررة، وقد يأخذ التنمر أشكالا متعددة مثل نشر الشائعات أو التهديد، أو مهاجمة الطفل بدنيا أو لفظيا، أو عزل طفل ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل ملحوظ".
  ويعتقد سعيد أن أحد أسباب التنمر هو "دائرة إعادة العنف"، لافتا إلى أن كثيرا من الأبحاث أكدت أن الأطفال الذين يمارسون التنمر، هم في الأصل ضحايا بسبب البيت.
  لكن ذلك لا يعد السبب الوحيد بحسب "سعيد"، فهناك مشاكل نفسية يعاني منها بعض الأطفال تجعلهم عدوانيين وليس بالضرورة أن يكون قد مورس عليهم عنف في وقت سابق أو إهمال أو تجاهل من الآباء.
ويلفت إلى أن "سلوك القطيع" أحد الأسباب المهمة للتنمر، ويقول للجزيرة "يميل معظم الأطفال إلى تكوين عصابات لممارسة العنف، تحديدا الصبيان الذين يفضلون الانضمام إلى مجموعة قوية تمارس العنف ضد غيرها"، مضيفا "أيضا البحث عن الشهرة واستعراض القوة هو ما يدفع بعض الأطفال إلى ممارسة التنمر خاصة إذا كانت قوته الجسمانية تساعده في ذلك".
  ويرى سعيد أن "الأطفال قد يكونون من بين أكثر المتنمرين ضراوة، فأفعالهم القاسية تنبع من عدم إدراكهم تأثيرها النفسي على الضحية"، موضحا أن الطفل المتنمر لا يكترث للأمر لأن الضحية لا تعاني أي ألم بحسب اعتقاده، وكل ما يهمه هو إثارة انتباه الأطفال الآخرين.
* ضحايا التنمر:
يؤثر "التنمر" سلبا على نفسية الضحية ويستمر لعقود طويلة، يبدأ بنبذ التعليم والتأخر الدراسي، والاضطراب النفسي وانعدام الثقة بالنفس، ثم العزلة والعنف المضاد وصولا إلى الانتحار.
ويورد موقع "اليونيسف" عددا من الآثار الشائعة التي يتركها التنمر على الضحية، منها:
  1. فقدان الثقة بالنفس.
  2. فقدان التركيز وتراجع المستوى الدراسي.
  3. الخجل الاجتماعي والخوف من مواجهة المجتمعات الجديدة.
  4. احتمال حدوث مشاكل في الصحة النفسية مثل الاكتئاب، والقلق، وحدوث حالات انتحار.
  وفي مصر -على سبيل المثال- تقدر "اليونيسف" تعرض 70% من التلاميذ الذين تتراوح أعمارهم بين 13و 15 عاما لشكل من أشكال التنمر، مثل السلوك البدني العدواني تجاه الطفل أو تجاه متعلقاته، والمضايقات اللفظية، والإهانة، أو التهديد، أو الاستبعاد عن الأنشطة بشكل متعمد ومتكرر.
  وتنتشر حوادث التنمر في مصر بشكل لافت، وكان آخرها ما تداوله مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي لمقطع فيديو منتصف الشهر الماضي، يظهر سخرية و"تنمر" شابين على طالب أفريقي من أصحاب البشرة السمراء، محاولين الاستيلاء على حقيبته، وانتهى الأمر سريعا بعد إلقاء القبض على الشاب المتنمر.
  لكن هناك حوادث تنمر أخرى انتهت بشكل مأساوي، في سبتمبر قبل عامين، إذ كتبت "سعاد محمد" والدة الطفل إياد البالغ من العمر 12 عاما، على صفحتها على فيسبوك "مش مسامحة (لن أسامح) أي حد (شخص) كان السبب في انتحار ابني".
انتحر الطفل بعد إصابته باكتئاب حاد نجم عن تنمر زملائه به في المدرسة والسخرية منه، وصل إلى حد إطلاق أسماء بشعة عليه وازدرائه، بسبب تشوهات في وجهه وقدميه نتيجة حريق شب في منزله، وفقا لبوابة الأهرام.
  يقول سعيد "التأثير النفسي على الضحية سيئ بشكل كبير لا يبرأ منه طوال حياته، وبعض الحالات يصيبها أمراض القلق والاكتئاب ويزيد من احتمالية رغبتها في إنهاء حياتها".
* كيف يواجه طفلكِ المتنمرين؟
ينصح سعيد الأمهات بتوعية أبنائهم بالتنمر وكيفية التعامل مع المتنمرين من خلال عدة نقاط:
1- الابتعاد عن الطفل المتنمر وعدم الاستجابة لاستفزازاته.
2- إحاطة ابنك بمجموعة من الأصدقاء للاطمئنان والشعور بالثقة، خاصة وأن المتنمر يختار ضحاياه المنعزلين.
3- إبلاغ المسؤولين في المدرسة بشكل فوري، مع توعيته بأن إبلاغ المسؤولين ليست علامة على الجبن أو العجز بل هو دليل على الجرأة والشجاعة.
4- الرد بحزم على المتنمر، فالمتنمر عادة لا يتوقع من الضحية مواجهته، والأفضل أن تشددي على طفلك بعدم الانفعال ومحاولة ضربه أو أي تلامس جسدي، لكن بالرد بقوة عبر كلمات واضحة وبسيطة دون خوف أو غضب مثل "توقفْ عن ذلك".
5- تدريب الطفل على مهارات الرد بحزم، مثل الحفاظ على اتصال العين عند مواجهة المتنمر، والحفاظ على صوت هادئ، والوقوف على مسافة مناسبة منه، واستخدام اسم المتنمر عند التحدث إليه.
6- تجنب الكلام بأسلوب عاطفي مع المتنمر، لأن ذلك يمنحه سلطة أكبر لممارسة تنمره على الضحية.
7- تعليم الطفل الثقة بنفسه وعدم السماح لأحد بالتشكيك في قدراته وإمكانياته.
8- توعية الطفل بعدم التحول أبدا لشخص عنيف وعدواني جراء أفعال المتنمرين، مع تذكيره بالفرق بينه وبين من يسيؤون للآخرين.
بقلم: فريدة أحمد (بتصرّف)