إذا كانت الطرق التي يلجأ إليها المعلم غير المعد إعدادا نفسيا و تربويا للمهنة لا تصلح في معظمها للوصول إلى أفضل طرق التعلم المدرسي، فما الذي يقدمه علم النفس التربوي للمعلم الذي يتلقى هذا النوع من الإعداد؟.

 يدرك المعلمون من تجاربهم و خبراتهم في الميدان التربوي أن عملية التعليم و التعلم معقدة و يشعرون بالحاجة إلى اكتساب المهارات التي تمكنهم من تحقيق الأهداف المعقودة على التعليم بكفاية و فعالية، ويسعى علم النفس التربوي بما لديه من نظريات في التعلم و اختبارات في القياس النفسي إلى تحقيق ذلك مراعيا الفروق الفردية بين التلاميذ، مقدما الأساس العلمي لهذه النظريات والمبادئ في صورة تجارب أجراها علماء النفس في هذا الميدان.
ويمكن أن نلخص أهمية و فوائد علم النفس التربوي بالنسبة للمعلم فيما يلي:
استبعاد ما ليس صحيحا حول العملية التربوية:
1 - من المهام الرئيسية لعلم النفس التربوي أن يساعد المعلم على استبعاد الآراء التربوية التي تعتمد على ملاحظات غير دقيقة، و خاصة تلك التي تعتمد على الخبرات الشخصية و الأحكام الذاتية و الفهم العام، التي لا يتفق دائما مع الحقائق العلمية، و تقبل هذه الآراء العامة، و الفهم العام لا يحسمها إلا البحث العلمي المنظم.و هذه إحدى المهام الرئيسية لعلم النفس التربوي.


2 - تزويد المعلم بحصيلة من القواعد و المبادئ الصحيحة التي تفسر التعلم المدرسي:
المهمة الثانية لعلم النفس التربوي هي تزويد المعلم بحصيلة من القواعد و المبادئ الصحيحة التي تمثل نظرية في التعلم المدرسي.
و القواعد و المبادئ التي يوفرها هذا العلم هي (نتائج) البحث العلمي المنظم التي يمكن تطبيقها في معظم المواقف التربوية و ليس في كلها. و بصفة عامة فقد نجد أن أحد المبادئ السيكولوجية قد يصلح لبعض الممارسات التربوية أو بعض طرق التدريس و لا يصلح للبعض الآخر، بل أن بعض هذه المبادئ قد يكون أكثر ملاءمة إذا توفرت مجموعة من الشروط المدرسية و الخصائص النفسية للتلاميذ و المعلم، بينما قد يصلح بعضها الآخر في ظروف تعليمية مختلفة أو مع تلاميذ و معلمين آخرين.
ومع ذلك فإن معظم مبادئ التعلم المدرسي التي يتزود بها المعلم من علم النفس التربوي تصلح لمعظم الممارسات و المواقف التربوية، و من هذه المبادئ ما يتصل مثلا بتجميع التلاميذ و تصنيفهم و تدريسهم و استخدام المسائل التعليمية و طرق التدريس و طرق التقويم و غير ذلك.
- إكساب المعلم مهارات الوصف العلمي و الفهم النظري و الوظيفي للعملية التربوية:
من المهام الرئيسية لعلم النفس التربوي أيضا إكساب المعلم مهارات الفهم النظري و الوظيفي للعملية التربوية بحيث يصبح هذا الفهم أوسع نطاقا و أعمق مدى و أكثر فاعلية، معتمدا على الملاحظة العلمية المنظمة و طرق البحث القائمة عليها.
و لا يتحقق هذا الفهم العلمي و مهارته في المعلم إلا من خلال تحقيق أهداف علم النفس التربوي و التي لا تختلف في جوهرها عن أهداف العلم بصفة عامة و هي:الوصف و التفسير و التنبؤ و الضبط.
4 - تدريب المعلم على التفسير العلمي للعملية التربوية:
  أشرنا إلى أن التفسير من مكونات الفهم العلمي ومن أهم إسهامات علم النفس التربوي أنه يدرب المعلم على هذا النوع من التفكير بحيث يصبح قادرا على تفسير مختلف أنماط السلوك التي تصدر عن التلميذ و خاصة إذا استمرت لفترة من الزمن، و بهذا يستطيع المعلم أن يميز بين أنماط السلوك التي تثير الاهتمام و التي لا تثيره، فمثلا قد يوجد في قسمه تلميذ بطئ في استجابته للتعليمات أو الأسئلة، ومع ذلك لا يتعجل في الحكم عليه بالتخلف الدراسي أو بطئ التعلم، وإنما يبدأ ملاحظته بطريقة علمية منظمة، و قد يتوصل من ذلك إلى أن بطئ التلميذ في الاستجابة إنما يرجع إلى ضعف سمعه.
  وهكذا يوصف هذا المعلم بأنه تدرب على نوع أخر من الفهم العلمي هو التفسير أو التفكير السببي. و المعلم المدرب على هذا النوع من التفكير، من خلال دراسته لعلم النفس التربوي يحاول الإجابة على السؤال التالي: ما الذي يسبب سلوك التلاميذ ؟. أو ما العوامل المسئولة عن إحداث هذا السلوك ؟ و بهذا يتقدم المعلم بخطوات واسعة نحو الفهم الأفضل للعملية التربوية، و لا تكون استجابته لسلوك تلاميذه انفعالية أو دفاعية، و خاصة في المواقف التربوية المشكلة مثل اضطراب النظام داخل القسم.

5 - مساعدة المعلم على التنبؤ العلمي بسلوك التلاميذ وضبطه:
 من مهام علم النفس التربوي الرئيسية دراسة العوامل المرتبطة بالنجاح و الفشل في التعلم المدرسي، ومن هذه العوامل: طرق التعلم و وسائله، و شخصية المتعلم و مستوى نضجه، و العوامل الوراثية و والظروف الاجتماعية المحيطة، و الدافعية، والجو الانفعالي المصاحب للتعلم، و بالطبع لا يزال أمام علم النفس التربوي شوط بعيد لاكتشاف الكثير من خصائص التعلم و الشروط التي يتم فيها. و مع ذلك يوجد في الوقت الحاضر ثروة هائلة من نتائج البحوث التي تفيد في تحديد العوامل المؤثرة في التعلم سواء داخل القسم أو خارجه.

                                                           المصدر: آفاق علمية وتربوية

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث