تعلب الميول دوراً بارزاً في حماس الطلاب على الدراسة فنرى الذين لديهم ميلاً ورغبة للدراسة هم أكثرهم إنجازاً وتفوقاً. فالميل كما يعرِّفه المختصون بأنه شعور وجداني وحالة استعداد ورغبة نحو موقف أو مادة أو ظاهرة أو شخص أو نشاط أو شيء ما فهي رغبات واهتمامات الأفراد، فالميول هي نزعات إيجابية نحو مواد وأشياء تكون محببّة ومرغوبة، والذي يهمّنا ونحن بصدده معرفة مدى ميول أبناءنا نحو المجالات المستقبلية في حياتهم بعد تخرجهم من المرحلة الثانوية، ونتساءل هل لديهم اهتمامات معينة نحو مواد دراسية محددة؟ وهل هناك رعاية واهتمام لتنمية ميول الطلاب وتوجيهها وفق قدراتهم واستعداداتهم منذ سن مبكرة سواءً في المدرسة أو المنزل؟ وما دور الارشاد الطلابي في تنمية ميول الطلاب في مدارسنا؟.

  ما دعانا لطرح هذه التساؤلات هو ما نلمسه لدى أبناءنا عندما نتحاور معهم حول أمنياتهم المستقبلية، تسأل أحدهم وهو على أعتاب التخرج من المرحلة الثانوية ما هي طموحاتك؟ وماذا تريد أن تصبح مستقبلاً؟ وإلى أين ستّتجه بعد إتمام دراستك؟ وتفاجأ أنه لا يعلم شيئاً ولا يفهم ماذا تقول وماذا تعني ولا يعرف ماذا يريد أو يصبح بعد تخرجه من الثانوية، وأما طموحاته المستقبلية فهي مجهولة لا تجد لديه إجابة واضحة شافية فينتابك شعور أن طريق مستقبله يكتنفه ضبابية وربما يخبرك أن مصيره يقرِّره درجة اختبار القياس ونتيجة تحصيله الدراسي؛ فالطالب لم يحدِّد بعد رغبته في التخصص سواءً في الجامعة أو الكلية أو أي جهة أخرى لأنه لم يرسم مستقبلاً ولم يحدد هدفاً يبني عليه ملامح مستقبله، وإنما هي متروكة لغوائل الزمن فهو كفيل بها فهذا الشاب وغيره هو ضحية وعرضة للضياع، وإلا أين دور الوالدين في تنمية رغباته ورعاية اهتماماته وتوجيه قدراته واستعداداته لتهيئته نحو المجال الذي يناسبه في مستقبل حياته؟

  قد يغيب ذلك عن الآباء لعدة عوامل، كالمستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي أو عدم اهتمام الأسرة بضرورة توعية أبناءهم بتفضيلاتهم الحقيقية منذ الصغر إلى غير ذلك من الأسباب. وغالباً نجد كثيراً من الابناء يلتحقون بتخصصات ومجالات ليست نابعة من اختيارهم هم أنفسهم، بل هي جاءت تحقيقاً لرغبة الوالدين الذين لاشك أنهم يتمنّون لهم طريقاً ومستقبلاً أكثر أماناً وضماناً في حياتهم. ولكنّهم نسوا ولم يعلموا قدرات وإمكانات واستعدادات أبناءهم وميولهم المدفونة. وقد يخفقون ويتعثرون في دراستهم فيتسرّبون أو يغيّرون مسارهم، بحثاً عن مجال آخر أو يتأخرون عن أقرانهم الذين معهم في نفس البرنامج أو المجال مما يكلِّفهم ضياع سنوات من أعمارهم. 

  وبنظرة أبعد وفي نطاق أوسع في مجتمعاتنا نرى أن هناك ثقافة مشاعة لدى العامة من الناس لبعض المجالات والتخصصات في المؤسسات والمعاهد والكليات المهنية (ميكانيكة، صناعية، زراعية، تجارية، كهربائية...) أو حتى بعضاً من التخصصات الجامعية التي ينظر إليها نظرة دونية ودون المستوى المأمول. في حين تتجه الأنظار نحو كليات وأقسام معينة وأنها هي المستقبل والأمل المشرق دون مراعاة لميول الشباب ورغباتهم.

  ولعل تنمية الميول لدى الطلاب تعوّل بشكل بارز على المدرسة، انطلاقاً من المرحلة الابتدائية بل وما قبل المدرسة. فالمدرسة يفترض أن تكون هي المكان الخصب والحضن المناسب والبيئة المتاحة التي يتم من خلالها زرع بذور الرغبات والميول والاهتمامات، ومعرفة كل طفل أو طالب ما يتناسب وقدراته واتجاهاته ومواهبه. فنجد منهم من لديه مهارات ومواهب في الخط والرسم والفنون وفئة أخرى في التشكيل والبناء والتصميم وآخرين في التركيب والعمل اليدوي والمهني وبعضهم يمتلكون قدرات عالية في اللغة والبلاغة والإلقاء والخطابة، وغيرهم في التحليل والمنطق، وفئة منهم لديها ميل نحو تعلّم الرياضيات والعلوم النظرية وجزء آخر في الطب ومنهم يتّسمون بملكة الحفظ وهكذا ...

 فمثل هذه المجالات المتعدِّدة والمواهب المتنوِّعة لدى أبناءنا، نجد أنها لا تنمَّى وتصقل وتوجَّه في مدارسنا كما ينبغي. لا من قبل المعلمين الذين ينصبُّ جهدهم وهمّهم في إنهاء متطلبات المنهج الدراسي وما يعانونه من ضغط الحصص ومتابعة واجبات الطلاب وأعمالهم وانشغالهم بالمهام الإدارية والإشرافية والمكتبية، ولا من قبل المرشد الطلابي في المدرسة الذي أصبح معظم وقته محصوراً في إنجاز المهام الكتابية والإدارية وحل بعض مشكلات الطلاب البسيطة. كما أن الأنشطة اللاصفية لم تؤتي ثمارها في تنمية وصقل مواهب الطلاب وإشباع حاجاتهم وقدراتهم وتحقيق رغباتهم وتوسيع آفاق مداركهم. وقد يعود السبب في ذلك لعدم توفر قاعات وصالات أو أوراش مناسبة لممارسة ومزاولة الأنشطة المختلفة، وكذلك الأدوات والآلات والخامات اللازمة للعمل .وعادة تنفَّذ برامجها في الفصول الدراسية وهي مجرّد حصص فراغ تقضى كيفما اتفق رغم وجود خطط وبرامج عديدة. فتبقى حبرا على ورق تفتقد للتطبيق والتدريب ولا تحقق الهدف المنشود منها.

  لذا كان لزاماً على الآباء والمربين والمسؤولين وأصحاب القرار، إعادة النظر حول رعاية مكتسبات الشباب والتفكير مليّاً في كيفية صياغة برامج ومناهج ومشاريع تستهدف تنمية ميول واتجاهات الأبناء منذ طفولتهم. ونود أن نضع بعضاً من التوصيات المقترحة التي نرى أنها قد تساعد في رعاية ميولات الأبناء وتنميتها، كما يلــي:

1 ـ تكثيف حملات توعوية مجتمعية من خلال وسائل الاعلام المختلفة وقنوات التواصل الاجتماعي بأهمية تنمية الميول ورعايتها وصقلها لدى الناشئة.
2 ـ اهتمام الأسرة برغبات أبناءهم وميولهم منذ نعومة أظفارهم وملاحظة قدراتهم وإمكاناتهم ومواهبهم والعمل على تهيئتها وتعهدها بالرعاية المستمرة وتثقيفهم بها وتشجيعهم عليها وتوجيهها بشكل دائم بما يعود عليهم وعلى أمتهم ووطنهم بالنفع والفائدة.
3 ـ تهيئة المباني المدرسية كبيئة مناسبة معدّة بالقاعات والصالات وورش العمل لممارسة مختلف الأنشطة وتوفير كافّة المستلزمات الخاصة بها لتنفيذ مشاريع العمل وإقامة البرامج الصفية واللاصفية.
4 ـ ربط المناهج الدراسية الحديثة بمجالات ومتطلبات سوق العمل لتعريف وتوجيه وتثقيف الطلاب باحتياجات أوطانهم من الكوادر اللازمة والمجالات المتاحة والتخصصات المتوفرة.
5 ـ تضافر الجهود والتعاون المشترك بين وزارة التربية والتعليم والوزارات الأخرى والمؤسسات والشركات الحكومية والخاصة لعقد شراكة وطنية لرعاية مواهب وميول الشباب وتكريس الجهود لتوفير الفرص المستقبلية لهم في ضوء استعداداتهم وقدراتهم.
6 ـ إلحاق الطلاب بالدورات التدريبية المتخصِّصة في مجال القياس والتقويم وإعدادهم لتطبيق المقاييس والاختبارات التي تهتم بالمجالات المختلفة، ومنها مقاييس الاتجاهات والميول .
7 ـ إعادة دراسة وتوصيف وتحديد أعمال ومهام المرشد الطلابي بالمدرسة وتخفيف الأعباء الكتابية والإدارية التي تستحوذ معظم وقته وعمله، وعدم إشغاله بأمور وجوانب ليست من اختصاصه وتكون على حساب قضايا ورعاية ودراسة حالات الطلاب.
8 ـ إقامة برامج تدريبية للمعلمين تعني بتنمية ميول ومواهب واتجاهات الطلاب والأنشطة المتنوعة (علمية، اجتماعية، مهنية، فنية...)، التي تمكّنهم من ممارسة الأنشطة مع الطلاب في مدارسهم دون تخبط أو ارتجال.
ختاما، أوجه رسالة لكل أبٍ ومربٍّ بأن لا يقلِّلوا من رغبات واهتمامات أبناءهم مهما بدت لهم أنّها محدودة أو لا مستقبل لها كما يظنّون. ولعله يأتي يومٌ يسعدون بهم فيما وصلوا إليه من علمٍ واسع ومكانة عالية وما حقّقوه من نجاحاتٍ باهرةٍ، يفخر بهم وطنهم ومجتمعهم. فكم من مواهب ضاعت وقدرات دُفنت وإبداعات وُأدت في المهد، ولو أنّها وجدت البيئة الحاضنة والمحفِّزة مع توفير للوسائل المعينة والرعاية المشجِّعة، لحصد المجتمع ثروة بشرية من أبناءه قادرة على العطاء والإنجاز، واعدة بمستقبل زاهر وعلى درجة من الفكر والإبداع والإنتاج، ولا قتطفت من ثمارها موارد وخبراتٍ لها إسهاماتٍ متعددة تقنياً وحضارياً وعلمياً في شتى مناحي نهضة الوطن وتنميته.

       إعداد : عـمر بن حسين الجفري( بتصرف)  

أضف تعليق


كود امني
تحديث