إن التوجيه هو أفضل كلمة تعبر عن غاية التربية والتعليم. فهو تعبير أكثر حيادا من سابقيه كالسيطرة أو الإرشاد. وهو في مضمونه يشير إلى تسيير الميول الحية للأفراد الذين نوجههم في نهج مطرد، بدلا من تركها تتبعثر على غير هدى. فكلمة التوجيه إذن تعبر عن مهمة التربية الأساسية التى ترمي إلى مديد المساعدة و الإرشاد من جهة و إلى التنظيم و السيطرة من جهة أخرى.

 والأفراد عموما يرغبون فى فعل الأشياء التى يرغبون فيها والتى تتنافى مع القيم السائدة فى المجتمع. ولكنهم يرغبون أيضا فى الإشتراك في أفعال غيرهم والتشارك مع الآخرين، مما يتطلب من المربى تغليب الجانب التعاونى والتشاركى في أعمال الأفراد على الأعمال الأخرى المنافية لقيم وحاجات المجتمع. ولولا ذلك التعاون لما وُجد إنسان يكلف نفسه عناء مساعدة الشرطي فى حفظ النظام أحيانا إذا لم ير فى ذلك منفعة شخصية له. و لذلك، فإن التوجيه الصحيح يُربى الأطفال على تنظيم أنفسهم وتفضيل السلوك السوي على السلوك الخاطئ. مما يكسب الفرد أيضا تفضيل التعاون والاشتراك مع الآخرين على السعي لمصلحته الذاتية دون غيرها.

 والمطلوب من المربى أن يدرك أن التوجيه يخلق منبها لدى الأطفال ، يوجه نشاطهم باستمرار و تفاعل الفرد مع التوجيه أو المنبه ليس مجرد رد فعل أو احتجاج على ما يثيره أو يزعجه، وإنما هو إجابة مباشرة على التوجيه. فالواقع أن هناك تلازم متين بين المنبه و رد الفعل . كما أن الضوء - على سبيل المثال- هو المنبه الذى ينبه العين إلى الرؤية و يثير وظيفة الإبصار فى العين. فإذا توفر الضوء و كانت العينان مفتوحتان تحقق الهدف وهو الإبصار. لذلك فإن التوجيه عموما هو قيادة العمل إلى الهدف المطلوب، وهو مساعدة الفرد على أن يقوم خير قيام بالعمل الذى سبق له القيام به. وأفضل أنواع التوجيه هو ما يتصف بأعمال متعاقبة و مترابطة الحلقات، ليكون العمل ليس مجرد إجابة عن التوجيه أو المنبه، بل هو عمل قائم بذاته بما يحتويه من مراحل متسلسلة.

 المطلوب من المربى - في مثل هذه الحالة - وعند توجيه الأطفال أن يبرز ضرورة التركيز على الأعمال الآحقة والمرتبطة به، مما يجعل الطفل مضطرا إلى أن يفكر في مستقبله ويُعدَّ له. وهذا ما يتطلب من المربى أيضا الإعداد الجيد لما سيطلبه من المتعلمين، وأن يكون واضحا بما لا يترك أي لبس أو غموض فى الإقبال على إنجازاته وأنشطته بكل تلقائية ورغبة وقوة.

 لذلك يجب أن يُدرك كل المربين أنه لا يمكن فرض أي شيء على الأطفال الناشئين فرضا بالقوة، أو غرسه غرسا دون إثارة اهتمامهم و انتباههم و رغباتهم . و إذا عمل المربى على عكس هذا المبدأ، فإنه بذلك الفعل يشوه الطبيعة البشرية، و يبني إنسانا غير سوي فى سلوكه و طباعه. كما أن التهديد بالعقاب لن يؤثر فى الفرد أكثر من الاستجابة لغريزة الخوف . ولكنه قد يلجا إلى أفعال أكثر خطورة من الأخرى. فلا بد من الأخذ بالأسباب الطبيعية الموجودة داخل شخصية كل فرد من الأفراد، وهى حاجته إلى منبه يوجه سلوكه و يُحدد له المطلوب القيام به بكل دقة وتبصر و لينجزه بإسهام وتشارك مع الآخرين.

                                          بقلم : محمد نور فرادي (بتصرف)

 

أضف تعليق


كود امني
تحديث