إنّ من يدرس مستوى النمو العقلي لأبناء الثالثة فالخامسة، قد يضيع في فهم السمات المميزة لعالم الطفل العقلي، فيعده قطعاً ممزقة أو نتفاً مفككة. والواقع أن لعالم الطفل العقلي تنظيمه الفريد ومنظوماته المتميزة عن نظيرتها لدى الراشد وليس الراشد بغريب عن هذا العالم. إذ أنه كثيراً ما ينكص إلى أنماط التفكير الذاتية المميزة للطفل. وقد درس بياجه عالم التفكير لدى الطفل ووصفه بالخصائص المميزة التالية:
1 - السببية الظاهرية:
ووفقها يفترض الطفل أن ثمة علاقة سببية بين الأشياء التي تحدث معاً. فقد يخاف الطفل ويحدث أن يختبئ خلف غطائه؛ فيتوصل إلى الاعتقاد بأن الغطاء قد حماه من الأذى لذلك ما أن يشعر الطفل بالخوف مرات أخرى حتى يركض يختبئ خلف الغطاء. ليست السببية الظاهرية سوى نتيجة لضرب من التفكير يعرف بالاستدلال العبري الذي يوصف بالتالي: (آ )و (ب) تحدثان معاً. آ قائمـة لا بد أن تكون (ب) قائمة.
يرجع الكثير من عناد الطفل إلى الاستدلال العبري. فيرفض طعامه لأنه سبق أن أصابته الحمّى، يوم تناوله للاستدلال العبري؛ استطالاته لدى الراشد في التفكير الخارق. فالرجل الذي يمتنع عن الذهاب إلى متجره عندما يصادف في طريقه امرأة تحمل جرة فارغة، إنما يفعل ذلك بسبب تجربة طفلية في الاستدلال العبري.
2 - الإحيائية :
وهي نزعة تقوم على الاعتقاد بأن الأشياء الجامدة حية. ذلك لأن الطفل ينمط العالم المادي من حوله في إطار تجربته. إذ أنه يحسّ بالألم والحرارة والبرد، فإنه يفترض أن الحجر والشجرة تتألم وتتضايق من الحر والبرد ومن مظاهر التفكير الإحيائي الاعتقاد بأن المشاعر مادية بالمعنى نفسه، الذي يكون فيه اللون مادياً دار الحوار التالي بين الباحث وأحمد :
- الباحث : لماذا تمسك فمك يا أحمد ؟
- أحمد : لأن ضرسي يؤلمني
- الباحث : أيؤلمك كثيراً ؟
- أحمد : نعم ، ألا تشعر به ؟
ليس عجباً في إطار فهمنا لإدراك الطفل العبارات (قبل) و (بعد) و (أكثر) و (أقل)، أن نرى الطفل يعد الموت والحياة مترادفين. فليس الموت بالنسبة لابن الثالثة أو الرابعة غياباً للحياة. فالحياة في خواص الأشياء كلّها. بل هو ضرب من الاختفاء المادي المؤقت تأمل الحوار التالي:
- محمود : لماذا يدفنون الأموات في الأرض ؟.
- خالد : لا أعرف أين تعتقد أنه يجب أن يضعوهم ؟.
- محمود : في صندوق القمامة.
- خالد : ولماذا في صندوق القمامة ؟.
- محمود : طيب، يكون أسهل لهم أن يخرجوا ولا يكونون متسخين كثيراً. أما في الطفولة المتوسطة يفهم الصغار أن الموت توقف الحياة بالمعنى العضوي، وتكون التجربة المعرفية مفزعة تماماً.
3 - الغرضية:
تقوم الصيغة الثالثة لتفكير الطفل في الغرضية، إذ يعتقد الصّغار أنّ كلّ شيء في العالم صنعه الإنسان لهم. وإذا وجب أن يكون لكل شيء غرض. ويجب أن تفهم كلمة الطفل الأزلية (لماذا..؟) في هذا الإطار . وعلينا بالتالي، أن توفر الإجابات الملائمة لأسئلة الطفل. بحيث يفهمها الأخير وتبقى على جانب من الحقيقة. فالشمس وجدت لتدفئنا، وتختفي الفراشات في الأعشاب كي لا تأكلها العصافير. هدفنا من الوصف الموجز لخواص عالم الفكر لدى الطفل، هو التأكيد بأن للطفل عالماً فكرياً كاملاً ومتكامل العناصر والصفات وليس عقل الطفل لوحة بيضاء تملؤها التجربة. بل أن الطفل يبني في كل مرحلة عالم مفاهيمه الخاص والنمو بطبيعته تعلم من جانب الطفل لعالم المفاهيم لدى الراشد وتخل مستمر عن عالم المفاهيم الخاص أو الذاتي، كيف يمكن إثارة التفكير لدى الطفل إذن...؟ كيف يمكن للمعلم(ة) أن يثير مهارات التفكير لديه:
* العرض وتقديم النموذج: في كل نشاط تمارس المعلمة أنماطا من السلوك تتضمن المستويات المختلفة من التفكير التي تهدف الى الحصول عليها من أطفالها .
* الإعتماد على استخدام الإستثارة: تستخدم المعلمة أنواعا مختلفة من الجمل أو العبارات التي تستثير مهارات التفكير لدى الأطفال (من يقول، هيا نفكر، من يأتي بإجابة، فكر قبل أن تقول ...).
* طرح أسئلة ذات مستوى متقدم: توجه المعلمة أسئلة مفتوحة وتشجع الأطفال على استكشاف أو أستخراج حلول بديلة (من عنده حل آخر ...).
* تطوير التفاعل: تطلب المعلمة من الأطفال العمل بشكل مجموعات عند القيام بنشاطات تتضمن حل المشاكل ، فقد أثبت أسلوب التعلم التعاوني أهميته في استثارة مستويات التفكير عند الأطفال.
* استهداف استكشاف الحقائق: توجه المعلمة مجموعة من الأسئلة المنظمة التي تساعد في الوصول الى تعميمات .
* إعطاء وقت (الإنتظار): توفر المعلمة للأطفال وقتا مناسبا للتفكير في الإجابة.
* انتقال مهارات التفكير: توفر المعلمة الفرص الكافية للأطفال للتعرف على مهارات التفكير وتطبيقها على أكبر عدد من الأنشطة التربوية.
وعلى هذا يتطلب من المعلمات مهارة عدّة في توجيه السلوك. بالإضافة الى معرفتهن بخصائص نمو الأطفال بكلّ دقّة.
بقلم : ليلى كرم الدين (بتصرف)