مقدّمة
حتى يتوصل المربون إلى فهم التلميذ كما يجب ،لابد من دمج التربية مع علم النفس بشكل يتمخض عن هذا الدمج علم اسمه "علم النفس التربوي"، غير أن هذا العلم الجديد كسائر فروع علم النفس لم يتطور إلا في الثلاثينات من القرن العشرين، حيث تم تحديد موضوع سيكولوجية المواد الدراسية كالقراءة و التهجي و الحساب و انتشرت أبحاث كثيرة في طرق التدريس. وفي الستينات تركزت الأفكار الرئيسية حول محتوى علم النفس التربوي وتحدد موضوعه،و أصبح له كيانه المستقل و المتميز.
1 - تعريف علم النفس التربوي و تحديد مجاله و مواضيعه:
1-1 - تعريف علم النفس التربوي :
علم النفس التربوي : هو الدراسة العلمية للسلوك الإنساني في مختلف المواقف التربوية.
كما أنه فرع نظري وتطبيقي من فروع علم النفس يهتم أساسا بالدراسات النظرية والإجراءات التطبيقية لمبادئ علم النفس في مجال الدراسة وتربية النشء وتنمية إمكاناتهم وشخصياتهم ويركز بصفة خاصة على عمليتي التعليم والتعلم .
ويعرفه د. فؤاد أبو حطب ود. أمال صادق بأنه سيكولوجية المنظومات التربوية والدراسة العلمية للسلوك الإنساني الذي يصدر خلال العمليات التربوية (أبو حطب وصادق 2002) .أما توق و آخرون (2002) فيعرفون علم النفس التربوي بأنه ذلك الميدان من ميادين علم النفس الذي يهتم بدراسة السلوك الإنساني في المواقف التربوية وخصوصا في المدرسة، وهو العلم الذي يزودنا بالمعلومات والمفاهيم و المبادئ و الطرق التجريبية و النظرية التي تساعد في فهم عملية التعلم والتعليم و تزيد من كفاءتها .
ويذكر الزغول (2002 ) أن علم النفس التربوي هو ذلك المجال الذي يعني بدراسة السلوك الإنساني في مواقف التعلم و التعليم لدى الأفراد، ويسهم في التعرف إلى المشكلات التربوية والعمل على حلها و التخلص منها .(أبو جادوا،2005 ). نستخلص أن علم النفس التربوي هو الدراسة المنظمة للسلوك الإنساني وعملياته العقلية والانفعالية و الشعورية و الأنشطة الجسمية ذات العلاقة، في المواقف التربوية الهادفة لمساعدة الفرد على النمو السوي المتكامل من النواحي العقلية والجسمية والاجتماعية، ليصبح قادرا على التكيف مع نفسه ما يحيط به (أبوجادو، 2005)
1-2 - مجال و موضوع علم النفس التربوي :
يعد علم النفس التربوي la psychopédagogie من المقررات الأساسية اللازمة لتدريب المعلمين في كليات ومعاهد التربية، و إعداد المعلمين و الموجهين في برامج التدريب والتأهيل بمختلف أنواعها ومستوياتها وإعداد الأخصائيين النفسيين العاملين في المجال المدرسي .
والمهمة الجوهرية لهذا العلم هي تزويد المعلمين و غيرهم من العاملين في ميادين تعديل السلوك الإنساني بالمبادئ النفسية الصحيحة التي تتناول مشكلات التربية و مسائل التعلم المدرسي لكي يصبحوا أعمق فهما وأوسع إدراكا وأكثر مرونة في المواقف التربوية.
ومن أهم الطرق التي اعتمد عليها الباحثون في تحديد مجالات و موضوعات علم النفس التربوي، تحليل محتوى المؤلفات التي كتبت في هذا الميدان، فوجدوا أن أكثر الموضوعات تكرارا هي :
1 - النمو المعرفي والجسمي والانفعالي والاجتماعي .
2 - عمليات التعلم ونظرياته وطرق قياسه وتحديد العوامل المؤثرة فيه، وانتقال أثر التدريب والاستعداد للتعلم وطرق التدريس، وتوجيه التعلم وتنظيم موقف التدريس .
3 - قياس الذكاء والقدرات العقلية وسمات الشخصية والتحصيل، وأسس بناء الاختبارات التحصيلية وشروط الاختبارات النفسية والتربوية .
4 - التفاعل الاجتماعي بين التلاميذ و المعلمين وبين التلاميذ أنفسهم .
5 - الصحة النفسية للفرد والتوافق الاجتماعي والمدرسي .
ويحدد أوزوبل Ausubel مجال و موضوع علم النفس التربوي بمشكلات التعلم الآتية :
1 - اكتشاف تلك الجوانب من عملية التعلم التي تؤثر في اكتساب المعلومات والاحتفاظ بها لمدة طويلة .
2 - تحسين التعلم بعيد المدى و القدرة على حل المشكلات .
3 -اكتشاف الخصائص الشخصية والمعرفية للمتعلم ذات العلاقة بالتعلم و اكتساب المعرفة ، وكذلك اكتشاف الجوانب الاجتماعية والعلاقات الشخصية المتبادلة في البيئة التعليمية التي تؤثر في نتائج تعلم المادة الدراسية، واكتشاف عوامل دافعية التعلم والطرق النموذجية لاستيعاب هذه المادة .
4 - اكتشاف أكثر الطرق كفاية في تنظيم المواد التعليمية وتقديمها وكيفية توجيه التعلم واستثارته نحو أهداف محددة. (أبو جادوا،2005).
يهتم علم النفس التربوي إذن بدراسة الخصائص الأساسية لمراحل النمو المختلفة وكيفية تطبيقها في الميدان التربوي و في إعداد المناهج الدراسية التي تناسب كل مرحلة عمرية معينة. ويهتم بكيفية تطبيق واستخدام المبادئ الأساسية لعمليتي التعليم والتعلم، كما أنه :
1 - يعتمد على مجموعة من الحقائق والمعارف المشتقة من البحث العلمي في علم النفس.
2 - يركز على دراسة السلوك في مجالات عمل المدرّس.
3 - يتبنى منهجا للبحث العلمي وتجميع وتنظيم البيانات والمعارف.
4 - دراسة المبادئ و الشروط الأساسية للتعلم.
5 - تعويد الأطفال على العادات و الاتجاهات السليمة.
6 - إجراء التجارب لمعرفة افضل المناهج التعليمية.
7 - الاستعانة بالاختبارات النفسية لقياس ذكاء التلاميذ.
ونستنتج باختصار من خلال ما ذكرناه من معطيات، أنّ موضوع علم النفس التربوي هو التعلم المدرسي .
2 - أهداف علم النفس التربوي:
يقدم علم النفس التربوي المساعدة الضرورية لحل المشكلات التربوية بصفة عامة ومشكلات التعليم بصفة خاصة، مثل هذه المشكلات تظهر من خلال ممارسات المعلمين في المدارس، واستخدامات علم النفس التربوي تقع في خمس مجلات هي :
1 - الأهداف التعليمية: يقصد بالأهداف التعليمية أنها أهداف المدرسة بصفة عامة والتعليم بصفة خاصة.
2 - خصائص نمو التلاميذ: يتعامل علم النفس التربوي مع طرق صياغة الأهداف وتصنيفها و استخدامها في التعليم فعند صياغة الأهداف ينبغي مراعاة خصائص التلميذ حتى يمكن معرفة كيفية حدوث التعلم الجيد عند هذا التلميذ .
3 - طرق التدريس: ينبغي معرفة الطرق التي يمكن بها تنمية القدرات المعرفية للتلاميذ و كذلك طرق تنميتهم في الجوانب الجسمية و الاجتماعية و الانفعالية في مراحل النمو المختلفة من الطفولة إلى الرشد، بالإضافة إلى معرفة أساليب تعليم التلاميذ .
4 - طبيعة عملية التعلم: تتعامل عملية التعلم مع الطرق التي بها نكتسب الأساليب الجديدة في السلوك و هذه الطرق تهم المعلمين حيث تساعدهم على اختيار طرق التدريس. والطرق التي يختارها المعلمين من أجل تحقيق الأهداف وتحقيق أفضل نتائج.
5 - تقويم التعلم: يتم تقويم التعلم بواسطة الاختبارات بأنواعها المختلفة … كل ذلك يبين أهمية علم النفس التربوي واستخداماته في المدرسة. (منسي، 1990)
وتركز البحوث في علم النفس التربوي في ثلاثة مجالات رئيسية أو ثلاثة متغيرات هامة هي الأهداف التعليمية، خصائص التلميذ، وطرق التدريس .
فاختيار طرق التدريس ينبغي أن يكون مبنيا على طبيعة هذه الأهداف (معرفية - وجدانية - نفس حركية) وعلى طبيعة التلاميذ الذين يقوم المدرس بتعليمهم، فعلم النفس التربوي يعمل على توفير المعلومات التي على أساسها يتم اختيار طرق التدريس .
إن مهمة عالم النفس التربوي و هو يتعامل مع العملية التعليمية ، إنما هي وظيفة و مهمة الخبير الذي يقرر الوسائل التي يجب إتباعها للحصول على النتيجة المرغوب فيها ، بأكبر درجة من الكفاية ، و من هنا كانت أهمية دراسة علم النفس بالنسبة للمعلم .
ويهدف علم النفس التربوي، إلى تحقيق غرض مزدوج ألا و هو تطوير أسس علم النفس العام وتطبيقها من أجل تطوير العملية التربوية، ولكي يحقق هذا الغرض فإنه ينهل من ميادين علم النفس الأخرى، وبخاصة ميادين التعلم والنمو والفروق الفردية والصحة النفسية والإرشاد والتوجيه، غيرها .
ويرى جودوين وكلوزماير (Goodwin & Klausmeir) أن علم النفس التربوي يسعى إلى تحقيق هدفين أساسين هما :
1 - توليد المعرفة الخاصة بالتعلم والمتعلمين وتنظيمها على نحو منهجي، بحيث تشكل نظريات ومبادئ ومعلومات ذات صلة بالتلاميذ والتعلم .
يشير هذا الهدف إلى الجانب النظري الذي ينطوي عليه علم النفس التربوي، فهو علم يتناول دراسة سلوك المتعلم في الأوضاع التعليمية المختلفة ، حيث يبحث في طبيعة التعلم و نتائجه وقياسه، و في خصائص المتعلم ذات العلاقة بالعملية التعلمية التعليمية .
2 - صياغة هذه المعرفة في أشكال تمكن المعلمين والتربويين من استخدامها وتطبيقها في المواقف التعلمية- التعليمية .
يشير هذا الهدف لعلم النفس التربوي إلى جانبه التطبيقي، إذ لابد من تنظيم هذه المبادئ والنظريات في أنماط تمكن المعلمين من استخدامها واختبارها وبيان مدى صدقها وفعاليتها، ولذلك يلجأ علماء النفس التربوي إلى تطبيق ما يصلون إليه من معارف إلى الأوضاع التعليمية المختلفة، ويقومون بتعديلها في ضوء ما يسفر عنها من نتائج، لضمان تحقيق أفضل النتائج المرغوب فيها. (أبو جادوا،2005).
ويهدف علم النفس التربوي ، في نهاية المطاف ، من وراء نشاطه العلمي في الوصول إلى المعرفة التي يستطيع بها أن يفسر العلاقة النظامية بين المتغيرات التي هي بمثابة السلوك في المواقف التربوية، والعوامل المؤدية إلى إحداث هذا السلوك، ولا يتأتى ذلك إلا من خلال تحقيق الأهداف التالية :
1 – الفهـم :la compréhension :
يتمثل هذا الهدف في الإجابة عن السؤالين (كيف؟ و لماذا ؟) يحدث السلوك.
إن كل واحد منا يريد أن يعرف كيف تحدث الأشياء ، ولماذا تحدث على الشكل الذي حدثت به، والأفكار التي تقدم فهما حقيقيا للظاهرة، يجب أن تكون من نوع يمكن إثباته تجريبيا، ومما لا يمكن نقضه بسهولة عن طريق أفكار أخرى .
2 – التنبـؤ: la prédiction :
يتمثل هذا الهدف في الإجابة عن السؤالين (ماذا يحدث؟ و متى يحدث؟) إن معيار الفهم الذي يتبناه العلماء هو التنبؤ، ولذا يمكن القول بأن أي محاولة لزيادة الفهم تكون ذات قيمة حين تكون نتائج الوصف هي التنبؤ الدقيق عن الظاهرة الأصلية أو حين يؤدي الوصف إلى التنبؤ عن ظواهر أخرى ذات علاقة بالظاهرة الأصلية ، من ناحية أخرى فبالعلم تقيم المفاهيم و النظريات إلى المدى الذي تسمح فيه بإجراء التنبؤات التي لم يكن بالإمكان أن تحدث في غياب هذه المفاهيم و النظريات .
3 – الضبط: : le contrôle
ويعني الضبط، قدرة الباحث في التحكم في بعض العوامل أو المتغيرات المستقلة التي تسهم في إحداث ظاهرة ما، لبيان أثرها في متغيرات أخرى. وضبط هذه المتغيرات في المجال التربوي ليس بالأمر السهل، لتنوعها و تفاعلها .
نستنتج أن عمليات الفهم و التنبؤ و الضبط تقوم على إيجاد نوع من العلاقات بين المتغيرات موضوع الاهتمام، فالفهم يقوم على العلاقات المنطقية، والتنبؤ يقوم على العلاقات الزمنية، بينما يقوم الضبط على العلاقات الوظيفية أو السببية .
المصدر: حقيبة المعلّم الجزائري