ومن المعروف أن المثقف أداة الثقافة، من خلال فكره وابداعه ونشاطه في ميادين متعددة ايضا، إذ لابد من دحض الفكرة التي تقول أو تؤكد على ان المثقف انسان يختلف عن الاخرين، ويعلو بمستواه عليهم، لذلك عليه ان ينعزل في برج عال!! هذه النظرة خاطئة بطبيعة الحال، المثقف الجيد، هو انسان يتميز بقدرته على التأثير بالآخرين، وهذه السمة او الميزة، تتطلب أن يكون المثقف مثل غيره، من حيث الانسجام والتناغم وإقامة العلاقات الاجتماعية الناجحة، حتى يكون مؤثرا بفكره على الجميع.

 في هذه المرحلة الصعبة التي يحاول ان يتخطاها العراقيون والدولة العراقية بأقل الخسائر، هناك مخاطر واضحة تتعرض لها منظومة القيم، إذ نلاحظ وفود وظهور قيم خطيرة تحاول ان تزرع نفسها بين اوساط المجتمع العراقي، وقد اشرنا لهذا الامر في مقالات سابقة، من هذه القيم ما يشكل خطرا جديا على المنظومة الاخلاقية والعرفية التي يؤمن بها المجتمع العراقي، كون معظمها يتجذّر منذ مئات السنين في المجتمع، حيث تنتقل هذه المنظومة من جيل الى جيل، مع الحفاظ عليها وإضافة ما يدعمها، ولكن ظهرت مجموعة من القيم تحاول ان تزعزع البناء القيمي للمجتمع، منها على سبيل المثال قبول الخطأ على انه حالة طبيعية او قيمة مقبولة مثل (تمرير الرشوة) على انها هدية، والاختلاس والتجاوز على المال العام، بأنه (شطارة) لبناء وتكوين الحاضر والمستقبل للافراد، مثل هذه الظواهر والقيم لم تكن موجودة في المجتمع العراقي، لماذا تغلغلت الان في نسيجه؟ ومن هو المسؤول عن ذلك؟.

المثقف هنا يتحمل جانبا من المسؤولية في هذا المجال، لذا هناك عجز في الثقافة والمثقفين للقيام بدورهم في تعزيز القيم الاصيلة ونشرها وتجذيرها اكثر فأكثر بالأوساط الاجتماعية المختلفة، التي تنعكس على الاوساط السياسية وغيرها، فعندما يظهر سياسيون فاشلون أنانيون، هذا دليل على ان الحاضنة الاجتماعية فاشلة، وفشل هذه الحاضنة يعود الى فشل منظومة القيم، وفشل هذه المنظومة يعود الى فشل الثقافة والمثقفين في القيام بدورهم كما يجب، وهو امر لا يمكن نفيه أو إنكاره، اذا توخينا الدقة وقررنا وضع النقاط على الحروف.

من هنا لابد من بوادر تعزز القيم، تتبناها الثقافة، ويخطط لها المثقفون، وتنفذها المؤسسات والمنظمات المعنية، وفق خطط دقيقة، من حيث الأفكار والاجراءات، فقضية تعزيز القيم لا يمكن ان تكون في الهامش، ولا يصح الانشغال بالشكليات وترك الاهم مما يحتاجه المجتمع، كي يحافظ على نسيجه ومزاياه، لذا ليس امام المثقفين سوى التصدي الفاعل لهذه القضية، ليشترك الجميع في وضع السبل والآليات التي تسهم في الوصول الى هذا الهدف.

ربما يتحجج بعضهم، أن الثقافة غير معنية بالأخلاق!، وقد يذهب بعضهم الى نبذ القضية الرسالية للمثقف والثقافة، فهناك من أعلن انه غير معني بالقيم ولا الأخلاق، مدعيا أن مهمته ابداعية بحتة، لكننا نظن غير ذلك، وندعو ان تتصدى الثقافة لكل القيم الدخيلة التي تحاول خلخلة البناء المجتمعي، وتسعى لبث سموم خبيثة على شكل قيم وافدة لا تتسق مع التكوين القيمي (الاخلاقي الديني العرفي)، لمجتمعنا، لذا يستوجب الامر تنبّها وتنبيها على هذا الامر، والشروع الثقافي (ثقافة ومثقفين)، لتعزيز وإطلاق البوادر الهادفة الى حفظ القيم وحمايتها، ونشرها بالوسائل المتاحة، ونبذ ما هو دخيل منها.

                                                                   بقلم: علي حسن عبيد

أضف تعليق


كود امني
تحديث