الميزة الأساسية لهذا الكتاب أنه ينطلق من قواعد تبدو للوهلة الأولى معروفة للقارئ في كونها قواعد روتينية، مما تحفل بها الكثير من كتب التربية، لكن ما يصاحب هذه القواعد من شرح يبسطه المؤلف بأسلوب طريف وسهل يجعل من تلك القواعد حين التأمل فيها مرة أخرى، كما لو كانت قواعد أكثر عمقًا مما هي عليه في الظاهر.

أسلوب المؤلف الذي اعتمد على الطريقة الأمريكية في مزج التجربة الذاتية بالمادة الموضوعية للكتاب، ُيشعر القارئ بأن تلك القواعد ليست قواعد ذهنية فحسب بل هي قواعد تستند إلى تجارب واقعية من وحي قصص حقيقية في حياة المؤلف وحياة آخرين بطريقة تضع القارئ أمام حالة من التحدي الذي تفرضه عليه إذا كان هذا القارئ أبًا لأطفال.

يعترف المؤلف في بداية الكتاب بأن تكريس 18 عامًا من حياة الوالدين حيال تربية ابنهما البكر حتى يستقل بنفسه، هي مهمة بالقطع تنطوي على الكثير من اللحظات العصيبة في حياة الأسرة، لاسيما بالنسبة للوالدين. لكن المؤلف لا ينظر إلى ذلك الجانب العصيب بمعزل عن اللحظات التي يمكن أن يعيشها الوالدان في تربية طفلهما بأسلوب أكثر سهولة وأخف عصبية لو تتبعا القواعد التي يضعها المؤلف في هذا الكتاب.

والمؤلف منذ البداية وفي مقدمة الكتاب يوجه حديثه إلى الأب قائلًا (لاشيء يمكن أن يعدك لمرحلة الأبوة فهي بمنزلة الاختبار الحقيقي لقدرتك على التحمل، وهدوء أعصابك وانفعالاتك. بل أحيانًا تكون بمثابة اختبار حقيقي لسلامة قواك العقلية ! فأنت تبدأ بالقلق بشأن كيفية تغيير الحفاظات أو كيفية تحميم الطفل، وسرعان ما تكتشف أن هذه الأشياء هي أقل الصعوبات التي تواجهك، وما إن تظن أنك عرفت خبايا مرحلة من مراحل الطفولة حتى تفاجأ بأن طفلك قد كبر ودخل مرحلة أخرى لها قواعد جديدة تمامًا فمن الحبو، للمدرسة، لمصاحبة الأقران، لدروس القيادة، كلها سلسلة لا تنتهي).

ينقسم الكتاب إلى عشرة أقسام، ويبدأ الكتاب بالقواعد المتصلة بالحفاظ على سلامة العقل. وسبب ابتداء الكتاب بتلك القواعد يكمن في ظن البعض أن مرحلة الأبوة ما هي إلا فترة متصلة من مقاومة الجنون تمتد لثماني عشرة عامًا.  

وتأتي القواعد غالبًا في جمل قصيرة، ومصاغة بلهجة فعل الأمر، كما تتكون أحيانًا من كلمة واحدة.

والمؤلف يطرح القواعد في شكل عناوين للفصول ثم يبدأ بالشرح بأسلوب جذاب وسهل فعن القاعدة الأولى التي هي بعنوان (استرخ) يقول المؤلف معلقًا على هذه القاعدة:(إن أفضل الآباء الذين أعرفهم يشتركون في ميزة واحدة هي أنهم يتعاملون مع الأمر بكل استرخاء، وعلى العكس فإن أسوأ الآباء دائمًا تجدهم قلقين متوترين بخصوص شيء ما... من الصعب أن تسترخي مع طفلك الأول بينما يكون الأمر أكثر سهولة مع ابنك المراهق، في حال التعامل مع الأطفال أنت بحاجة للعناية بالأساسيات ــ أي أن يكون طفلك بصحة جيدة، شبعان، مرتاحًا ــ وليس عليك بعد ذلك أن تبالغ في القلق).

في القاعدة الثانية يقرر المؤلف حقيقة من حقائق الحياة لا ينتبه لها كثيرون في شأن التربية، وذلك حين يقرر المؤلف هذه القاعدة (لا أحد كامل). ويشرح المؤلف تحت هذه الجملة رؤيته لما يظنه كثير من الآباء من أن المثالية في سلوكهم هي غاية تربوية. ويفند المؤلف المفهوم المثالي لسلوك الوالدين بقوله موجهاً حديثه للأب المربي: (إن الأطفال بحاجة إلى شخص يتحدونه وهم يكبرون فقط كن على طبيعتك وأظهر عيوبك الطبيعية وهكذا توفر على نفسك مجهود التصنع. وهذا بالطبع لا يعفيك من مسؤولية تحسين مهارات تربية الأطفال لديك، لكن لا ينبغي لك أن تلوم نفسك بشدة حينما تزل قدمك عن معايير التربية السليمة. كل ما يمكنك عمله هو أن تأمل أنهم يومًا ما، خاصة لو صاروا آباءً، سوف يشعرون بالامتنان لك لعدم كونك مثاليًا معهم).

ثم تتوالى القواعد التربية تحت عناوين كثيرة مثل:

  1. اعرف مواطن قوتك.
  2.  كل القواعد يمكن خرقها.
  3. لا تحاول أن تفعل كل شيء.
  4. ليس عليك أن تتبع كل نصحية تتلقاها.
  5. لا تتجاهل علاقتك بشريك حياتك.

* قواعد التوجه:

في الفصل الثاني وتحت عنوان (قواعد التوجه) شرح المؤلف مضمون قواعد التوجه بقوله (أعلم أن أحد عناصر إتقان عملية تربية الأطفال هي أن تتمتع بالتوجه السليم. وبمجرد أن تتعلم كيفية التفكير بصورة سليمة حيال أبنائك وحيال ما تفعل عمومًا، ستجد أن بقية ماحولك من أمور قد سارت بصورة صحيحة من تلقاء نفسها).

 قواعد التوجه تتصل ببعض القيم والمعاني التي لها علاقة بتوجه الوالدين حيال أبنائهم.

في القاعدة الأولى يقول المؤلف (الحب وحده لا يكفي). ثم يشرح هذه القاعدة موجهًا حديثه للأب المربي بقوله (نعم أوافقك في أنك يجب أن تحب أبناءك، لكن هناك أشياء أخرى لابد أن تمنحها لهم إلى جوار حبك: الانضباط، ضبط النفس، القيم، القدرة على إقامة علاقات طبيعية مع الناس، نمط حياة صحي، دائرة اهتمامات، قدر محترم من التعليم، عقل متفتح، القدرة على التفكير في أنفسهم، فهم لقيمة المال، مهارة الثقة بالنفس، القدرة على التعلم المستمر).

ويقر المؤلف بأن هذه الأمور لن يكون من السهل تربية الأبناء عليها فهي تتطلب عملًا شاقًا ولكنه أيضًا عمل ممكن وليس مستحيلًا.

وتحت قاعدة (عامل أطفالك باحترام) يؤكد المؤلف أن الأب لن يحصل على الاحترام من أبنائه قبل أن يظهره لهم أولًا. فعبارات مثل (اغسل أسنانك من فضلك) أو (هلا تفضلت بإعداد المائدة) قد تبدو في ظاهرها طلبات، لكنها في حقيقة الأمر أوامر يجب اتباعها. وهكذا يتعلم الأطفال السلوكيات المقبولة بأفضل وسيلة ممكنة عن طريق تقديم القدوة لهم.

وهكذا تتوالى قواعد التربية الخاصة بالتوجه من مثل هذه القواعد:

  1.   استمتع بصحبتهم.
  2.   احتفظ بمخاوفك لنفسك.
  3.   انظر للأمور عبر عيونهم.
  4.   الأبوة ليست رياضة تنافسية.

وهكذا يمضي الكتاب في فصوله المتعددة واضعًا لكل مجال من مجالات التربية قواعد تتصل به مثل:

  1.   القواعد اليومية.
  2.   قواعد الانضباط.
  3.   قواعد الشخصية.
  4.   قواعد الأخوة.
  5.   قواعد المدرسة
  6.   قواعد المراهقة.
  7.   قواعد إدارة الأزمات
  8.   قواعد الكبار.

وتصل القواعد في مجملها إلى مئة قاعدة في مختلف جوانب التربية.

وبحسب ترتيب القواعد فإن المؤلف يضع القواعد وفقًا لدرجات النمو عند الأطفال وبمختلف مراحل ذلك النمو ومجالاته ليعكس خلاصة رؤيته القائمة على تجربة طويلة في مجال تربية الأطفال.

ويستخدم المؤلف لغة سهلة قريبة وعميقة ومقنعة معًا، لأنها تصدر عن تجارب عاشها المؤلف أو عايشها مع آخرين.

وتوزع مواد الكتاب على هذه القواعد المئة يسمح للقارئ برصد خياراته في أي مجال من المجالات دون عناء في البحث.

يشتمل الكتاب على خلاصة مركزة من قواعد التربية تمت صياغتها وشرحها بطريقة تساهم كثيرًا في إفادة القارئ من الكتاب.

كما أن طريق عرض خلاصات القواعد تأتي في شكل عبارات قصيرة ضمن مربعات واضحة للفت القارئ إلى خلاصة أخرى للقاعدة قد تغنيه عن الشرح. وأراد المؤلف بهذا الأسلوب أن يسمح بالاستفادة حتى للقارئ العابر والمتصفح السريع لمواد الكتاب.

وبالجملة فإن الكتاب يتضمن رؤية شاملة ومتماسكة لأسلوب تربية عصري يمنح الأبوين خيارات تربوية متميزة ومسنودة بالتجارب المتنوعة في مجال تربية الأطفال في مختلف مراحل نموهم. 

                                                    الكاتب: ريتشارد تمبلر ؛ ترجمة: محمد جميل أحمد

أضف تعليق


كود امني
تحديث