يثير عنوان هذا الفصل مفارقة. فلطالما كان اللعب مرادفاً لعدم التعلم، أي للهو والتسلية ومضيعة الوقت والترويح عن النفس المجهدة. ولطالما كان التعلم بالمقابل مرادفاً لعدم اللعب، أي للجد والتفكير والاستفادة من الوقت وبذل الجهد ارتقاء بالنفس المبذولة. فكيف صار اللعب والتعلم، النقيضان في المعنى، مترادفين في الوظيفة؟
إن تطور الأفكار المتعلقة بالطفولة عموماً وبالطفولة المبكرة تحديداً هو الذي جعل مثل هذا الترادف ممكنا. وما تفرضه التوجهات الاجتماعية الحديثة من ضرورة تعليم الصغار (و ينادي البعض اليوم بإلزامية تعليم مرحلة الروضة!) نجم عنه إعادة نظر بالأساليب التربوية المتبعة. فالطرق التقليدية من تلقين وتدريب لا تناسب تعليم هذه المرحلة، لأنها تمنع عن الأطفال عفويتهم وحيوتهم. ولكن كيف نعلّم هؤلاء الأطفال دون أن نحرمهم طفولتهم؟ و دون أن نفرض عليهم أفكارنا ونموذجنا وسلوكنا؟ كيف لا نجعلهم كباراً وهم في بداية حياتهم؟
لقد وجد التربويون الحل في اللعب. فهو بسبب طبيعته القائمة على الاستكشاف والمتعة (وعلى الخضوع للقواعد أيضاً) يمكن أن يشكل طريقة تعليمية مناسبة، لا يشعر الأطفال معها بضغط التعلم ولا يكابدون عناء الحفظ والاسترجاع، وبالتالي نخفف من احتمال نشوء حالات عدم التكيف لديهم. ثم أن اللعب يشكل بيئة مشتركة ما بين البيت والمدرسة، مما يخفف من هم الانتقال الصعب من جو البيت المريح إلى جو المدرسة الضاغط.
لقي هذا التوجه اندفاعة كبيرة وتحمس له المنظرون. وصار اللعب عنواناً من عناوين طرائق تعليم الطفولة المبكرة الحديثة. وأخذت النظريات تبين فوائده وضروراته. ولكن على الرغم من هذا القبول المبدئي باللعب كمنهج تربوي، إلا أن ثمة الكثير من التساؤلات التي ما زالت تطرح حول مدى فائدته البيداغوجية. كيف نقرر أن الطفل الذي لعب تعلم؟ كيف نقيس ما تعلمه خلال اللعب؟ ثم هل كل الأطفال يحبون اللعب بنفس الطريقة وبنفس الدرجة؟ هل هناك طفل لا يحب اللعب؟ وإذا كان كل الأطفال يلعبون، ويمارسون نفس الألعاب، ولديهم نفس الموقف من اللعب، وكلهم يتعلمون من اللعب، وبنفس الدرجة. فعن أي ألعاب نتكلم؟ وكيف نوفق ما بين هذه الافتراضات وما بين الفروقات الفردية بين الأطفال؟
اللعب في الروضة:
تتمحور الاهتمامات التربوية في الروضة حول تلبية احتياجات الأطفال في مجالات ثلاثـــة:
- تنمية القابلية على التعلم.
- تنمية الإستقلال الذاتي.
- اكتساب مهارات اجتماعية مناسبة.
ومن المفروض أن منهج الروضة يجب أن يعمل على هذه المجالات الثلاثة. ولكن كيف يمكن ترتيب وضعيات اللعب بحيث يستجيب لهذه الاحتياجات؟
الاستجابة للفروقات الفردية:
يأتي الأطفال إلى الروضة حاملين خبرات ومتنوعين في استجاباتهم لما يقدم لهم. فيكون منهم الأطفال النشيطون، الذين يتحركون بشكل دائم وينفعلون بشكل ظاهر للعيان، ومنهم الأطفال الهادئون الذين يميلون إلى الاستيعاب الذهني والملاحظة والتسجيل. وما بين هذين الطرفين يتنوع الأطفال في اهتماماتهم وفي نضوجهم العاطفي والمعرفي، البعض يفضل اللعب وحيداً، والبعض لديه خبرة في التشارك مع آخرين. ولكل طفل طريقته في الانخراط في نشاط اللعب.
وإذا ما استرجعنا أنماط اللعب المختلفة التي ذكرتها بارتن، من لعب فردي أو متشارك أو جماعي فإنه يفترض أن تتلاءم بيئة الروضة مع هذه الأنواع المختلفة من اللعب، بحيث يمكن للأطفال أن يشاركوا في مختلف الأنواع، تبعاً لحاجاتهم واختياراتهم.
وتتصاعد درجة تعقيد هذه الالعاب، من مرحلة أولى يكون فيها اللعب مجرد تحريك للأشياء، مثل الخرطشة بالقلم، او سكب الماء في وعاء او تفريغه، أو التحسس بالرمل أو دق جرس إلى مرحلة يلعب فيها الاطفال بالأشياء باعتبارها رموزاً لأشياء أخرى، وهي ما نسميها بمرحلة اللعب الرمزي، مثل استخدام المكعبات بدلا من الطائرة، وقد اطلق عليها بياجيه مرحلة ما قبل العمليات وهي الاكثر انطباقاً على أطفال الروضة. إلى المرحلة التي يتمكن فيها الأطفال باللعب التعاوني، يتبادلون الأدوار ويضعون القواعد، مع الاشارة إلى أن القواعد كثيراً ما تتغير فيها بسهولة. ولا يتمكن معظــم أطفال الروضة من ممارسة الألعاب التي تكون قواعدها صارمة.
اللعب في مناهج الروضة:
تتعدد المناهج المستخدمة تبعا للأهداف التي تضعها السياسات التربوية في كل دولة، والتي تتأثر بالثقافة والقيم الواجب ادماجها في تنشئة الأفراد . كما تتأثر هذه المناهج بنتائج الابحاث الجارية في ميادين التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع.
وتتضمن المناهج الخطوط العامة لما يتوجب أن يحصل في مرحلة تعليم الطفولة المبكرة. وبناء عليها تضع المؤسسات التربوية (الحضانات والروضات والحلقة الأولى من التعليم الابتدائي) برامجها وخطط عملها، ويجري تدريب المعلمين بما يتوافق مع أهدافها. والمناهج المتبعة حاليا عدية نتوقف عند التي تذكر صراحة اللعب من ضمن أنشطتها وهي:
منهج الإبداع: Creative Curriculum
ويرتكز هذا المنهج على " الممارسة الملاءمة للنمو" (Developmentally Appropriate practice) الذي يعني طرقاً تعليميةً تجمع بين اتجاهات النمو والتعلم لدى الأطفال. تبنته الهيئة الوطنية لتربية الأطفال الصغار (NAEYC) وميزته الرئيسية انه يسعى إلى استيعاب نظريات نمو الطفل ونظريات التعلم إضافة إلى المعرفة العملية المتأتية من ملاحظات الأطفال في الصفوف.
- يتضمن عشرة مجالات اهتمام أو انشطة: العاب التركيب، زاوية المنزل، طاولة الالعاب، الفنون، الرمل والماء، زاوية المكتبة، الموسيقى والحركة، الطبخ، الكمبيوتر واللعب في الخارج.
- يساعد المعلمين على فهم كيفية العمل مع الأطفال في مختلف مراحل نموهم من اجل تعزيز تعلمهم.
- يرشد المعلمين من اجل تنظيم بيئة اكثر إثارة.
- يتضمن جانباً متعلقاً بالأهل.
- يوفر دليلاً للتدريب ومصادر سمعية بصرية
منهج هاي سكوب :High/Scope preschool approach
- يتركز على فكرة ان الأطفال هم متعلمون ناشطون يتعلمون بشكل أفضل من خلال الأنشطة التي يخططونها وينفذونها ويفكرون بها.
- تحديد 58 تجربة اساسية في نمو الطفل وتجميع هذه التجارب الأساسية في 10 فئات: تمثل ابداعي، لغة وقراءة، مبادرات وعلاقات اجتماعية، حركة، موسيقى، تصنيف، تسلسل، عدد، مكان وزمان.
- العنصر الأساسي في البرنامج هو "تخطيط الوحدات" بحيث يضع الاطفال مخططاً، ينفذونه ويناقشون نتائجه.
- يضم البرنامج اليومي اوقاتاً من اجل تجارب مجموعات صغيرة وكبيرة واوقاتاً للعب الخارجي.
منهج مونتسوري:Montessori
- يرتكز على فكرة أن الأطفال يعلمون انفسهم من خلال تجاربهم.
- يؤمن بيئة مرتبة ومنظمة بعناية.
- يضم ادوات تعليمية موجهة من أجل تعزيز تربية الأطفال في اربعة مجالات: تنمية الحواس، النمو المفاهيمي والاكاديمي، كفاءة في انشطة الحياة اليومية، ونمو الشخصية.
- استخدام الادوات من البسيط إلى المعقد ومن المحسوس إلى المجرد.
- ثلاث وستون بالمائة من وقت الصف يصرف في انشطة مستقلة.
هذه بعض المناهج التي تدرج اللعب من ضمن برامجها، وهناك مناهج اخرى عديدة وكلها تفرد مساحة للعب الأطفال بشكل أو بآخر، حتى ولم تذكر ذلك صراحة. وتشترك هذه المناهج في كون الطفل مشاركاً وفعالاً إن في أنشطة يبتدعها او يطلب منه تنفيذها. واللعب في هذا التوجه يشكل وسيلة تعلمية متبعة. لذلك فإن البرامج تبنى على أساس تنظيم بيئة نشاط لعبي. وتكون مرنة يكتسب الأطفال من خلالها القدرات اللازمة لنضوج شخصيته وللاندماج في مجتمعه والتفاعل مع الآخرين.
وبالطبع فإن البرامج التي ستبنى انطلاقاً من هذه المناهج تعتمد إلى حد كبير على التوجهات التربوية التي تتبناها المدرسة. وقد تضع المدرسة في اعتبارها غاية أساسية وهي التوجه إلى "الطفل بكليته" من الناحية الشخصية والعاطفية والذهنية، أو تتوجه إلى الطفل باعتباره كائناً يكتسب ثقافة الكتابة، أو كفرد قاصر ينمو، أو كفرد ناشط . فتتأثر البرامج الموضوعة تبعاً لهذه الغايات العامة، بحيث يركز بعضها اكثر على إدراج المكتوب في برامجها، في حين ان البعض الآخر يركز على تكوين الأهليات الملائمة لاكتساب المكتوب في السنوات اللاحقة، ويركز البعض الأخر على تأمين وضعيات متناسبة مع الأشكال المتعددة للذكاء (وفقا لنظرية غاردنر)، أو تفسح في المجال أمام مناسبات تعلمية ملائمة للأطفال، كل بحسب مرحلة نموه.
وبشكل عام يلاحظ أن المناهج الحديثة اليوم، على اختلافها، تعمل على تطوير مختلف حواس الطفل، ولم تعد تركز على حاسة السمع فقط. فالبصر واللمس والشم والذوق تأخذ مزيداً من الاهتمام في البرامج. وهي على العموم تسعى إلى تنفيذ أنشطة لعب من شأنها تحفيز هذه الحواس وصقلها.
دور المعلمة في اللعب:
يرى فينينكوت (Winnicott) ان اللعب في سنوات ما قبل المدرسة يشكل وسيلة الطفل من أجل ان يعبر عن نفسه. لذلك على معلمة الروضة ان تعي أهمية اللعب وكيفية استخدامه، وأن تكون حاضرة لكبح النزوات والرغبات الغريزية، المعتادة عند كل الأطفال، كلما تم التعبير عنها بشكل غير ملائم مع حياة الجماعة. وعليها أن تؤمن له الوسائل اللازمة من أجل نموه الابداعي والذهني، والوسائل اللازمة للتعبير عن هوَاماته (fantasmes)وعما يجري في داخله . إذن هناك دور أساسي للمعلمة في توظيف اللعب في العلاقة التربوية التي تقيمها مع الطفل. ويكون هذا التوظيف في اتجاهين، اتجاه عاطفي/نفساني، يتمكن الطفل من خلاله من التعبير وبالتالي تجاوز المآزم والصراعات التي يعيشها، وفي إتجاه ذهني/ تعلمي يكتسب من خلاله المهارات والمعارف والمفاهيم الملائمة لنموه العقلي.
فمن البديهي ان الأطفال يلعبون إن كانوا داخل المدرسة أم خارجها، والفرق ما بين الحالتين هو أن اللعب في الروضة يجري ضمن سيرورة، أو ضمن بنية معينة، مخطط لها في البرنامج، وتعرف المعلمة توجيه لعب الأطفال ضمن هذه السيرورة وفقاً لغاية منشودة. لذلك لا يكون اللعب في الروضة مجرد لهو، مع أن اللهو يندرج فيه، بل هو نشاط مدروس ومراقب ومتدرج. وعلى المعلمة المشاركة في تنفيذ مختلف خطوات هذا النشاط. ويتضمن دور المعلمة في لعب الأطفال الخطوات التالية:
أ- ترتيب وضعيات اللعب:
تختار المعلمة الأنشطة المتلائمة مع المنهج المقرر في الروضة، وتحضر مواد النشاط ومدته وتوقيته. كما تقرر الاستراتيجيات المناسبة من أجل تدعيم لعب الأطفال.
ذلك أن الأطفال يأتون من خلفيات اجتماعية مختلفة وبالتالي فإن علاقتهم باللعب والألعاب وتفاعلهم مع برنامج الروضة تتأثر بهذه الخلفية. وعلى المعلمة الانتباه إلى كيفية الاستجابة لدى هؤلاء الأطفال واستخدام طرق مختلفة وذكية لتشكيل جماعات لعب بينهم، فتساعد الأطفال على:
- التطور في اللعب: من اللعب الفردي الخاص إلى المشاركة مع الأخرين.
- التنوع في اللعب: بحيث يحظى الأطفال بأنواع مختلفة من الألعاب.
- الاستقلالية في اللعب: بحيث يمكن للأطفال اختيار اللعبة التي يرونها مناسبة.
- التعبير في اللعب: من خلال حث الأطفال على استخدام اللعب كوسيلة للتعبير عن انفسهم وطاقاتهم.
- النمو في اللعب: خلق وضعيات تشكل تحديات امام الأطفال لتجاوز إمكانياتهم الحالية.
ب - المشاركة في لعب الأطفال:
ويجب أن تراعي المعلمة في مشاركتها لعب الأطفال أن لا يكون حضورها طاغياً او آمراً. فتترك لهم حرية التصرف واتخاذ القرارات التي يرونها مناسبة في تفاعلهم العفوي. وتراعي نوعاً من التوازن الضروري بين ترك الأطفال يلعبون بحريتهم وبدون مراقبة، فيخسرون بذلك فرصة وجود شخص ماهر يستطيع أن يحفزهم ويدعمهم، وبين بيئة صفية شديدة الانبناء والتنظيم يحتمل ان تقلل من إبداعية الأطفال.
ج - تيسير لعب الأطفال:
تراعي المعلمة في اختيارها لألعاب الأطفال مستوى نمو الأطفال واحتياجاتهم. وأهم النواحي التي يجب مراعاتها هي السلامة. لذلك تقوم المعلمة باختيار الالعاب المناسبة وكذلك تضع قواعد لاستخدام هذه الالعاب بالطريقة الملائمة.
د - دعـم التقـــــدم:
يتغير دور المعلمة كلما تطور اللعب. مع الاطفال الصغار جدا تقوم المعلمة بالتدريب على اللعب، وبدعمه والحفاظ عليه، خصوصاً إذا كان جديداً عليهم. مثلما هي الحال مع الأهل في المنزل أو في الحضانة حيث يحثون الأطفال على اللعب من خلال قيامهم هم أنفسهم باللعب امامهم، او بشرح اللعب لهم . ولكن هذا الدور يتحول فيما بعد ليصبح أكثر تفاعلا ومشاركة وندية.
ه - تكافـــؤ فـــرص:
تقوم بين الأطفال مشاحنات عديدة حول امتلاك الألعاب والسيطرة في اللعب. وعلى المعلمة تعويد الأطفال على سلوك التشارك مع الآخرين ضمن قواعد ديمقراطية واضحة وجلية.
و- دعم النمو الاجتماعي والعاطفي:
وتستطيع المعلمة دعم النمو الاجتماعي والعاطفي للأطفال من خلال جوانب ثلاثة :
1 - مساعدة الأطفال على فهم مشاعرهم ومشاعر الأخرين.
2 - مساعدة الأطفال على فهم التشابهات والاختلافات بين البشر.
3 - مساعدة الأطفال على اكتساب مهارات تكوين الصداقة.
ز- توسيع اللعـــب:
تستطيع المعلمة الحاذقة ان تنتبه إلى مجريات اللعب فتقدم خيارات إضافية وبديلة، إما باقتراح أنشطة جديدة، أو تأمين وضعيات تعلم جديدة. كالخروج من الصف مثلا للعب في الخارج واستكشاف مجالات تعلم مثيرة وغنية.
اللعب في منهج الروضة في لبنان:
يذكر منهج الروضة في لبنان اعتماده على الأنشطة المتنوعة كطريقة للتعليم، بحيث يكون الطفل فيها فاعلاً ومتفاعلاً، يخوض بنفسه خبرة حسية تسهم في نموه وتعلمه، من خلال اعتبار اللعب النشاط والوسيلة التربوية الأكثر فعالية في هذه المرحلة.
ولكن يذكر المنهج اللعب من دون أي تحديد لما يقصد بسلوك اللعب، وأيضاً من دون أي تحديد لما يسند الربط ما بين اللعب ونمو الطفل أو التربية عموما. اما الدليل النظري لمعلمات الروضة الصادر عن المركز التربوي فيفيدنا أن اللعب هو "النشاط الذي يستمتع فيه الطفل مركزاً كل حواسه وطاقاته بشكل تلقائي". ونلاحظ هنا أن هذا التعريف تنقصه الدقة. فكل عمل يقوم به المرء باختياره ويستمتع به يصبح في هذه الحالة لعباً. مثلا المعلمة التي تشرح درساً ما بحماس، والفلاح الذي يزرع أرضه، كلها حالات تشبه حالات اللعب في مثل هذا التعريف لأن فيها درجة من الاستمتاع والتركيز والتلقائية. ونلاحظ هنا أن ما يغيب عن التعريف هو اللاجدية. ويبدو من الصعب على معلمة الروضة تحديد سلوك اللعب لدى الطفل بالاعتماد على هذا التعريف فقط ( كيف نعرف الاستمتاع؟ والتلقائية؟) أما فيما يتعلق بالربط مع النمو والتربية فإن الدليل النظري يرى في فعل التركيز نفسه تكمن قيمة اللعب التعليميى. إذ ليس اللعب بذاته هو الذي يقود إلى التعلم وإنما تركيز الحواس والطاقات، وغني عن البيان أن بإمكاننا والحال هذه أن نستغني عن اللعب كوسيلة تعليم واعتماد وسائل أخرى فيها مثل هذا التركيز.
إن مفهوم المنهج للعب يبدو قاصراً عن استيعاب الجوانب التربوية المختلفة للعب. والمساحة التي يخصصها لمقاربة مفهوم اللعب من الناحية التعليمية تبدو ضئيلة بالمقارنة مع أهميته، كما أنه لا يقدم دليل عمل للمعلمات يسمح لهن من جهة باستيعاب قيمة اللعب ومن جهة أخرى بتنفيذ انشطة لعب قابلة لتحويلها إلى أنشطة تعلم.
موقف المعلمات من اللعــب:
حاولنا معرفة آراء بعض معلمات الروضة في لبنان حول اللعب وأهميته في تعليم اطفال هذه المرحلة. فوجدنا أن المعلمات اللواتي تم سؤالهن عن موقفهن من اللعب وعددهن 18 رأين أن اللعب ضروري بالنسبة لأطفال الروضة. ولكن يبدو أن مفهوم اللعب ما زال تقليدياً إلى حد بعيد لدى العديد من المعلمات، إذ تمثل بالنسبة إليهن بالنشاطات الجسمانية والرياضية. فأقل من نصف هؤلاء اعتبرن أن اللعب يدخل في طريقة التعليم نفسها ولا يمكن حصره في وقت محدد. أما الباقيات فحصرن هدفه في اللهو والترفيه، لذلك يقمن بتخصيص وقت محدد له. إحداهن تخصص 45 دقيقة بعد الطعام من أجل اللعب، وأخرى 20 دقيقة كل يوم، وواحدة تسمح باللعب في آخر الدوام، وأخرى تعطي ربع أو نصف ساعة صباحاً، وواحدة تعطي وقتاً بين حصة وأخرى.
ودلت إجابات المعلمات عن سؤال متعلق بالأهداف التربوية والتعليمية للعب على تمثل عملي لوظيفة اللعب مستند لاحتكاكهــن بالأطفال أكثر منه لموقف تربوي مستمد من نظريات التعليم. والأهداف التي ذكرتها المعلمات هــــي:
- تمرين عضلات الجسم (شد الحبل، القط والفأر، نقل الماء)
- تمرين الذاكرة (اللعب بالأعداد لتعليم الرياضيات)
- اللعب لتمرين الحواس (تمييز الأصوات والألوان والأحجام)
- التعرف على المحيط والطبيعة.
- تعلم المشاركة مع الآخرين.
- تقريب المفاهيم التي تتضمنها المحاور.
- تعلــــم المبــادرة.
- الصبر وانتظار الدور والنظام.
- تعــلم المهارات الاجتماعية.
هل للمعلمة دور في اللعب؟ هل من الضروري أن تشارك المعلمة مع الأطفال في اللعب؟ لماذا؟ أجمعت المعلمات على أهمية دور المعلمة ومشاركتها في اللعب لأسباب مختلفة. فالأغلبية رأين أن المعلمة هي التي تنظم اللعبة للوصول إلى الهدف، كما أن مشاركتها تشجع الأطفال، وهي تشارك لتسيير اللعبة حتى يصل الأطفال إلى الهدف، كما أنها هي التي تضع الشروط، وتعلم الأطفال كيف يلعبون اللعبة. واثنتان اعتبرتا انه من المهم أن تشارك المعلمة حتى تكتسب محبة الأطفال ولكي لا يشعروا بالخجل ولكي يحصل تفاعل بينها وبينهم.
وثمة ناحية تلفت النظر في أجوبة المعلمات تتعلق بموقفهن من اللعب الانفرادي، إذ أن العديد منهن يعتبرن هذا اللعب مؤقتا بانتظار أن ينتقل الطفل إلى اللعب الجماعي. ومنهن من يرفض تماماً هذا النوع من اللعب لأنه قد يعلم الطفل الأنانية وحب الذات، وأخريات لا يرفضن الفكرة ولكنهن يشجعن الأطفال على اللعب مع الآخرين. فاللعب الجماعي يقود إلى التفاعل. بالمقابل نصف المعلمات يقبلن بدون تحفظ اللعب الانفرادي لأن الطفل يعبر به عن مشاعره وعن نفسه أمام الأخرين ولأن ذلك يساعده على التمثيل.
قياس التعلم من خلال اللعب:
إن وعي معلمات الروضة لأهمية اللعب في مرحلة الطفولة، لا يؤدي بهن دائما إلى اعتباره شأنا تعليمياً مثلما رأينا في مواقف المعلمات أعلاه. إنه وعي ثقافي أكثر منه تعليمي تربوي. والمسافة بين الاثنين توازي بشكل ما المسافة ما بين التفكير العمومي والتفكير العلمي. لا شك بأن التفكير العمومي قد يكون في أحيان كثيرة صائباً لأنه يمثل خبرة ومعيوشاً، ولكنه في أحيان أخرى يقصر عن الصياغة الدقيقة القادرة على تهيئة امكانية التوظيف العملي والمفيد. لذلك لا يكفي المعلمات الاعتراف بالأهمية وإنما عليهن ترجمة ذلك إلى أهداف محددة وطرائق منهجية قابلة للتوصيل إلى الهدف.
من هنا يغيب عن أذهان المربين (أهل ومعلمين وتربويين) التعامل مع اللعب باعتباره أداة ملائمة لتقييم نمو الأطفال وتعلمهم. فالمعلمات من خلال مراقبة لعب الأطفال يمكنهن التعرف على التفاعلات الاجتماعية لدى أطفال الروضة وأهلياتهم المعرفية واللغوية ومهارات الحركية ونموهم الانفعالي. أما كيف يمكن للمعلمات القيام بذلك؟
إن مراقبة المعلمات للأطفال في أثناء لعبهم يجب أن يصبح مسؤولية يومية. فالملاحظات المنتظمة تؤمن للمعلمات ما يلـــــــي:
- التعرف على الأطفال وتبيان مواضع القوة والضعف لدى الأطفال.
- تخطيط كيفية التعليم تبعاً للأحتياجات الفردية للأطفال.
- وضع تقرير للأهل حول الطفل.
- تقــييم تقدم الطفـــــل.
ومراقبة المعلمات للعب الأطفال لا تتم فقط داخل الصفوف، بل أيضاً خارجها. فاللعب في الهواء الطلق يؤمن أيضاً بيئة تعلمية مناسبة مثله مثل الانشطة المنتظمة داخل الصف. ومن خلال الملاحظة المنهجية للأطفال اثناء اللعب في الخارج يمكن للمعلمة التوصل إلى التعرف حول طرق تفكير الأطفال، وكيفية اكتسابهم المهارات المعرفية والاجتماعية. وهذه الملاحظات يمكن أن تساعد المعلمات على التقييم بدون التدخل في أنشطة الأطفال أو بدون وضعهم في مواقف اختبارية مقلقة.
ولا شك بأن قياس التعلم من خلال اللعب ليس عملية سهلة. ذلك أنه تتداخل في سياق اللعب عناصر متعددة، ولن يكون من السهل على المعلمة فصل هذه العناصر عن بعضها البعض وقياسها. ولكن مما يسهل المهمة، أن تضع المعلمة نصب عينها هدفاً محدداً تسعى لقياسه، وتعتبر العناصر الأخرى مؤشرات هامة لتقييم نمو الطفل الإجمالي. أي أن تراقب مدى اقتراب الأطفال من تحديد الهدف الذي وضعته هي بنفسها لسيرورة اللعب الجارية، في حين تقوم بتسجيل ما يجري من أمور نافرة او مثيرة للاهتمام في سجل الأطفال من أجل استخدامها في مجالات أخرى ولفهم ما يمر به الطفل من خبرات. وتسهيلا لمهمتها يمكن أن تضع المعلمة عدداً من الأسئلة وتسعى لمعرفة اجوبتها من خلال مراقبة لعب الأطفال ومنها:
- حقق الهدف؟ ويمكن الانتقال إلى تعلم مهارة جديدة؟
- اقترب من تحقيق الهدف؟ يحتاج إلى مزيد من الوقت؟ أو إلى مساعدة صغيرة منها؟
- ما زال بعيدا عن تحقيق الهدف؟ وبالتالي عليها تأمين وضعيات تعلم أخرى رديفة تساعد الأطفال على تعلم أجدى؟
وتشكل الملاحظة اداة جيدة لتقويم اداء الطفل في اللعب، ويجب التأكيد على قيمة الملاحظة والتقويم المخطط لهما بكل حرص وعاية. ويمكن استخدام الملاحظات من أجل:
- تقويم حاجات الطفل الفردية للعب.
- تقويم كفاية مصادر اللعب المؤمنة سابقاً.
- تقويم كفاية مصادر اللعب المتنوعة ثقافياً.
- تحديد مصادر أخرى.
- تحديد مساعدة أي اختصاصي قد نحتاجها.
- تقويم دور البالغ أو الكبير.
وبالطبع فإن الملاحظة يجب أن تكون منهجية ومضبوطة وإلا فقدت وظيفتها. وتتضمن عملية الملاحظة اربع خطوات ضرورية :
- تخطيط الملاحظة: أي تحديد الهدف الذي نبتغيه . لماذا نريد ان نلاحظ؟ مثال: هل يستطيع سمير تمييز الالوان؟
القيام بالملاحظة: تسجيل كيف يتصرف الطفل وماذا يقول في أثناء انشغاله بلعبة معينة. - تفسير المعطيات: التفكير بما تم تسجيله وبما ينبغي القيام به.
- ترتيب وضعيه جديدة على ضوء الاستخلاص الذي تم التوصل إليه.
بقلم: فاديا حطيط