عندما تدخل من بوابة المدرسة، فتجد طالبات أنيقات في استقبالك، يلقين عليك التحية بأدب جم، ويرحبن بك في مدرستهن، ثم ترافقك إحداهن أثناء تفقدك المدرسة، وتشرح لك الفلسفة التي تتبناها المدرسة، وترد على جميع أسئلتك بثقة كبيرة في النفس، ثم تدلك على مكان الاحتفال الذي يحمل عنوان (عالم واحد بثقافات متعددة)، لتجد 970 طالبة من مختلف الأعمار، يتابعن الاحتفال بنظام يفوق الوحدات العسكرية، لكن الوجوه بشوشة، وغير صارمة، عندها لابد أن تسأل: «كيف استطاعت هذه المدرسة نشر هذا السلوك بين الطالبات؟»، ربما وجدت الإجابة في السطور التالية. العهد الذي بيننا بعد شهرين من التحاق ابنتي بهذه المدرسة، التي تضم المرحلتين المتوسطة والثانوية، وجدتها تسلمني صورة من الاتفاق الذي وقعته مع مربية الصف، وتوضح لي أنه حصيلة نقاش استمر أسابيع، وأن المعلمة أصرت على ألا تقوم هي وزميلاتها بالتوقيع، إلا بعد أن تتأكد كل طالبة في الصف، أنها مقتنعة بما فيه، وأن أي مخالفة لهذه القواعد، لا تمثل فقط سلوكًا خاطئًا ترفضه المدرسة، بل هي خطأ في حق المجتمع المدرسي بأسره، الذي ارتضى هذه الأنظمة والقواعد، كدستور يلتزم به الجميع.
قد يبدو مصطلح (دستور)، مبالغ فيه في هذا الإطار، وكذلك الحديث عن (الخطأ في حق المجتمع المدرسي بأسره)، ولكن ما المانع في وضع الأمور في هذا الإطار، طالما أن ذلك هو الصواب؟ ألا يمثل ارتكاب العنف اللفظي أو البدني، انتهاكًا لمبدأ السلمية، الذي يجب أن يتمتع به المجتمع المدرسي؟ ألا تتعارض السخرية من الآخرين مع السلوك التربوي؟ ألا يتسبب الطالب الذي يجيب على الأسئلة، بصوت عال، قبل أن يعطيه المعلم الكلمة، في النيل من حقوق زملائه الملتزمين بالنظام، والذين يرفعون أيديهم؟ من يفكر قليلاً في هذه الأمور، يجد أن الكارثة التي تعاني منها الكثير من المدارس، ليست حدوث هذه التصرفات باستمرار فحسب، بل ألا يشعر المعلم بأنها تستحق أن يشغل نفسه بها، أو لا يشعر أصلاً بأنها سلوكيات خاطئة، فيرى أنه من الطبيعي أن يمارس المراهقون الاعتداء على بعضهم البعض، بالقول والفعل، حتى يصبحوا رجالاً أقوياء، أو حتى يستطيعوا أن يشقوا طريقهم في الحياة المستقبلية، خارج أسوار المدرسة، ويرى أن من يتأثر بالسخرية، يعاني من عدم ثقة بالنفس، وأن رد الطالب بدون استئذان يدل على تفوقه، ومعرفته بالإجابة.
اختلافات بين الشرق والغرب اعتدت أثناء عملي السابق في التعليم على التوقيع كل أسبوع على تعميم جديد من مدير المدرسة، كثير منها ينبه ويحذر ويؤكد على ضرورة الالتزام بالسلوكيات الحميدة، وفي كل مرة يتغير المدير، يحاول الجديد أن يوضح الفوضى التي كانت المدرسة تعيش فيها قبل عهده الذهبي، وأنه جاء لينهض بالهمم، ويصحح الاعوجاج، ويقيم العدل، وينشر الفضيلة، ويتبع كل ذلك بتعاميم جديدة. في مدرسة ابنتي لا تأتي الفضائل من الوزارة ثم الإدارة التعليمية، ثم مدير المدرسة، ثم الوكيل، ثم المعلم، ثم الطالب، بل هناك قناعة بأنه لا يمكن فرض السلوك الإيجابي بصورة رأسية، أي من فوق إلى تحت، بل بصورة أفقية، أي أن يتم ذلك بين طرفين متساويين في القيمة، معلم تربوي يتناقش مع طلاب لهم شخصية وإرادة مستقلة، فإذا توصل الطرفان لاتفاق، وعن قناعة، فإن ذلك يسهم في تحول الكلمات المخطوطة بالحبر، إلى قيم تنبض حياة. ليست هناك إذاعة صباحية، يتحدث فيها المدير والمعلمون قبل بدء اليوم الدراسي، عن مثاليات وقيم وأخلاقيات، يستمع إليها مئات الطلاب، دون أن تتاح لأي واحد منهم أن يعلق عليها أو أن يقول رأيه فيها، فيشعر كثيرون بأن الأمر لا يعنيهم في شيء، أو يتبعون القول (دعهم يقولوا ما يريدون، ودعنا نفعل ما نشاء)، بل يكون النقاش حول ذلك في الصف، وعندها لا يقتصر الحديث على المعلم، بل يتحدث الطالب أيضًا، وينصت له المعلم. المشاركة الطلابية أرسلت مربية صف ابنتي مع صورة الاتفاقية الموقعة بينها وبين ابنتي، رسالة توضيحية، شرحت فيها الخطوات التي التزمت بها في هذا العمل، فذكرت أنها لا تفضل أن يبدأ العام الدراسي بفرض قواعد وسن عقوبات، لذلك استفادت من الأسبوعين الأولين في مراقبة الوضع، والتعرف على ما يتطلب التدخل، وبعد أن أخذت انطباعًا أوليًا، طلبت من إحدى زميلاتها من المعلمات الأخريات، أن تحضر معها في الصف، لتتناقش معها بعد ذلك فيما لاحظته هي أيضًا.
طرحت مربية الصف على الطالبات السؤال التالي: «كيف ينبغي أن يكون سلوكنا، بحيث تشعر كل واحدة منا بالراحة، وتستطيع التعلم؟»، ثم أضافت بالتذكير بالقاعدة الأخلاقية المعروفة: «عامل الآخرين، كما تحب أن يعاملوك.»، وحتى تساعدهم على طرح أفكارهم، أشارت إلى بعض المواقف التي تحتاج إلى قواعد، ليلتزم بها الجميع، مثل بداية الحصة، والحديث داخل الصف، وطريقة العمل الجماعي. تتمثل الخطوة التالية في أن تقوم كل طالبة بمفردها، أو كل مجموعة من الطالبات، في كتابة خمس إلى عشر قواعد، تعتقدن أنها ضرورية للغاية، وإذا واجهن صعوبة في ذلك، طرحت عليهن المعلمة نماذج من القواعد التي كانت سارية في السنوات السابقة، أو من مدارس أخرى. تكتب المعلمة كل الاقتراحات التي ترد من الطالبات، ثم تشطب المكرر منها، ثم تجري نقاشًا مع الطالبات على الاقتراحات المتبقية، ثم تطلب منهن التصويت عليها حسب الأهمية، بحيث لا يزيد عددها عن عشر قواعد حول السلوك في المدرسة. قواعد لوضع قواعد السلوك قررت التوجه إلى المدرسة، للحصول على المزيد من المعلومات عما قامت به المعلمة، فأوضحت لي مربية الصف أن وضع قواعد السلوك، له قواعد ينبغي الالتزام بها، وأوجزتها في النقاط التالية:
- القــلة : كلما قل عدد القواعد، كان ذلك أفضل، بحيث تنظم الأمور الضرورية فقط.
- المعقولية: السؤال عن جدوى القاعدة، والحقوق التي تضمنها، وعما إذا كانت ستسهم في العملية التعليمية.
- الوضوح: استخدام عبارات موجزة، بأسلوب مفهوم.
- الإيجاب لا النفي: تجنب صياغة القواعد كممنوعات، والابتعاد عن كلمات النفي، بل بصيغة إيجابية، فمثلاً لا يقال (أنا لا أعتدي على أحد)، بل (أنا مسالم).
- الإلزام: لا تكون القاعدة تعبيرًا عن الأمل أو الأمنية، بل بصيغة إلزامية، فلا يقال مثلاً: (نريد ألا نقاطع بعضنا أثناء الحديث)، لتكون كالتالي: (نتيح للآخرين أن يتموا حديثهم، وننصت إليهم).
- البعد عن العموميات: تجنب صفات من نوعية (لطيف)، و(جيد)، واستخدام عبارات مثل: (نحن نساعد بعضنا بعضًا)، أو (أنا أساعد الآخرين).
- التوافق: لابد أن تكون القواعد المقترحة، متوافقة مع أنظمة المدرسة، والقوانين المعمول بها.
- قابلية التنفيذ: التفكير في إمكانية تنفيذ القاعدة المقترحة، والقدرة على مراقبة مدى الالتزام بها، وعواقب تجاهلها.
وأوضحت المعلمة أن هناك طريقة أخرى، تهدف إلى اختصار الوقت، بدلاً من البدء من الصفر، ومناقشة ذلك مع كل طالبة، وهي تقديم تصور جاهز، ومناقشته مع ممثلات عن الصف فقط، وفي مرحلة تالية يجري عرضه على البقية، للتوقيع عليه فقط، وليس لطرحه للبحث من جديد، إلا إذا أعربت إحدى الطالبات عن رفضها التام لأي جزئية فيه، وعندها يجب أن تقترح بدائل لمناقشتها. نماذج للحقوق والواجبات الهدف من وضع قواعد للسلوك داخل المدرسة، هو الحفاظ على الحقوق والواجبات، سواء تعلق الأمر بالطلاب أو بالمعلمين، ولذلك لابد أن يدرك الطلاب ما لهم وما عليهم، قبل المشاركة في وضع هذه القواعد، ولعل أهم ما تراعيه المدارس في الغرب، الحقوق التالية:
+ الحقوق:
- حق التعلم في محيط يسود فيه الود، ويخلو من الإزعاج.
- حق الحصول على الدعم والاهتمام والتشجيع من المعلم، والمساعدة في التغلب على الصعوبات.
- الحق في حرية التعبير عن الرأي، وأن ينصت المعلم لذلك، والسماح بالنقد الموضوعي، والمشاركة في الصف، واحترام رغبة الطالب في عدم المشاركة.
- حق الحماية من الإهانة، أو التقليل من الشأن، أو المساس بالكرامة، أو الإضرار بالممتلكات أو الإيذاء البدني.
- حق الطالب في الحصول على المعلومات عن المطلوب منه علميًا، ومعرفة الطالب بتقييم المعلم لمستواه، ومعايير وضع الدرجات، وقواعد السلوك، وعواقب عدم الالتزام بها.
+ الواجبات :
هناك واجبات على الطلاب، وعلى المعلمين، وأخرى على الطلاب وحدهم (يشار إليهم في السطور التالية بالحرف ط)، وأخرى على المعلمين وحدهم (يشار إليهم في السطور التالية بالحرف م).
- التعامل باحترام وبذوق مع بعضهم البعض (ط + م).
- التركيز أثناء الدرس (ط).
- استخدام طرق متنوعة في الشرح (م).
- السلوك التعاوني، وبذل الجهد، وتأدية الواجبات، وطرح الأسئلة (ط).
- التشجيع والاهتمام وتقديم الوقت والمساعدة اللازمين (م).
- حسن الإنصات وتقبل النقد (ط + م).
- المشاركة في الصف (ط).
- احترام رغبة الطالب في عدم المشاركة في بعض الأحيان (م).
- احترام حقوق الآخرين وكرامتهم وممتلكاتهم (ط+م).
- شفافية الأهداف والمضامين والآليات المستخدمة، ومعايير التقييم، وكشف القواعد وعقوبات مخالفتها بوضوح.
+ نماذج لقواعد السلوك في المدرسة:
- احترم حقوق وممتلكات الآخرين.
- في أثناء الدرس تبقى الأرجل الستة على الأرض (الأرجل الأربع للكرسي، ورجلا الطالب).
- أتحدث مع الآخرين بهدوء وود، وأنصت إليهم.
- عندما أريد التحدث، أرفع يدي، وأنتظر حتى يأتي علي الدور.
- عندما أشارك الآخرين في عمل جماعي، يكون صوتي همسًا.
- نحن نأكل ونشرب ونتحدث في الأمور الخاصة في فترات الاستراحة فقط.
- حل الخلافات والصراعات بالطرق السلمية، ويمكن الاستعانة بمجلس الصف أو فريق حل النزاعات.
يمكن عمل لوحة في الصف، تتضمن هذه القواعد، ويوقع عليها كل طالب، ويحصل الوالدان على نسخة منها للمشاركة في التوقيع عليها، والتعاون مع المعلمين والطلاب على تنفيذها، وبذلك تحصل على تصديق الجميع عليها، وتصبح ملزمة. يتحدد مصير هذه القواعد في الأيام الأولى لسريان مفعولها، وهو أمر يستغرق الكثير من الوقت والجهد، لكن ذلك لن يضيع هباء، وسينعكس إيجابًا على الحياة المدرسية لسنوات طويلة، ولذلك فإن أي مخالفة لهذه القواعد، يجب أن تلقى الاهتمام من المعلم، الذي يناقش ذلك مع الطلاب، ويستمع إلى مبررات الطالب المخالف، وفي الوقت نفسه يشيد بالطلاب الذين التزموا بالقواعد، ولم يقعوا في أي مخالفة، وإذا وجد المعلم أن هناك مخالفات كثيرة، خصص درسًا كاملاً لبحث الأمر، المهم أن يواصل الإصرار على الالتزام بالقواعد، بشرط أن يحرص على أن يكون مثلاً أعلى في الالتزام بهذه القواعد. العواقب إذا أشرك المعلم الطلاب في تحديد عواقب المخالفات، فإن ذلك سيكون أدعى لالتزامهم بالقواعد، وقد اتضح من التجارب العملية، أن التلاميذ الصغار يقترحون عقوبات صارمة وقاسية، لأنهم لا يدركون أنها قد تقع عليهم، وفي المقابل فإن الطلاب الكبار، يميلون إلى تمييع العواقب، حرصًا على عدم تعرضهم لها.
وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن العقاب لا ينعكس إيجابًا على الطالب المخالف بالدرجة الأولى، بل الهدف منه أن يحول دون وقوع الغالبية في المخالفة، ومن المفضل أن يكون العقاب، عبارة عن المشاركة في عمل يفيد الجماعة، مثل المساعدة في تزيين حديقة المدرسة، أو المساهمة في عمل طاولة، يلعب بها الطلاب تنس الطاولة في الاستراحة، بشرط أن يسبق ذلك إصلاح من أفسده، أو تعويض زميله عما أتلفه، والتعهد بالتحكم في انفعالاته في المرة القادمة. ومن المهم جدًا أن يدرك الطالب عاقبة تصرفه الخاطئ بعدها فورًا، ولا يكون الفاصل الزمني طويلاً، فتختفي العلاقة بين سوء التصرف والعقاب، ومن الضروري أيضًا أن تسود الشفافية في ذلك، بحيث يكون الطالب على علم من البداية، أن من يرتكب مخالفة بعينها، يناله العقاب المنصوص عليه في الاتفاقية التي وقع عليها، بحيث لا يكون هناك تعسف، ويكون التطبيق متساويًا مع الجميع. وقد أثبتت دراسات عديدة أهمية وجود طقوس متكررة، مثل أن يبدأ المعلم الحصة بالتحية، ثم يستغل وقت إخراج الطلاب أدواتهم من الحقيبة، لحصر الغياب والحضور، والسؤال عن الواجبات المنزلية، أو مراجعة الدرس الأخير، بأسئلة سريعة، أما الطالب المتأخر فيدخل الصف في هدوء، ويقول سبب تأخره في كلمات قليلة، ثم يتوجه إلى مكانه، حتى يأتي المعلم إليه ويناقشه في سبب تأخره، إذا أراد. إذا تحدث طالب بدون إذن، ينبهه المعلم أول مرة، دون أن يسمح له بمواصلة الكلام، وإذا تكرر نفس السلوك، يتجاهله المعلم، أو يشير إلى لوحة القواعد المعلقة في الصف، أو يشير إلى زميله الذي يتحدث، أو يوقف الدرس، ويتناول هذا الخطأ، إذا تسبب في إزعاج الجميع.
الواقع والمثالية أظهرت دراسة حديثة في ألمانيا، تضمنت توثيق حوالي 6000 موقف بين معلمين وطلاب، أن تصرفات المعلمين كانت إيجابية وداعمة للطلاب في ثلاثة أرباع هذا العدد، وأن ربع المواقف اشتملت على مخالفات، 6 في المئة منها تمثل انتهاكًا لكل القواعد، ومن يراجع هذه «الانتهاكات الصارخة»، كما أطلقت عليها الدراسات، يجد أن المعلم قال للباحثين الذين حضروا الحصة، إن أحد الطلاب مصاب بمرض فرط الحركة، وأنه «حالة مستعصية»، رغم وجود الطالب في الصف، وسماعه هذا الكلام، ومرة أخرى نادى المعلم على تلميذ قائلاً: «أنت أيها الطالب ذو القميص الأحمر»، وعندما علق طالب آخر على ذلك بقوله: «قميص أحمر، وكرش مثل البطيخة»، كان تعليق المعلم على ذلك: «أنا لم أقل ذلك، رغم أن ذلك صحيح أيضًا»، فضحك الطلاب، الأمر الذي اعتبره الباحثون الحاضرون إيذاء قاسيًا بنفسية الطلاب، يترك آثاره عليهم. وتشير دراسة أخرى إلى أنه من بين كل 15 موقفًا بين معلم وطالب، هناك موقف واحد يتصرف فيه المعلم بأسلوب غير تربوي،الأمر الذي يعني أنه يتصرف بطريقة صحيحة 14 مرة، علمًا أنه ليس من بين الأخطاء اعتداء جسدي، لأن الطلاب والمعلمون يتعلمون منذ صغرهم أن البشر يتحدثون بألسنتهم، ولا يحتاجون لأيديهم أو أرجلهم، للتعبير عن أفكارهم أو مشاعرهم. إن تعلم القيم الصالحة والسلوك الطيب، لا يأتي دفعة واحدة، بل يأتي بالممارسة، ومن خلال خبرات متكررة ومتتالية، فما يراه الطفل من والديه في البيت، يأخذه معه إلى المدرسة، فإذا كان هناك اتفاق بينهما، لم يجد صعوبة، وإذا رغب المعلم في تلقين قيم مختلفة، فإنه يحتاج إلى إقناع وتبرير، وإصرار على التزام الطلاب بها، وقبل ذلك أن يلتزم المعلم نفسه بها.
المدارس الغربية لا تتبنى قيمًا مختلفة، ولا أخلاقًا أفضل مما نتعلمه في مدارسنا، لكن هناك إجماع على أنها سارية على الجميع، ولذلك من حق الطلاب أن يسألوا المعلم عن سبب تأخره في الحضور إلى الصف، ولماذا يطالبهم بعمل الواجبات المنزلية في الموعد، ويحتاج هو إلى شهر لتصحيح الاختبارات، ويسألون عن كيفية توزيع الدرجات، والمعايير التي يتبعها في ذلك، وإذا قاطع المدير الطالب أثناء الحديث، يطلب منه الطالب بأدب أن يسمح له بأن يكمل حديثه أولاً، لأن المقاطعة سلوك غير مقبول من الكبير قبل الصغير، ولذلك فإن الرقابة الجماعية على الالتزام بالقيم، يسهم في اكتسابها المصداقية، وترسيخها لدى الطلاب. أما من يرى أن الطلاب هم الطرف الوحيد المحتاج للقواعد والتأديب، وأنهم العنصر الضعيف القاصر، الذي ليس عليه إلا أن يطيع، ولا يحق له أن يكون له رأي مخالف، وأن المعلم من حقه أن يتحدث في الهاتف في الصف، وأن يأتي متأخرًا، وأن يتناول الشاي أو القهوة أثناء الشرح، وأن يسخر من الطالب إذا أخطأ، وأن يقاطع الطالب أثناء حديثه، فالنتيجة معلومة للجميع، ولا تحتاج إلى تعليق.
لن ترتقي الأخلاق ويتحسن سلوك الطلاب في مدارسنا، إلا إذا كنا صادقين في تبنيها، ومن السذاجة أن نعتقد أن الطلاب غير قادرين على إدراك مصداقية من يتحدث إليهم، ولعل الأفكار المتداولة حاليًا عن الانتقال إلى دوام اليوم الكامل، تسهم في توفير المزيد من الوقت للقيام بالمهمة الأولى للوزارة، وهي التربية، وعدم التركيز فقط على التعليم. نصيحة من معلمة ألمانية قالت لي مربية صف ابنتي إنها تبدأ الحصة الأولى من كل أسبوع، بمصافحة كل طالبة، «فتشعر الطالبة في هذه اللحظة، أنني ملك لها، كل اهتمامي وتركيزي معها وحدها، أنني أراها وأهتم بوجودها، وأنها تشكل أهمية لي، وفي المقابل أرى في نظرة عينيها، وفي يدها التي تصافحني، ما يساعدني على معرفة حالها، ففي المصافحة نجد اليد الباردة، واليد المبتلة من التوتر، واليد التي تقبض بقوة، وثقة بالنفس، واليد الرخوة الضعيفة، وهذه المعلومات، تستحق أن أخصص لها بعض وقت الحصة»، وفي نهاية الأسبوع، تكرر الأمر نفسه لتوديعهن، وتتمنى لهن وقتًا سعيدًا، وتقدم لهن النصائح، بالاهتمام بالحركة، وعدم الخمول في المنزل، وألا يتكاسلن بسبب الطقس البارد، مضيفة أنه «ليس هناك طقس سيئ، بل ملابس غير مناسبة». سألتها عن كيفية فرض القيم على طلاب من ثقافات وأديان مختلفة، فردت قائلة: «إنني لا أستطيع أن أجعل من الفيل زرافة، لكن الفيل قادر أن يساعد الزرافة، والزرافة يمكن أن تفعل الأمر نفسه مع الفيل، لذلك فإننا لا نسعى لفرض ثقافة أو دين على أحد، نريد أن تبقى الزرافة زرافة، والفيل فيلاً، إننا فقط نضع الأسس المشتركة للتعايش بين مكونات المجتمع، وهي أسس كونية لا خلاف عليها، فليس هناك دين أو ثقافة تدعو إلى ارتكاب العنف، أو النيل من كرامة الإنسان».
وقبل أن أنصرف قالت لي المعلمة، إنها تؤيد وجود هذه القواعد، ولكنها تحذر بشدة من أن يستغل المعلم هذه القواعد، كوسيلة لممارسة القهر والظلم على الطلاب، فلا يكون همه نشر الفضائل والقيم، بل التذرع بها لفرض المزيد من العقوبات، رغم أن الهدف من وجودها الارتقاء بعلاقة أطراف العملية التعليمية، ومن يتعامل مع الطلاب بعدوانية، مهما كان السبب، هو أبعد ما يكون عن نشر الفضيلة والخلق في المدرسة.
+ نموذج من قواعد السلوك المدرسي القواعد التالية سارية على الجميع:
- الطلاب والمعلمين.
- المشرفين الاجتماعيين .
- السكرتارية، والإدارة.
- حارس المبنى.
- أولياء الأمور.
- كل ضيوف المدرسة.
إن الهدف منها هو العمل على توفير أفضل ظروف لراحة الجميع، والتعامل مع الخلافات والمشاكل بطريقة مناسبة. وتعتمد هذه القواعد على اعتبار الجميع مسؤولًا عنها، وأن ينبه كل طرف الآخرين إلى ضرورة الالتزام بها.
أولاً: قواعد تساعدنا على الشعور بالراحة:
- - إنني أراعي مشاعر الآخرين وأمنياتهم.
- - إنني أقول للآخرين بوضوح، إذا أردت شيئًا، وإذا كنت لا أرغب في شيء.
- - إنني أحرص على ألا أجرح الآخرين، بما يصدر مني من أقوال أو أفعال.
- - إنني ألتزم الأدب مع الصغير والكبير.
- - إنني صادق مع الآخرين.
- - إنني أقدم المساعدة، إذا احتاجها آخر، وأحضر من يساعد، إذا لم أكن قادرًا على ذلك بمفردي.
- - أتعامل مع أدواتي بحرص، وأتعامل بحرص أكبر مع أدوات الآخرين.
- - إنني أحافظ على النباتات والحيوانات وأحرص بشدة على عدم الإضرار بالبيئة.
ثانيًا: قواعد لبداية اليوم الدراسي:
- - أستطيع دخول الصف من الساعة الثامنة إلا عشر دقائق.
- - أنظف حذائي جيدًا قبل دخول المدرسة.
- - قبل دخول الصف، أخلع حذائي، وأضعه في الرف المخصص لي، وأرتدي حذاء الصف.
- - أخلع القبعة والشال وما لا أحتاج إليه في الصف، وأعلقها في مكانها الصحيح.
- - أتحدث في الصف بصوت منخفض.
- - الجري والركض ولعب الكرة غير مسموح بها داخل الصفوف.
ثالثًا: قواعد تساعدنا في الحصص:
- - الدقة في المواعيد: يجب على كل طالب وكل معلم أن يأتي في الموعد، عند بداية الحصة، فيوجد داخل الصف.
- - الأدوات المدرسية: قل بداية الحصة أضع الحقيبة المدرسية بجانب المقعد، أما أدوات الرياضة فمكانها مع المعطف، خارج الصف.
- - النظافة: كل طالب ينظف مكانه، وكل ما يخصه، من رفوف وأدراج.
- - خدمة الصف: يلتزم كل طالب بدوره في خدمة الصف، لأن ذلك يحافظ على نظافة الصف ونظامه.
+ قواعد العمل:
- - في كل صف توجد لوحة تتضمن قواعد الصف، حتى يسود الهدوء والنظام في الصف، ويجب الالتزام بها.
- - يتولى المعلمون إغلاق الصف أثناء الاستراحات، وفي نهاية اليوم المدرسي.
رابعًا: قواعد تسهم في الاستمتاع بالاستراحة يستطيع طلاب المدرسة:
- - الحصول على الألعاب من المخزن الرياضي، بعد تقديم بطاقة الهوية المدرسية.
- - يجب إعادة الألعاب كما كانت قبل الاستعارة.
- - لعب الكرة يكون في المكان المخصص لذلك فقط، وكذلك بقية الألعاب في أماكنها.
- - مكان الراحة مخصص للحديث، أو اللعب الهادئ.
خامسًا: ماذا يحدث عند مخالفة القواعد؟:
- - لا تصبح القواعد مؤثرة، إلا إذا ارتبطت مخالفتها بعواقب محددة.
- - عند مخالفة أي قاعدة، يكون هناك حديث مع الطالب المخالف حول ذلك، ثم إنذار.
- - يمكن للطالب أن يقوم بأعمال لمصلحة الجميع، تلغي هذه المخالفة.
- - عندما يكون التجاوز كبيرًا، يتم استدعاء ولي الأمر، أو عقد جلسة لمجلس الصف.
سادسًا: مرحبًا بأولياء الأمور وبالضيوف:
- - أولياء الأمور والضيوف موضع ترحيب دائم في المدرسة.
- - نرحب بمساهمة أولياء الأمور في أعمال المدرسة.
- - يحق لولي الأمر حضور أي حصة، بعد التنسيق المسبق مع المعلم.
- - نرجو من أولياء الأمور الذين يحضرون أطفالهم إلى المدرسة، أن يتركوهم عند بوابة المدرسة، لأننا نحب أن يعتمدوا على أنفسهم، ويتحملوا المسؤولية قدر الإمكان.
- - نطلب من أولياء الأمور المواظبة على حضور اجتماعات أولياء الأمور، ومجلس أولياء الأمور، الذي يسهم في اتخاذ القرارات مع الإدارة.
- - يحصل أولياء الأمور على أي مستجدات في الملف الأصفر، الذي استلمه الطالب في بداية العام، أو عن طريق الموقع المخصص لأولياء الأمور في الإنترنت.
طلب أخير: عند وجود أي غموض في أي أمر، أو استماعكم لأي إشاعة، أو وجود اختلاف في الرأي، نرجو منكم:
- - تحديد موعد للتحدث مع المعلمين.
- - الحصول على المعلومات المؤكدة، قبل اتخاذ أي رد فعل.
- - التحدث مع بعضنا البعض، قبل التوصل لاستنتاجات خاطئة.
بقلم : نيتر شنايدت