أجرى البروفيسور "هانس بوجلمان"، أستاذ التربية في جامعة "سيجن" الألمانية، استطلاعات للرأي ودراسات أكاديمية، حول ماهية المدرسة الجيدة، وألف كتابًا بعنوان (فهم المدرسة وتشكيلها)، جمع فيه خلاصة ما توصل إليه. نستعرض الآن أهم هذه المواصفات في السطور التالية: يحب الأطفال الذهاب إليها إن أفضل مؤشر لجودة العملية التعليمية، هو أن يسمع الوالدان من أطفالهما جملة: «يا خسارة، ليس عندنا اليوم حصة رياضيات»، وهو الأمر الذي يعني أن المعلم استطاع أن يوقظ فيهم حب المعرفة، والرغبة في تعلم المزيد، والاستعداد لبذل الجهد، ومن أسباب حب الأطفال لمدرستهم، شعورهم بالانسجام مع الزملاء، وتكوين صداقات معهم، فيحبون المكان الذي يجتمعون فيه.
يقوم المعلمون بالأخذ والعطاء وعليه أن يعرف المعلم قدرات طلابه بكل دقة، فيكلف كل واحد منهم بواجبات تحتاج إلى جهد، يتناسب مع قدراته، وفي المقابل يقدم المعلم كل العون لهم، بحيث يتمكنون من القيام بذلك، وتكون معايير التقييم شفافة، تجعل الطالب وولي الأمر قادرين على معرفة المستوى الحقيقي، وكيفية التحسن. يلقى الطالب المساعدة عند الحاجة لا يقوم المعلم أبدًا بذكر العلامات أمام الصف، حفاظًا على مشاعر الطالب الضعيف، ولا يكتفي بوضع العلامة في نهاية الاختبار، بل يرفق الإجابة النموذجية، متضمنة النقاط اللازم ذكرها في إجابة كل سؤال، وتوزيع الدرجات، ثم يكتب تعليقًا تفصيليًا، يتضمن الإيجابيات أيضًا، ولا يقتصر على السلبيات، والتأكيد على رغبة المعلم في المساعدة، وليس في إصدار أحكام صارمة.
كما أن معاملة المعلم للطلاب باعتبارهم كأنداد، بحيث يجعل لكل صف ممثلًا عن الطلاب، يشارك في اتخاذ القرارات المدرسية، وفي فض النزاعات بين زملائه، ويسمح المعلم لطلابه في الصف بأن يكون لكل منهم رأي مستقل، ولا يعاملهم بتعالٍ، بل يفكر معهم دومًا في الخطوة التالية، بدلاً من إصدار أوامر، لا تقبل المناقشة، لأن الهدف ليس هو تربية أفراد في قطيع مطيع، بل إنسان متفرد له إرادة، وقدرة على المشاركة في اتخاذ القرار. قواعد واضحة ودقيقة تسري على الجميع الحرص على بداية الحصة في موعدها بالضبط، ويقوم التعامل بين الطلاب والمعلمين على احترام متبادل، ولا يتأخر المعلم في تصحيح الواجبات ولا الاختبارات، وتكون هذه القواعد وغيرها مدونة في لائحة المدرسة، التي يحصل عليها كل طالب، ويعلم الجميع أن أي مخالفة لهذه القواعد، ينجم عنها العقاب الوارد في اللائحة، دون أي إفراط أو تفريط. المدرسة ليست مكانًا للتعلم فقط، بل وللحياة أيضًا الصفوف والممرات وغرف المعلمين، كلها تراعي البعد الجمالي، ولا وجود للقمامة في فناء المدرسة، أو عند الدرج، ودورات المياه نظيفة، ومدخل المدرسة يشرح الصدر، ويحمل عبارات الترحيب بالعديد من اللغات، واللوحات الإرشادية تساعد الزائر على معرفة مكان السكرتارية، ومكتب المدير، والمسرح المدرسي، ومن المهم أن تكون صفحة الإنترنت دائمة التحديث، بحيث يجد الطالب وولي الأمر دومًا آخر أخبار المدرسة، وأي تغيرات، مثل تعطل الدراسة بسبب الطقس السيء، أو تغيب معلم التربية الرياضية، واسم المعلم المناوب مكانه.
إن اندماج المدرسة في بيئتها المحيطة بها من شأنه أن يعزز علاقاتها بالبيئة المحيطة، كما تقيم علاقات تعاون مشتركة، مع الاتحادات الرياضية، وعيادات الأطباء، والمكتبات العامة، والشركات والمصانع القريبة، وحتى مع الجيران من السكان، والسماح للطلاب بعمل أنشطة خارج أسوار المدرسة، ودعوة أولياء الأمور والفنانين والحرفيين، لنقل خبراتهم للطلاب، والاستفادة من معارفهم في الحصص الدراسية.
فالمعلم عليه أن يسمح لزملائه ولأولياء الأمور بحضور حصصه، ويحب العمل ضمن فريق، ويتبادل الخبرات مع الآخرين، ويحضر دورات لتطوير الذات، ويوافق على تقييم عمله، بصورة دورية. أولياء الأمور متحمسون للمشاركة في المدرسة ليس المطلوب من أولياء الأمور تقديم الطعام للحفلات المدرسية فقط، بل يشاركون في مجالس المدرسة المختلفة، وفي الرحلات المدرسية، ومن الأفضل تشكيل جمعية مسجلة رسميًا لأولياء الأمور، تقدم الدعم للمدرسة. يشعر أولياء الأمور أيضًا بالراحة في المدرسة يقبل أولياء الأمور على حضور الاجتماعات المسائية، لمناقشة الأوضاع على مستوى الصف، أو على مستوى المدرسة ككل، وفي اليوم المفتوح يرافق الطلاب أولياء الأمور، ويتحدثون معهم عن انطباعاتهم عن المدرسة، بكل صراحة، ويبدي مدير المدرسة ترحيبه بالحديث مع أولياء الأمور، ولا يمانع من كشف تقييم الإدارة التعليمية للأوضاع في المدرسة.
...
المصدر: Hans Bruegelmann: Schule verstehen und gestalten:Perspektiven der Forschung auf Probleme von Erziehung und
Unterricht, Libelle Verlag; 400 Seiten
بقلم: أسامة إبرا هيم