كثيراً ما يكون خبرُ تغيب الأستاذ نبأ تنتشي به جماعة الفصل، أو بداية العطلة الدراسية مناسبة تعدُّ أيام اقترابها على رؤوس الأصابع،حيثُ الانتظار على أحرِّ من الجمر و كثيرا ما يكون انصرام أيامها جحيماً لا يطاقُ حيث السّاعات و الدقائقُ تعدو ثواني تمر بسرعة البرق. لعلَّ هذا الشّعورَ بالتخلص من جو المدرسة أو الفصل يضمرُ وراءه عوامل و مسببات قد يكون الأستاذ و المؤسسة و الأسرة و المجتمعُ قوى فاعلة في تشكيله لدى المتعلم .هل يعني ذلك بأن المدرسة فاقدة للجاذبية المطلوبة؟هل للأستاذ نصيب وافرٌ في نفور المتعلم من المدرسة؟هل المجتمعُ استقلَ من دوره التعبوي والتَّوعَوِي بأدوار ألمدرسة. ماذا عن الأسرة التي جعلت من المدرسة مكاناً للتخلص من أبنائها، هل فعلا الأسرة تسير في اتجاه ما تريده المدرسة؟ علّها أسئلة نتاج تجربة متواضعة كتلميذ وكفاعل في الحقل التربوي سأحاول الإجابة عنها واحدة تلوى الأخرى.

الأستاذ شخصٌ منَفِّرٌ أم محَبّْبٌ.

  يحتل الأستاذ مكانة و مرتبة عالية داخل الوسط المدرسي نظرا للمهمة الملقاة على عاتقه من جهة والدور الذي يلعبه في علاقته بالمتعلم حيث يشكل بالنسبة لديه مصدر المعرفة و مصدر تغذية الجانب الأخلاقي والوجداني والسيكولوجي، فمهمة الأستاذ أو المدرس تنطلق من داخل القسم إلى خارجه، في تجاوز للدور المعرفي إلى ما هو تربوي، حيث يغدو الأستاذ مصدر إلهام للمتعلم و نموذجه الذي يحتذي به في التربية و الأخلاق في محاولة إزالة الصورة النمطية التي تحبسُ الأستاذ في قوقعة التلقين و الإلقاء الفجّ. إنّ ممارسة المدرس لدوره المعرفي و التربوي في آن واحد لن يتأتى إلاّ مِن خلال جانبين أساسين :

الجانب الديداكتيكي والبيداغوجي: من خلال امتلاك الأستاذ لأدوات بيداغوجية وديداكتيكية حديثة، تساعده على التنشيط و خلق الفاعلية المطلوبة في تمرير المعارف بعيداً عن الطريقة الجافة في الإلقاء و المبنية على اتجاه أو مسار واحد من و إلى التلميذ.

الجانب السيكولوجي والوجداني: فالمتعلم عليه أن يشعرَ داخل الفصل الدراسي بجو يسوده الاحترام المبني على القناعة و الاقتناع النابع من الذات و ليس المبني على الخوف من الأستاذ؛ وأيضا عليه أن يحسّ بنوع من التقدير والاحترام في علاقته بزملائه داخل الفصل الدراسي، ففي علاقة الأستاذ بالمتعلم هذا الأخير غالباً ما يحتاج من مدرسه الحنان والعطف المطلوب قصد تعويض الدّفء الأسري.

 علاوة على القيام بدور المساعد السيكولوجي والنفسي من خلال التوجيه و الدعم لبعض السلوكيات التي تحتاج إلى تقويم من قبيل الخوف الخجل، الإدمان، وبعض المشاكل الأسرية إن كانت  في النطاق المحدود، نظرا لأن بعض المشاكل تحتاجُ إلى أخصائيّ في الميدان هذا من جهة، أمّا من جهة ثانية فنظرا للفراغ الذي يعانيه الأساتذة من ضعف  التكوين في الجانب النفسي و السيكولوجي، أهمّ بعض الإشارات البسيطة التي يتمّ تلقينها خلال فترة التكوين والتي تبدو ضئيلة، مقارنة مع حجم المسؤولية الملقاة على الأستاذ.

الأسرة هي المدرسة الأولى:

 للأسرة دور محوري وأساسي في التربية ،فتأثيرها يبدو جليا على الأبناء  انطلاقا من موقعها في حياة المتعلم كمدرسة أولى تمر عبرها الناشئة إلى جو الفصل الدراسي  بتلقين الطفل مجموعة من الأبجديات  الأخلاقية الضرورية التي يحتاجها في المدرسة و التي ستساهم لا محال في بناء علاقة متينة  بالمحيط المدرسي من بينها المسئولية و الاحترام و التقدير مبادئ أولية-قاعدية ( نسبة إلى القاعدة ).

  لكن الملاحظ أن نظرة غالبية الأسر تكون غير مقبولة  ويتضح ذلك جليّاً من خلال الخطاب الموجه إلى الأبناء أو أثناءَ الحديثِ الذي تتقاسمه الأسر فيما بينها. حيث يعتبرون المدرسة بمثابة المكان الذي تلجأ إليه للتخلص من أبنائها، انطلاقا من تجربتي الخاصة في أسرتي والتي سرعان ما تثور الأم أو الأب غاضبين  حين يصدر مني سلوك غير لائق خاصة أثناء العطلة؛ معترفين على أن المدرسة كانت تخلصنا من مشاكلكَ وأفعالك، الأمر الذي قد يحدثُ إحساسا لدى المتعلم. إنّ المدرسة تعد بالنسبة إليه معتقلاً أو سجنا لجأ إليه الأبوان للخلاص من ابنهما. أضف إلى ذلك التناقض الصارخ الذي يعيشه المتعلم على مستوى الحرية التي يمارسها في منزله وداخل المؤسسة، هذه الأخيرة تسنُّ رُزنامة من القوانين التنظيمية التي تتناقض مع الطقس العام الذي يعيشه في منزله. الأمر الذي قد يخلقُ نوعا من النفور والإحساس بالقيد والشروط الكابحة لحريته.

مدرسة في قلب المجتمع و مجتمعٌ في قلب المدرسة.

  إنّ دور المدرسة يعدُّ هاما جداًّ في بناء وتكوين كوادرَ، قادرة على خلق التغيير المجتمعي المطلوب على الأصعدة المختلفة سياسيا وثقافيا و اجتماعيا؛ إذا كان للمدرسة هذا الدور فالمجتمعُ لا تقل أهميته عن القيام بدوره التعبوي ومحو الصّورة الباهتة عن المدرسة، باعتبارها قنطرة لتفريخ ثلة من العاطلين، وهذا لن يتأتى طبعاً، إلاّ بفضل جمعيات المجتمع المدني. هذه الأخيرة تلعب دور الوسيطَ والرابطَ بين المدرسة والمجتمع من خلال نقل ارتساماته ورغباته و أولوياته. التي يجب على المدرسة تلبيتها والتركيز عليها.

  إنّ المدرسة هي حقّاً في أمسِّ الحاجة إلى فئات قادرة على خلق التغيير المطلوب، باعتبارها الملاذُ لإنتاج ما هو مطلوب. وهذا لن يتأتى إلا بوجود مجتمع يثق في المدرسة فيجعلُ منها أولويته المطلوبة، فقد ربط "جون ديوي" الفشل في التربية بإهمال "مبدأ أساسي وهام جدّاً، باعتبار المدرسة مجتمعاً صغيراً، وأن الطفل يجب أن ينشط أو يوجّه عمله وكلّ تفكيره عن طريق حياته في هذا المجتمع".

  ختاماً، يمكن القول بأنّه لن يتمّ التأسيس وخلق مدرسة جذّابة ومستقطبة للأفراد إلاّ بتضافر جهود كل من الأستاذ؛ باعتباره عنصراً بارزاً في العملية التعليمية-التَّعَلمية، والمجتمع بثقته في المدرسة. وإزالة النّظرة التي تضعها في قلب التلقين المعرفي وليس التربية. هذه الأخيرة لن تكتملَ إلاّ إذا هيأت الأسرة أبناءها لجو المدرسة وطقوسها الخاصّة. إنّ دور المؤسسة التعليمية لا محيد عنه في هذا الشأن، من خلال خلق مجموعة من الأنشطة التي تشكل بالنسبة للمتعلم فرصة للانسلاخ من الإيقاعية الرتيبة في الفصل الدراسي.

بقلم: إسماعيل العماري

 

التعليقات  

#1 kabiri 2015-03-09 18:59
مقال رائع
اقتباس

أضف تعليق


كود امني
تحديث